بوتين والغرب .. فصل جديد من المواجهة
وكالة الأنباء القطرية:
في عام 1948 ألقى السير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك خطاباً شهيرا بولاية ميسوري الامريكية، حذر خلاله مما اسماه بخطط التوسع السوفيتية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، داعياً الولايات المتحدة وحلفاءها في غرب أوروبا للوقوف في وجه الطموح السوفيتي، وفي هذا اليوم استخدم تشرشل لأول مرة مصطلح ” الستار الحديدي” في وصفه لسياسة الفصل بين الشيوعية والرأسمالية الغربية في اوروبا .
حين قالها تشرشل في ذلك الوقت ، لم يكن يعلم انه بعد قرابة نحو 66 عاماً سيعيد سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي استخدام المصطلح ذاته لوصف العقوبات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ضد بلاده على خلفية الازمة الاوكرانية .
وقال ريباكوف يوم الثلاثاء إن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد بلاده لن تبقى دون رد وأن طيف الإجراءات التي ستتخذ واسع بما فيه الكفاية. وأعرب في تصريح بثته قناة “روسيا اليوم” عن اعتقاده بأن الرد الروسي سيكون “مؤلما ً” بالنسبة للولايات المتحدة مضيفاً أنه لا يحق لأحد أن يتحدث مع روسيا بلغة العقوبات لأنها سترتد على أصحابها أية محاولات إملاء شيء ما علينا أو توجيه إنذارات لنا.
وفرضت الولايات المتحدة الامريكية يوم الاثنين عقوبات على سبعة مسؤولين روس و17 شركة على علاقة بالدائرة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك لمعاقبة موسكو على ما اسمته “نشاطاتها الاستفزازية” في أوكرانيا. وشددت واشنطن أيضا التراخيص المطلوبة لبعض الصادرات الروسية عالية التقنية، والتي يمكن أن تستخدم عسكريا، وفق ما جاء في بيان للبيت الابيض.
وقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أسماء المسؤولين الروس الذين شملتهم العقوبات وحرموا من الحصول على تأشيرات لدخول الاراضي الامريكية. وضمت القائمة كلا من اوليج ايفجنيفيتش مبعوث الرئيس بوتين الى شبه جزيرة القرم وعضو مجلس الامن الروسي، سيرجي شيميزوف مدير عام شركة طيران روستيك المملوكة للدولة، وديميتري كوزاك نائب رئيس الوزراء، ويفجينى الكسفيتش مدير دائرة الحماية الاتحادية بالجيش الروسي، والكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الدولية بالدوما (البرلمان )، وايجور سيتشين الرئيس التنفيذي لشركة روسنفت البترولية، وفياتشسلاف فولودين نائب رئيس الاركان في الرئاسة الروسية .
ومن بين الشركات التي تستهدفها العقوبات “افيا غروب”، و”بنك سيفيرني مورسوي”، و”بنك انفيست كابيتال”، و”ترانزسويل”، و”مجموعة فولغا للموارد”، و”بنك سي ام بي”، و”بنك سوبين” و”زيست ليسينغ”.
وألقت نيويورك تايمز الامريكية الضوء اكثر على لائحة الاسماء المدرجة ضمن العقوبات الامريكية – الغربية ضد روسيا، واشارت الى انه من بين تلك الاسماء يوجد 4 من المليارديرات الذين يتحكمون في مفاصل الاقتصاد الروسي، خاصة قطاعي النقل والبترول. وقالت الصحيفة ان اختيارهم من قبل الادارة الامريكية يبعث برساله واضحة الى الرئيس فلاديمير بوتين مفادها ان القرار الامريكي سيكون مؤلما على المدى البعيد ما لم تراجع موسكو سياساتها تجاه اوكرانيا .
كما قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على 15 شخصية إضافية من روسيا وأوكرانيا على خلفية دورهم في الأزمة. وتتعرض هذه الشخصيات إلى العقوبات ذاتها المفروضة على أكثر من 50 آخرين من حظر سفر وتجميد ممتلكات.
ونشرت الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي امس لائحة الاشخاص الذين تعتبرهم مسؤولين عن اعمال تهدد وحدة اراضي اوكرانيا وسيادتها واستقلالها، وبينهم زعماء مجموعات انفصالية في شرق اوكرانيا. وتشمل اللائحة أيضا رئيس هيئة اركان الجيش الروسي ومدير الاستخبارات العسكرية.
وانضمت اليابان الى تحالف العقوبات ضد روسيا وحظرت طوكيو منح تأشيرات إلى 23 شخصاً، واعرب وزير الخارجية ، فوميو كيشيدا، عن قلق بلاده البالغ إزاء استمرار الخطوات الروسية التي تنتهك سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها بما في ذلك ضم القرم، ولم تكشف وزارة الخارجية عن أسماء أو جنسيات الأشخاص الذين تشملهم العقوبات الجديدة، وإن كانت تستند إلى القوائم ذاتها التي أعدتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كندا هي الأخرى سارت على الدرب، وأعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر عن فرض عقوبات جديدة على روسيا تخص شركتين و9 أشخاص. وجاء في بيان نشره مكتب رئيس الوزراء أن أسماء الأشخاص والشركات ستنشر في القريب العاجل.
لكن في الوقت نفسه، ينظر الاتحاد الاوربي الى العقوبات بمنظور مغاير، فروسيا هي من تزود اوروبا بثلث احتياجاتها من الغاز والنفط وعلى ذلك فإن الخطوة الاصعب من قبل القادة الأوروبيين هي اتخاذ مجموعة من العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك تدابير ضد قطاعي النفط والغاز ثم البحث عن البديل لضمان عدم توقف الامدادات.
والى جانب العقوبات الاقتصادية، فقد اطلقت الحكومتان البريطانية والاميركية في لندن منتدى دوليا لاستعادة الاموال الاوكرانية المنهوبة، يشارك فيه وزير الداخلية الاوكراني وممثلون حكوميون كبار ومدعون وممثلون عن مراكز مالية ومنظمات دولية وخبراء دوليون في مكافحة تبييض الاصول.
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي إن هذا الحدث سيساهم في انشاء مرجعية جديدة للمجتمع الدولي عبر إثبات إرادة مشتركة تمنع تعرض مجتمعاتنا واقتصاداتنا المفتوحة للاستغلال من طرف افراد فاسدين لتبييض واخفاء اموال مسروقة.
وألمح وزير العدل الأمريكي اريك هولدر ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذاته لن يكون ببعيد عن العقوبات في المستقبل وقال ان على روسيا ان توقف تدخلها غير المشروع واعمالها الاستفزازية في أوكرانيا معربا عن استعداد بلاده لفرض عقوبات إضافية ان لم يحصل ذلك.
وأوضح المدعي العام الأوكراني أن بلاده حددت على الاقل 2.18 مليار يورو من الاصول المسروقة وان القيمة الاجمالية قد تصل الى عشرات مليارات الدولارات ، واعلن المكتب البريطاني لمكافحة الجرائم المالية الكبرى عن فتح تحقيق في تبييض الاموال يتعلق بتهم فساد في أوكرانيا، كما جمد اصولا اوكرانية بقيمة 23 مليون دولار.
ومنذ إعلان الولايات المتحدة الامريكية عن خطة العقوبات ضد روسيا، فإن عدد الدول التي فرضت عقوبات ضد افراد او مؤسسات روسية قد وصل إلى 31 منها 28 دولة هي قوام الاتحاد الأوروبي.