بعد إتصاله الهاتفي.. هل يكون السيسي ضيف إردوغان الأول؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول الزعماء العرب الذين اتصلوا بإردوغان. وقد اتفق معه على فتح السفارات في القاهرة وأنقرة فوراً، بعدما أكدا أهمية المزيد من التنسيق والتعاون الثنائي.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوَّل من هنّأ الرئيس رجب طيب إردوغان (بيان صادر عن الكرملين) بعد الإعلان عن انتصاره في الانتخابات، إلا أنَّ الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتهمه وزير الداخلية التركي والإعلام الموالي بدعم كمال كليجدار أوغلو، كان أوّل من تحدّث هاتفياً إليه.
وقد قيل إنهما بحثا احتمالات اللقاء الثنائي في البيت الأبيض في أقرب فرصة، بعدما طلب بايدن منه الموافقة على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وهذا ما تتوقّعه المصادر الدبلوماسية في أنقرة، بعدما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن احتمال بيع تركيا طائرات “أف -16” المتطورة.
المنافسة التقليدية بين واشنطن وموسكو لكسب إردوغان إلى جانبهما زادت قيمة وأهمية أوراق المساومة التي يملكها على صعيد السياستين الإقليمية والدولية، وهي في جميع الحالات متشابكة ومتداخلة. ربما لهذا السبب كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول الزعماء العرب الذين اتصلوا بإردوغان. وقد اتفق معه على فتح السفارات في القاهرة وأنقرة فوراً، بعدما أكّدا أهمية وضرورة المزيد من التنسيق والتعاون الثنائي في جميع المجالات.
وجاء الاتصال الثاني عربياً من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، الذي قيل إنه بحث معه مستقبل العلاقات الثنائية في جميع المجالات، وأهمها الاقتصادية والمالية، وهي الأكثر أهمية بالنسبة إلى إردوغان الذي تلقى اتصالين هاتفيين إسرائيليين، ليوازنا بذلك اتصال كلّ من السيسي وابن زايد، وهما صديقان، إن لم نقل حليفين، لهرتسوغ ونتنياهو، اللذين اتصلا بإردوغان ليهنئاه بانتصاره، وسط المعلومات التي توقعت زيارة قريبة له إلى “تل أبيب”.
ومن المعروف عن هذين الرجلين علاقاتها الوطيدة بباكو التي وصل إليها هرتسوغ يوم الثلاثاء، في زيارة تهدف إلى مزيد من التنسيق والتعاون والعمل المشترك ضد إيران، وهو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني عبر الجارة تركمانستان التي افتتح فيها السفارة الإسرائيلية في اليوم الذي كان هرتسوغ يبحث فيه مع إلهام عالييف المزيد من التحالف الاستراتيجي.
وقد صادفت كل هذه الاتصالات والتحركات تطورات إقليمية مثيرة، منها التوتر على الحدود الأفغانية الإيرانية، وزيارة رئيس وزراء قطر (وسيط المصالحة السابق بين واشنطن وطالبان) لكابول، ولقاؤه زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده. تضاف إلى ذلك الوساطة العمانية (والعراقية) بين القاهرة وطهران، التي زارها سلطان عمان هيثم بن طارق الأحد، بعد زيارته مصر ولقائه الرئيس السيسي.
ويبدو أنَّ السيسي باتصاله مع إردوغان يسعى لتحقيق التوازن في تحركاته الإقليمية، وبشكل خاص الدور الإيراني المحتمل إقليمياً بعد المصالحة الإيرانية – السعودية التي أزعجت قطر؛ حليف إردوغان، من دون أن يتذكر السيسي وإردوغان والآخرون أن السيسي كان من ألدّ أعداء الرئيس التركي، بعدما أطاح الإخواني محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 وتصدّى للدور التركي في ليبيا.
ولم يتذكَّر أحد أيضاً دور الشيخ تميم في تحقيق المصالحة بين إردوغان والسيسي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، حين صافحا بعضهما بعضاً في الدوحة قبل 6 أشهر من مصافحة السيسي للرئيس الأسد في القمة العربية في جدة في 19 شهر أيار/مايو الفائت، إذ تهرَّبت القمة، بطلب من قطر (ودول أخرى)، من استهداف إردوغان في بيانها الختامي، على الرغم من خطاب الرئيس الأسد الذي استهدفه بشكل مباشر “كعثماني إخواني”.
وجاء موقف القمة العربية نتاجاً لسياسات التوازن التي ينتهجها السيسي، ومعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي لم يتصل بإردوغان (هنأه الملك سلمان)، الذي قال إنه سيزور دول الخليج (السعودية والإمارات وقطر) التي ساعدته على تجاوز الأزمة المالية بشكل مؤقت قبل الانتخابات، في الوقت الذي يستعدّ لمرحلته الجديدة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، ويتوقع الكثيرون له أن يستمر على هذه الحال، ما دامت معطيات المنطقة تصب في مصلحته.
على سبيل المثال، تتهرَّب روسيا وإيران من الضغط عليه في موضوع سوريا، وهي الحال بالنسبة إلى الدول العربية الرئيسية، وأهمها السعودية والإمارات ومصر. يفسّر ذلك اتصال الرئيس السيسي به وإعلانه رسمياً تبادل السفراء فوراً، مع المعلومات التي تتوقع زيارة قريبة له إلى أنقرة تلبية لدعوة إردوغان الملحّة، وهو الذي تخلّى عن إخوان مصر في مقابل المصالحة مع القاهرة وأبو ظبي والرياض، علماً أن السيسي لم يفكّر في فتح سفارة مصرية في دمشق، كما لم يفكّر في زيارتها (مقالي بتاريخ 19 آذار/مارس بعنوان: المثلث المصري التركي السوري.. هل يزور السيسي أنقرة قبل دمشق؟)، على الرغم من حواره الساخن مع الرئيس الأسد خلال التقاط الصورة الجماعية للزعماء العرب أثناء القمة العربية الأخيرة في جدة.
ويبقى الرهان الأخير على الرغبة الحقيقية للعواصم العربية التي أعادت سوريا إلى الجامعة العربية، ولكن من دون أي خطوة عملية على طريق التطبيع العملي والسريع مع دمشق، التي يبدو واضحاً أنها لن تستطع حل خلافاتها مع أنقرة من دون دعم دولي (روسيا) وإقليمي (إيران) وعربي، وهو غير وارد في ظل المعطيات التي يعتقد إردوغان أنها لمصلحته، ليس في سوريا فحسب، بل في ليبيا والعراق أيضاً، والمنطقة العربية عموماً، تضاف إليها مناطق البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى القريبة إلى روسيا وإيران.
ربما لهذا لا تريد موسكو وطهران إزعاج إردوغان الذي سيحكم تركيا خمس سنوات أخرى. وقد بات واضحاً أن هذه السنوات، بمفاجآتها المحتملة، ستقرر مصير الكثير من التطورات الإقليمية والدولية، نظراً إلى ما تملكه تركيا من مكانة استراتيجية أثبت إردوغان أنه نجح في استغلالها بحنكة سياسية ناجحة يفتقر إليها الكثيرون في المنطقة وخارجها، وإلا لما تسابق الزعماء للاتصال به وزيارته أو استقباله.