بوتين وسياسة تبريد الأزمات
موقع إنباء الإخباري ـ
موسكو ـ مارينا كولتسوفا*:
يُعدُ رفض الرئيس فلاديمير بوتين فرض عقوبات على الدبلوماسية والدبلوماسيين الامريكان في موسكو، أسوة بالعقوبات التي أوقعها نظام اوباما قبل رحيله بالممثلية الدبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة، محطة من محطات السياسة المنطقية والوطنية المُضيئة والمميزة التي يتبعها بوتين في نهجه الثابت لتعديل إتجاهات السياسة العالمية لجهة تعزيز مصالح جميع الشعوب وتعزيز سلامها وأمانها.
فبوتين لم ولا يسعَ للمواجهة مع أية دولة من الدول، بل على العكس من ذلك، نراه يعمل على مد جسور التعاون الفاعل، والنفاذ الى الشعوب والعلاقات الندية معها والتعاون المثمر، وتعرية سياسة تشويه سمعة روسيا وكشف مناهج العدوان الدولي على الامم الاخرى. كما وهي كذلك سياسة إنسانية القسمات، تعارض النهج الامريكي القائم على المواجهات الحامية والنزاعات والتدخل في شؤون الغير، بدلاً من تبريد العلاقات الدولية وتنميتها.
إدارة اوباما كشفت عن عورتها قبل عشرين يوماً ونيف من رحيلها النهائي، فقد عرّت نفسها بنفسها من ورقة التوت الاخيرة التي إعتقدت خاطئة بأنها كفلت لها إخفاء تشوهاتها، سيّما بعدما رفض بوتين الرد عليها بنفس منطقها العدواني والتأزيمي، فقد غدا واضحاً بلا شك، أن اوباما وجماعته لم يتقدموا خطوة واحدة خلال سنوات حكمهم للولايات المتحدة لإنجاز أية صِلات إيجابية وجادة مع روسيا، بل أنهم سارعوا وفي مختلف النقلات بين العاصمتين موسكو وواشنطن، الى وضع العصي في دواليب العلاقات، والتأزيم المستمر لها، وكيل الاتهامات للدولة الروسية، ومحاولة حصارها على صعيد العلاقات الامريكية الروسية المشتركة، وشن الحرب الإعلامية علينا بلا هوادة، وأطلقوا دعوات لا تنتهي لتعكير أجواء العلاقات الروسية الاوروبية، وعلاقات روسيا مع مختلف الدول ومنها العربية، وبذلوا جهودهم لتخريب علاقات روسيا مع جمهورية الصين الشعبية، التي ترتبط مع بلادنا بِعرى أستراتيجية وتعاون نافع جداً لا يمكن فسخه.
إدارة أوباما هدفت من ترحيل الدبلوماسيين الروس قبل نهاية هذه السنة2016، التأسيس الدبلوماسي والمادي والمعنوي والإعلامي والإقتصادي لتخريب العلاقات مع روسيا في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب ومع إدارته لفترة طويلة، بحيث يَصعب إصلاح هذه العلاقات لاحقاً وصعوبة اقناع الكونغرس الامريكي بهذا الاصلاح، وبالتالي تعكير أجواء السياسة الدولية برمتها.
أضف الى ذلك رغبة اوباما وجماعته الرغبة بترحيل الفشل المتواصل الذي أصبح الخاتم الرسمي لإدارتهما، لإدارة ترامب الجديدة وحلفاء امريكا الاوروبيين، وهي إدارة تواجهت بحدة مع إدارة اوباما وكلنتون وجرّت العالم ضد ترامب، لكنها لم تستطع جر روسيا الى مزالقها الامريكية.
سياسة اوباما الرعناء تكشف عن إحتداد علني وسري بالغ في معسكرات السياسة والحرب ورؤس الاموال والاحتكارات الامريكية بعضها ببعض، وعداء كل منها للآخر الى حد إلحاق التخريب المتعمد، بحيث يمكن القول ان العداء وليس الديموقراطية والتضامن والانسجام وخدمة الامة الامريكية، هو ديدن السياسة الامريكية وشعارها، وبأن شعارات كلنتون في السُعار الانتخابي حول خدمة الامة كان مجرد اكاذيب، أصبحت آخذة بقضها وقضيضها نحو التكشف يوماً بعد يوم، ليس في الولايات المتحدة الامريكية نفسها فقط، بل وفي العالم أيضاً وفي أوساط الرأي العام الامريكي وأعرض قطاعاته.
روسيا تؤجّل إقرار أية عقوبات على الدبلوماسية الأمريكية، وهو مظهر قوة، بينما عقوبات أمريكا على روسيا وهي عقوبات فاشلة، تبدو أحد مظاهر فشل الإدارة الراحلة ووقوعها في مستنقع عميق من المشكلات وتراجع تأثيرها دولياً. فإدارة اوباما تريد إيقاع الإدارة الجديدة سوياً معها في هذا المستنقع، لكن احتفال الدبلوماسيين الامريكيين المعتمدين في موسكو الى جانب عائلاتهم وأطفالهم برأس السنة الجديدة وبدعوة شخصية من الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين ذاته، يُعدُ “ضربة معلم بوتينية ناجحة” في عِلم الدبلوماسية والعلاقات الدولية، جعل من اوباما وإدارته راحلة للأبد وخارح صفحات التاريخ والجغرافيا، ومتصاغرة أمام عظمة بوتين وروسيا البوتينية.
*كاتبة من روسيا تكتب عن الصداقة الروسية العربية، وعضوة في رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ للأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ.
*المقالة مترجمة وخاصة بموقع إنباء الاخباري.