(بروباجندا) العدوان وضرورة تصميم أداة سياسية للوعي
صحيفة المسيرة اليمنية-
عبد القوي السباعي:
من المؤكد أن تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ, وطوال الفترة الماضية لم يدخر جهداً ولا وسيلة إلا وقام بتفعيلها في الميدان ضد اليمن الأرض والانسان, حيث تعرض الشعب اليمني لأبشع أنواع الحروب النفسية والتضليلية والدعائية, في إطار مفهوم البروباجندا التي تعني: “نشر المعلومات بطريقةٍ موجهة أحادية المنظور, وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل الدعائية بهدف التأثير على آراء وسلوك أكبر عددٍ من الجمهور المستهدف”, وهي مضادة تماماً للموضوعية في تقديم المعلومات والحقائق.
ولأن الأحداث والمتغيرات الميدانية في ظل صمت السلاح وصخب المعارك, وسكون طبول الحرب وضجيج التدافع, تمّرُ مسرعةً بكل تفاصيلها الشائكة وعلى نحوٍ مريب، خصوصاً بعد اعتماد تحالف العدوان (أصيلهُ ووكيله) استراتيجيات أكثر عدائية, لخلق هندسةٍ اجتماعيةٍ عكسية, في محاولةٍ شأنها برمجة الجماهير اليمنية في المناطق الحرة, على النحو الذي يتواكب مع بروباجندا وبرامج تحالف العدوان وأذنابه الظاهرين والاحتياط.
ومع الأسف الشديد, نجد في أوساط الإعلاميين والناشطين من ينساق معها بدون وعي أو إدراك لما يدور خلف هذا التوجه, فمثلاً, نرى مجموعة من الحمقى أفراد أو جماعات ينساقون بغباء لتعزيز حضور البروباجندا الدعائية المعادية, بقصدٍ أو بدون قصد وتقديم خدمات مجانية, إن لم تكن مدفوعة الأجر سلفاً, على اعتبار أنهم أبطال ويقولون كلمة الحق, ويقدمون أنفسهم على أنهم مصلحون وحريصون على الوطن والمواطن.
نجد أن هؤلاء الحمقى, ربما رُمي لهم الطعم حقاً فوقعوا في شراكه, فنراهم يخوضون في معارك وهمية, ولا يدركون حقيقة أن قوى العدوان فقدت معظم وسائلها الاتصالية والدعائية التي كانت تستهدف جمهور الداخل على مدى السنوات الماضية وكانت تؤثر عليه بطريقةٍ أو بأخرى.
اليوم وفي ظل وضعية رخوة قائمة على انقاض دولة عميقة, ونظام تفرخ عنه مسارات عدة, يعكف العدوّ على تعزيز حضور هذه البروباجندا من خلال وسائل إعلامية ودعائية ليست لصيقةً به مباشرةً, بل من أوساطنا لينفذ إلينا ويستهدفنا في الداخل, ويستخدم هؤلاء لنقل صورة دائمة ومستمرة ومشوهة عن الوضع الداخلي, من شأنها ترسيخ صورة مضطربة في ذهنية المتلقي, ويظل بعضنا نواة لهذا الترويج والضخ والتهويل.
منطقياً, الوضع المؤسسي الحكومي الحاصل في اليمن والذي عبر عنه السيد القائد بـ”المزري”, ليس وليد اللحظة, بل هو إرث ثقيل يحتاج إلى جهود وطنية جبارة لإعادة إصلاحه, لكن لفت الأنظار نحو هكذا وضعية بصورة دؤوبة, في مثل هذا التوقيت بالذات, يأتي في تساوقٍ غير منطقي مع البروباجندا المعادية التي تسعى لخلق هندسةٍ اجتماعية عكسية ساخطة ومضطربة, بديلة عن التضامن والالتفاف, وهو أفضل ما يتمناه العدوّ وسيظل الهدف القريب والمتوسط الذي تسعى بروباجندا تحالف العدوان لتحقيقه فكرة قائمة.
الأمر الذي وعلى المدى البعيد قد يتيح لبروباجندا العدو في شن الحملات الدعائية والنفسية الهادفة إلى خلق فجوات في صفوفنا, من خلال التشويه والتشهير وقلب الحقائق وفبركة الوقائع ومحاولات تأجيج الشارع الموحد والثابت, باسم المطالب الحقوقية, وقضايا الفساد وغيرها, كما هو الحال في معظم دول “محور المقاومة”, أملاً منها بأن تأتي انعكاساتها بالجملة على ثبات وصمود ووحدة الجبهة الداخلية, وصولاً إلى الانهيار وخرج الأمور عن السيطرة.
لكن وعلى الرغم من فشل هذه الحملات بشكلٍ رئيس بسبب الوعي والإدراك الجمعي للشعب اليمني والميزة الأمنية الواضحة, بات رسوخ هذا الوعي وانعكاساته على الواقع يمثل تحدياً جديداً وليس اختباراً للقدرة والشجاعة والتماسك، بل انعكاساً للقدرة على تصميم أداة سياسية للوعي محصنة من الاختراق وغير قابلة للأفكار المعادية, ولا تسمح بولوج مثل هكذا استهداف مستقبلاً.
ولأن بروباجندا العدوّ لم تتركنا أبداً في زمن الحرب ولن تتركنا أيضاً في زمن السلم, وتوجهاتها في تغذية الدخول في دائرة مفرغة من الصراع والتآكل البيني, لن تتوقف أبداً, والاستفادة من الأغبياء فينا ستستمر لتقديم خدمات مجانية للعدو, لم يكن يحلم بها في أفضل حالاته.
لذلك ستظل الرؤية الواضحة, والتخطيط المدروس والتنسيق والوعي بترتيبات الدولة العميقة التي تحيط بنا من كلّ الجهات, وتصحيح مسار الإرث الثقيل الحاصل في النظام الإداري والذي يحاول العدو الولوج من خلاله, وصولاً إلى تصميم أداة وإدارة سياسية للوعي الجمعي غير قابلة للاختراق وعصية على الاستهداف, هي مطلب وطني عام, وواجب كلّ يمني حر وشريف وأن أي تقصير أو تهاون في هذا الجانب يعد خيانةً لتربة الوطن والأمة اليمنية.