بريطانيا وإزدواجية المعايير الأوروبية.. فلسطين ليست كأوكرانيا!
صحيفة الوفاق الإيرانية:
بعد أن فضح التعاطي الغربي مع الحرب التي شنّتها روسيا على الأراضي الأوكرانية حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، تجنبت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، في مؤتمر صحفي بمناسبة تسلم بلادها رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر نيسان الحالي، الجواب على سؤال إحدى المواقع العربية الإخبارية حول “ازدواجية المعايير في تعامل لندن والدول الغربية مع قضية الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين مقارنة مع الاحتلال الروسي لبعض مناطق في أوكرانيا”.
حيث ركزت حديثها على الأوضاع بشكل عام في أوكرانيا وجلسة مجلس الأمن الطارئة التي ستعقد في مقر الأمم المتحدة، حيث بات واضحاً للقاصي والداني مدى النفاق الغربي في التعاطي مع الدول التي شهدت حروباً وأزمات واحتلال وجرائم يندى لها الجبين خاصة في العراق وسوريا، وفلسطين التي تعاني الأمرين من الجنايات الإسرائيلية.
بالتزامن مع الاتهامات الدولية والحقوقية الكثيرة والمُثبتة لـ “إسرائيل” بانتهاج سياسات تمييز عنصري واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانية بحسب توصيف المنظمات الحقوقية، لم تتجرأ المسؤولة البريطانية أساساً على الحديث عن قضية ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع الملف الفلسطيني كما هو الحال مع الملف الأوكراني، وإنّ نص السؤال الذي صيغ بطريقة شكلت صفعة لبريطانيا وحلفها تساءل عن وصف الفلسطيني الذي يقاوم احتلال العصابات الصهيوني بـ “الإرهابي” بينما يصفون الأوكراني الذي يقاوم الاحتلال الروسي بـ “البطل”، وقد شاهدنا جميعاً كيف أنّ الدول الأوروبية فرضت عقوبات صارمة على الاقتصاد الروسي والعديد من مسؤولي البلاد ومؤسساتها الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، متناسية المنهج العنصري الذي يتبعه العدو الإسرائيلي بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصري والاضطهاد، دون تحريك أي ساكن من تلك الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
“ألا ترين أن ازدواجية المعايير الأمريكية والغربية هي التي أطالت عمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟” هو الشق الآخر من السؤال الذي أحرج السفيرة البريطانية التي دعت بلادها الى التعاون مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة لعقد جلسات طارئة لمجلس الأمن بشأن “الغزو الروسي” لبحث الأزمة التي يواجهها من اختاروا أن يكونوا “مستقلين” وفقاً لتوصيفم، فيما تداعى قادة حلف “الناتو” لبحث التطورات المحتملة، وعندما تقصف الآلة العسكرية الصهيونية قطاع غزة المحاصر منذ عقد ونصف وتدمر البنايات على رؤوس سكانها بما في ذلك بنايات وسائل الإعلام المعروفة، وتقتل الأطفال والعائلات تصنفون ذلك على أنّه “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” بينما في أوكرانيا تصنفون ذلك على أنّه “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وإنّ تلك الازدواجية تلك هي التي دفعت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة لاختيار عدم الجواب عن هذا السؤال الجوهري، على الرغم من الشهادة الدولية القوية والمحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال العسكري الصهيوني وسياساته الاستعمارية والقمعية، إلا أنّ من دعم العصابات الصهيونية وساندها بمختلف الأدوات لم يحرك ساكناً حتى تجاه هذا الشعب الذي يطرد من أرضه بشتى الوسائل وبمختلف الأساليب والأسلحة، وقد صُدم الفلسطينيون من طريقة التعاطي الغربي مع الأزمة الأوكرانية وقيام دول غربية عدّة بتجنيد عدتها وعتادها لإرسالها نحو أوكرانيا لإنجاز مهمات مختلفة، كما تحالفوا بشكل خارق وغير معهود للمضي باتخاذ إجراءات على كافة المستويات، مروراً بعقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى أنّ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقاً بشأن “الحرب على أوكرانيا”.
وبالاستناد إلى أنّ ازدواجية المعايير الغربية والأمريكية في التعاطي مع القضية الفلسطينية التي تُعد من أهم القضايا الدولية والإسلامية والعربية، لم تُفرز ولن تفرز كما يبدو إلى مساءلة “إسرائيل” على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطيني، زعمت السفيرة البريطانية أنّها لم تسمع السؤال، ومع إصرار الصحفي على توضيحه وإعادة تكراره، ادعت باربرا وودوارد أنّ بلادها تأسف لسقوط ضحايا، قائلة: “لقد شاهدنا مؤخرا سقوط أوكرانيين ويهود إسرائيليين قتلى كذلك”، بيد أنّها غضّت الطرف عن صور قتل الفلسطينيين التي انتشرت عالمياً من قطاع غزة الذي حوله الإسرائيليون إلى “منطقة منكوبة”.
“حافظت بريطانيا خلال سنوات النزاع على موقف داعم للتسوية السلمية عن طريق التفاوض تؤدي إلى أن تكون إسرائيل آمنة وتعيش إلى جانب دولة فلسطين ذات السيادة والقابلة للحياة ضمن حدود عام 1967″، مزاعم لم يعد يصدقها عاقل في وقتنا هذا، حيث تغلب المصالح واللون والدين والعرق والهوية، على القيم والأخلاق والإنسانية عندما نتحدث عن السياسة الأوروبية والأمثلة لا عد لها، وأهمها أنّ الشرعية الدولية تكيل بمكيالين وتخفي بشكل تام أمام جبروت الاستبداد ليبقى الشعب الفلسطيني ضحية الاحتلال الصهيوني العنصري وغياب العدالة في أرضه المسلوبة.
نحاول أن نكون موضوعيين وعلى مسافة واحدة من الفلسطينيين والإسرائيليين على الرغم من التعقيدات التي يشملها هذا النزاع، جملة كشفت حقيقة خداع السياسة الغربية فأن تحاول شيء وأن تكون حيادياً أو متحيزاً شيء آخر تماماً، بعد أن أوصلت العواصم الأوروبية للجميع رسالة مفادها بأنّها لا ترغب أساساً بالالتزام بالقوانين الدولية والإنسانية وحتى الأخلاقية، لِلجم العدوان الإسرائيلي المتصاعد بحق الفلسطينيين في الداخل والخارج، والشاهد كما يقول الفلسطينيون هو قيام المنظمات الدولية والأممية باتخاذ مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمات آنية، بينما تمتنع عن اتخاذ مواقف حازمة تجاه “إسرائيل” وجرائمها التي امتدت لأكثر من سبعة عقود، ما يعكس جوهر الازدواجية الغربية والأمريكية في التعامل مع ملفات أخرى، وفقاً لاعتبارات سياسية لا تراعي أرقام الضحايا ومساحة الأراضي المحتلة وعدد الأبنية المدمرة.
وليس بغريب أن تجاوب السفيرة البريطانية بهذه الطريقة، حيث إنّ بلادها تعتبر الغزو الروسي لأوكرانيا انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويتضمن عدة جوانب إضافة إلى الضحايا من المدنيين، والجوانب الإنسانية للنزاع وارتفاع أسعار المحروقات كما ترك هذا النزاع أثره على المواد التموينية في العالم، وقد أظهرت بريطانيا والدول الأوروبية قدرتها الكبيرة على اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين الأوكرانيين، ليعطوا العالم درساً بأنّ “القضية ليست مرتبطة بالأدوات بقدر ما تتعلق بغياب الإرادة”، حيث إنّ قواعد القانون الدولي واضحة في حال وجود جريمة دولية، لكن القانون يدار وفقاً لما تقتضيه السياسة الدموية لتلك العواصم.
وفي الوقت الذي أيدت فيه السفيرة وودوارد محاولة طرد روسيا من عضوية مجلس حقوق الإنسان والذي يحتاج إلى ثلثي أصوات الجمعية العامة، حيث لم يقف مع روسيا إلا سوريا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وإريتريا، تناست ملف حقوق الإنسان الإسرائيلي الذي يوصف بالأسود والرغبة العارمة للإسرائيليين في الهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانية لصالح الإسرائيليين اليهود، ووصول المنهج العنصري الصهيوني إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشية الصهيونية في فلسطين والمنطقة.
ختاماً، تعاقب أميركا والدول الغربية روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، لكنهم يقفون كالأصنام مقابل قضية “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”، في ظل خيبة أمل فلسطينية من المجتمع الدولي وازدواجيته مع كل أزمة دولية تتدخل فيها الدول الغربية ضد “الديكتاتورية”، رغم أن سياسة الكيل بمكيالين بقضية فلسطين تؤثر على النظام الدولي بشكل عام، خاصة في ظل تغول نظام القطب الواحد على المنظومة الدولية، وفرض إملاءات قائمة على الترهيب والبلطجة، فمن لم يقف مع الفلسطينيين الذين يتعرضون منذ 75 عاماً لاحتلال استيطاني استعماري، يمارس أبشع صور الفصل العنصري، كيف يقنعنا بأنّه صاحب قضية في أوكرانيا؟