بعكاز.. رسم القدس
موقع الاتحاد العالمي لوسائل الإعلام الإلكتروني ـ
محمود ريا:
بعكّاز يرفعه في وجه جنود العدو الصهيوني، يرسم رجل فلسطيني طاعن في السن لوحة أكثر تعبيراً وأعمق ألواناً من كل لوحات الرسامين المشهورين، ويعلن حقيقة لا تستطيع كل أنواع التهويل والتضليل إخفاءها، حقيقة أن فلسطين للفلسطينيين، وأن القدس للمقدسيين، وليست للطارئين القادمين من مختلف الأصقاع، ليسرقوا الأرض وينتهكوا العرض، ويسرقوا الزيتون والتين.
بـ “بعكورته” التي رفعها عالياً، وكلماته التي أطلقها بصوت مقهور، ولكن قوي وواضح وثابت، كتب على صفحات تاريخنا هوية القدس وهوية الأقصى وكنيسة القيامة، وهوية كل حبة تراب من البحر إلى النهر، وأعطى حكم الدهر القاطع بأن المحتل إلى زوال، وأن الأرض لأهلها، ولن تكون إلا لهم، مهما كان جبروت المحتلين.
لقد كان وحده يوماً للقدس، لا بل زمناً لا ينقضي لها ولحقّنا فيها ولإصرارنا على تحريرها، واندمجت كلماته مع حجر في قبضة طفل وسكّين في يد فتاة ورصاصة في بندقية مجاهد وصاروخ في مكان ما، ليكون يوم القدس حقيقةً واقعة، يوماً لا يخبو وهجه ولا تبهت مراسمه، يوماً يأخذ ساعاته من دماء المضحين وعَرَق المجاهدين وأنّات الأسرى في المعتقلات والسجون.
إنه يوم القدس الذي نفهمه والذي تتلاقى فيها نداءات الوحدة بين الشعوب المسلوبة الحقوق، مع هتافات الموت للظالمين، مع لعلعة رصاص المقاومين.. مع تموّجات الهواء التي يسببها ذاك العكاز المرفوع في وجه الغاصبين.
لقد كانت هذه الروح موجودة لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ولدى المؤمنين بقضيتهم في أنحاء عالمنا العربي وشعوبنا المستضعفة الممتدة في أنحاء الأرض، فجاء إعلان هذا اليوم في العام 1979 ليشكل ذخراً لكل هؤلاء، يمدّهم بالعزم وبالمزيد من الإرادة وبالكثير من الحماسة ليكملوا على الطريق نفسه، دون تعب ولا وهن، ودون أي إمكانية للتراجع والاستسلام، فتمكن هؤلاء جميعا من إبقاء القدس شعلة ملتهبة في أذهان الأجيال المتعاقبة، ونجحوا في منع ضغوط العالم المستكبر من تحويل فلسطين إلى فولكلور، ومن تذويب إرادة الرفض لكل مخططات تصفية القضية المحقة للشعب الفلسطيني.
لقد جاء إعلان يوم القدس العالمي من تلك الشخصية الشامخة ليكون راسية من الرواسي التي تمنع الأرض من أن تميد بنا، وليثبّت في أذهان الجميع أن القدس ليست للبيع، وأن فلسطين ليست للمقايضة والتجارة، وأن كل ذرة من أرض فلسطين هي فلسطينية الانتماء والهوية، ولا يمكن أن تقبل القسمة ولا التنازل عنها مهما كانت مغريات الكون.
ومن حق الأعداء أن يشعروا بالغيظ وأن يحاصروا ويرتكبوا المجازر بحق الجهة التي أطلقت هذا اليوم العظيم، لأن ما حققه هذا اليوم على حسابهم عظيم جداً: لقد أحبط مشاريعهم وحطّم آمالهم وأدخلهم في دائرة الخسران، بعد أن كانوا يظنون أن مخططاتهم قد نجحت في إنهاء القضية الفلسطينية وفي محو القدس من أذهان العرب ومن أفكار كل الأحرار في العالم.
ومن حقنا نحن أن نحتفل بهذا اليوم، وأن نعطيه حقه بالاهتمام والتقدير، لأنه فتح أمام أمتنا آفاقاً كبيرة للدفاع عن القدس ولحماية المسجد الأقصى، وللتعريف بقضية فلسطين ولإيجاد أجيال لا يمكن أن تنسى واجبها تجاه مقدساتها مهما كانت الضغوط.
لقد كان يوم القدس العالمي عكازا نتكئ عليه لنكمل طريقنا نحو الحرية والنصر، تماما كذلك العكاز الذي رأيناه يُستخدم كراية مرفوعة في وجه المحتلين.