بناء النظام العالمي الجديد.. بدأ!
صحيفة الوطن السورية-
هديل محي الدين علي:
تتنافس عناوين وسائل الإعلام الغربي في تبيان الحاجة إلى ثروات روسيا من موارد طاقة وحبوب وأسمدة وحتى الوقود النووي، وذلك في نقد واضح لسياسات حكوماتها التي تحاول حصار روسيا في كل المجالات وعلى كل المستويات، لتجد بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية إقليم دونباس في شباط ٢٠٢٢ وفرضها لحزم العقوبات على موسكو أنها تحاصر نفسها.
صحيفة «فيزغلياد» نشرت رأي الأستاذ المساعد في قسم المعلوماتية بجامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد ألكسندر تيموفيف الذي أكد أن تسارع تراجع التصنيع في ألمانيا لم ينجم عن تغييرات هيكلية أو شيخوخة السكان إنما عن سياسة الطاقة الخاطئة وتصرفات المسؤولين الاقتصاديين، موضحاً أن البنية التحتية للطاقة لم تكن مستعدة لمثل هذا التحول المفاجئ والمكلف إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية وبقاء البلاد بلا احتياطيات طاقة، كلام الخبير الاقتصادي هذا عن ألمانيا التي تعد قاطرة الاقتصاد الأوروبي ورافعته حيث تعاني ما تعانيه بفعل العقوبات على روسيا فما بال بقية الاقتصادات الأوروبية؟ والسؤال الأبرز لماذا تقوم أوروبا بعملية الانتحار السياسي والاقتصادي بهذه الطريقة الغريبة؟
في الحقيقة إن أوروبا تنفذ سياسة واشنطن التي تخشى التحول العالمي الجديد القائم على تعدد القوى العالمية بمختلف تصانيفها الصغيرة والإقليمية وحتى الدولية الكبرى، وهو أمر قد بدأ وأعلن عن انطلاقته في قمة «بريكس» في جوهانسبورغ جنوب إفريقيا.
العديد من المحللين تناولوا هذا الأمر من زاويتهم، ولكن الأكثر تفصيلا هو ما جاء به مدير مركز التحليل التطبيقي للتحولات الدولية بجامعة الصداقة بموسكو فيتالي دانيلو في «إزفيستيا» عندما شرح آلية الخروج من المواثيق والنظم التقنية التي تحكم مسار سيطرة الدولار الأميركي على العالم.
دانيلو أوضح أن توسع بريكس في المرحلة الحالية له إمكانية قوية لتحييد نظام «بريتون وودز»، واتفاقية «بريتون وودز» هي الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من 1 إلى 22 تموز 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأميركية، وكان قد حضر المؤتمر ممثلون لأربع وأربعين دولة، ووضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، مع مراعاة الحقائق الحديثة والعدالة.
أما بالنسبة لانضمام مصر وإثيوبيا فالسياسة هنا أكثر من الاقتصاد، حيث إن لهذين البلدين أهمية أساسية في تشكيل الحالة الإفريقية لتعزيز نفوذ المنظمة في القارة، فيما كان لانضمام الأرجنتين خطوة عززت نفوذ مجموعة «بريكس» في أميركا اللاتينية حيث إن أكبر اقتصادين في القارة، البرازيل والأرجنتين، بدأا يخرجان من نفوذ الولايات المتحدة السياسي والاقتصادي، وبعد انضمام فنزويلا وبوليفيا وكوبا إلى المنظمة، سيكتمل خروج القارة من «ميثاق مونرو» الأميركي وهو بيان أعلنه الرئيس الأميركي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأميركي عام 1823 لضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، والقصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأميركيتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.
روسيا والصين والقوى الصاعدة تحكم قبضتها على مصادر الطاقة والمواد الأولية للصناعات المتنوعة ومستلزمات الزراعة وبعض مناطق النفوذ الاستراتيجي في العالم لتبدأ مرحلة بناء النظام العالمي الجديد وفق أنظمة ومبادئ واتفاقيات جديدة لن يستطيع أحد إيقافها عند اكتمالها.