بعد إنتهاء رمضان والفصح.. قراءة في المواقف والمآلات
موقع قناة الميادين-
وسام أبو شمالة:
يقدّر “الجيش” الإسرائيلي أن التهديدات لكيانه، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تتوسع وأصبحت تشمل كلاً من إيران ولبنان والعراق واليمن وسوريا، بالإضافة إلى التهديد على الجبهة الفلسطينية.
شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من الأحداث والتطورات الميدانية والمواقف السياسية، أبرزها عملية مجدو شمال فلسطين المحتلة، وعمليتا غور الأردن و”تل أبيب” الفدائيتين، ومعركة رمضان، التي تخللها إطلاق عشرات الصواريخ من الجبهة اللبنانية في اتجاه مستوطنات العدو في الشمال الفلسطيني المحتل، رداً على عدوان قوات العدو الهمجي على المصلين في باحات المسجد الأقصى، وما تخللها من مواقف وتوجهات لمحور المقاومة في المنطقة أثناء شهر رمضان المبارك، على نحو قرأته أوساط العدو بعمق وتمعن، وأجرت مستوياته المختلفة تقديراً للموقف الميداني بعد انتهاء شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي.
في منتصف آذار/مارس الماضي، حدثت عملية أمنية عند مفترق مجدو، شمال فلسطين المحتلة، وصفها العدو بالخطيرة، متهماً حزب الله اللبناني بأنه يقف خلف تنفيذ الهجوم، إما بشكل مباشر أو بالتنسيق بين الحزب وحركة “حماس” في لبنان، الأمر الذي تكرر في منتصف شهر رمضان المبارك، عندما انطلقت عشرات الصواريخ في اتجاه العدو من الجبهة اللبنانية، وهذه المرة اتهم العدو بشكل مباشر حركة “حماس” في لبنان بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ، فيما اختلفت الجهات الأمنية والاستخبارية، في تقدير معرفة قيادة حزب الله بعملية الإطلاق والتنسيق المسبق بين الحزب و”حماس”، كما اختلفوا في تقدير معرفة قيادة “حماس” في غزة.
تقدير جهاز الموساد الإسرائيلي، ذهب في اتجاه وجود تنسيق كامل بين الحزب و”حماس”، وأن الحزب لا يمكن أن يسمح بالتحرك في الساحة التي يسيطر عليها لأي جهة من دون إذنه، وأوصى بردّ على الحزب حتى لا يؤدي الإحجام عن الرد إلى تآكل الردع على الجبهة الشمالية، وتغيير قواعد الاشتباك السائدة منذ عام 2006، فيما رأى جهاز استخبارات العدو وقيادة الأركان أن العملية تمت من دون علم الحزب، حتى من دون معرفة قيادة حماس في غزة، لكن التوصية كانت باستبعاد الرد على حزب الله، وتوجيه رد محدود على مواقع لحركة “حماس” في غزة ولبنان، وهو ما تم بالفعل، وذلك بهدف تجنب حرب واسعة على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
يسود الاعتقاد في أوساط العدو أن محور المقاومة بات يعتمد سياسة أكثر جرأة في مهاجمته، وعلى الرغم من التقدير بأن حزب الله سعى لتنفيذ عملية مجدو الأمنية ببصمة أمنية منخفضة، بحيث لا يتهم بتنفيذها، بيد أن الجهات الأمنية للعدو تعتقد أن قيادة الحزب كانت مستعدة لتداعيات العملية حتى لو أدت إلى مواجهة واسعة، وعلى الرغم من اختلاف الجهات الأمنية في تحديد مدى المعرفة والتنسيق بين حزب الله و”حماس” في إطلاق الصواريخ من لبنان، فإن العدو بات يدرك أن مستوى التنسيق والتعاون المشترك بين الجبهتين اللبنانية والفلسطينية آخذ في الاتساع منذ معركة “سيف القدس” أيار/مايو 2021.
أدركت قيادة العدو أن معادلات الاشتباك والمواجهة تغيّرت، وأن سياسته القائمة على الفصل بين الجبهات والساحات أصبحت غير ذي صلة بالواقع، الأمر الذي عبّر عنه بشكل صريح وواضح وزير أمن العدو يوآف غالانت، الذي دعا جيشه إلى الاستعداد للحرب على كل الجبهات في آن واحد، وأن الزمن الذي كان يحارب فيه “الجيش” الإسرائيلي على جبهة واحدة قد ولّى.
جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “أمان” في هيئة أركان العدو العامة، قدّر بأن احتمالية أن تجد “إسرائيل” نفسها في السنة القادمة في حرب حقيقية، ازدادت بدرجة كبيرة في الأشهر الأخيرة، وهو استنتاج معروف لدى المستويين الأمني والسياسي للعدو، وبرغم أن نتنياهو متوجس في العادة، تجاه تقديرات قادة “الجيش” والجهات الأمنية، ولا تتوفر الثقة الكافية بين المستويين السياسي والأمني، لا سيما في ضوء الانقسامات الحادة التي تهيمن على المسرح الداخلي للعدو، فإن نتنياهو لا يستطيع تجاهل تحذيرات الجهات الأمنية التي تبناها وزير دفاعه الليكودي غالنت.
يعتقد العدو أن إيران زادت من دعمها لحركات المقاومة في المنطقة، لا سيما حركتي “حماس” وحزب الله، وباتت تتبنى استراتيجية تركّز بشكل أكبر على مواجهة “إسرائيل”، لا سيما في ضوء ارتفاع مستوى العدوان الإسرائيلي على أهداف إيرانية في الساحتين الإيرانية والسورية، في إطار ما يسمّيه العدو “المعركة بين الحروب”، والتي زادت وتيرتها في الشهرين الأخيرين، وتدّعي أوساط العدو أن القيادة الإيرانية تضغط على القيادة السورية للرد على العدوان على أراضيها.
كما يقدّر “الجيش” الإسرائيلي أن التهديدات لكيانه، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تتوسع وأصبحت تشمل كلاً من إيران ولبنان والعراق واليمن وسوريا، بالإضافة إلى التهديد على الجبهة الفلسطينية.
في الثلث الأخير من شهر رمضان، وتحديداً في ذكرى “يوم القدس العالمي”، تابع العدو ما صدر عن قادة محور المقاومة بدقة متناهية، ووقف على أدق التفاصيل، وقرأ ما وراء السطور وما بينها، لا سيما الإشارة الرمزية التي جمعت كلمة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وقائد حركة “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار، في الحفل الذي أقيم في مدينة غزة في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك.
الكلمة التي ألقاها السنوار حظيت باهتمام كبير في “إسرائيل”، التي قامت بتحليل ما حملته الكلمة من رسائل، استدلت من خلالها على أنه تمكن من تطوير استراتيجية عمل، وتحديد سلم أولويات تطور بشكل كبير لإستراتيجية الجبهات المتعددة، ما يغير قواعد اللعبة، لتصبح وحدة الساحات أكثر من مجرد شعار، وعدّ العدو تشبيه السنوار القدس بالقنبلة النووية والمادة اللاصقة لتوحيد الأمة على عنوان واحد هو القدس والأقصى، إشارة واضحة لمسار شامل، وليس مجرد عبارات شعبوية عابرة، ومثلت الصورة التي جمعت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى جانب إسماعيل هنية وصالح العاروري، تجسيداً لوحدة الجبهات.
كما ركّز العدو على الكلمة التي ألقاها السيد حسن نصر الله، وعدّ تهديده بعدم الصمت على استهداف سوريا، إشارة لتغيير قواعد الاشتباك، كما عدّ تجديد الحديث عن ربط العدوان على القدس بالحرب الإقليمية، دليلاً آخر على مسار وحدة الجبهات التي يتبناه محور المقاومة، ومركزية قضية القدس.
في ضوء قراءته للموقف على مختلف الجبهات، يدرس العدو السيناريوهات كافة، وتقدير التداعيات، ويدرس بعمق خياراته لمواجهة التهديدات المتسارعة، على نحو لا يؤدي إلى مواجهة واسعة على أكثر من جبهة، وفي الوقت نفسه العمل على معالجة تآكل منظومة الردع، التي تفاقمت بعد معركة رمضان، الأمر الذي يعكس خيارات العدو المعقدة، ففي حال تبنى خيار الاحتواء والتهدئة، لتجنب المواجهة الواسعة، سيؤدي ذلك إلى انهيار الردع، وفي حال تبنى خيار التصعيد وخطف صورة نصر عبر الاغتيالات أو المبادرة بالحرب على إحدى الجبهات، سيقع المحظور وستندلع مواجهة واسعة على مختلف الجبهات.
رغم تعقيدات خياراته، في ضوء تراجع وضعه الاستراتيجي، قد يلجأ العدو إلى تبني خيارات أمنية هادئة، في مختلف الساحات، لكنه سيتبع سياسات أكثر عدوانية ضد ساحة الضفة الغربية، للعمل على إحباط عمليات المقاومة ومواجهة الخلايا العسكرية، كما ستلجأ المقاومة إلى تأكيد وحدة الجبهات والساحات، ورفع مستوى التنسيق والتعاون على قاعدة مواجهة العدو المشترك واستنزافه وإجهاض مساعيه للفصل بين الساحات والجبهات.
كما تسعى المقاومة لتثبيت مركزية القدس، باعتبارها العنوان الوطني والإسلامي والقومي الجامع، القادر على تحشيد الجبهات كافة في مواجهة العدو، والعمل على إجهاض خطواته لتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، تمهيداً للسيطرة عليه وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه.