بداية الانكسار الكبير
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
تستمر آلة الضجيج الإعلامي والسياسي حول الوضع السوري في ترويج الأوهام الأميركية الأطلسية والعثمانية الخليجية بشأن مسار الأحداث بينما تشير الوقائع إلى وجهة مغايرة كليا تخالف جميع الأوهام والرغبات والنزوات التي يبشر بها حلف العدوان على سورية.
أولا: التحول الفاصل في معارك ريف دمشق بعد تحرير داريا وتطويق معاقل الإرهاب في الغوطة الشرقية والقضاء على العديد من التجمعات المسلحة أجهض فرضيات الهجوم على دمشق وأحبط الخطط التي وضعت في غرف العمليات الموجودة في تركيا حيث يشارك في التخطيط وفي القيادة ضباط إسرائيليون إلى جانب الضباط الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين ومعتمدي القبض والدفع القادمين من الخليج للمشاركة في الحرب على سورية من خلال مجموعات قتالية خاصة تابعة لهذا الحلف الاستخباراتي وعبر العصابات الإرهابية التي كشفت صراحة عن هويتها القاعدية في بلاغ دولة القاعدة العراقية التي اندمجت بجبهة النصرة بينما تعيش الجماعات المسلحة على الأرض حالة متزايدة من التشظي والتناحر في جميع المناطق السورية حيث تتلاحق الهزائم بفضل انجازات الجيش العربي السوري وفقا للتقارير الميدانية من محافظات حلب وحمص وإدلب وحماه وريف دمشق ويمكن القول إننا في بداية الانكسار الكبير للحرب العدوانية بنتيجة القراءة المتأنية لعناصر التوازن داخل سورية وقد سحقت الأحداث بسرعة قياسية أوهام أوباما في الحشد والتحشيد لقلب المعادلات.
ثانيا: في موارد القوة البشرية تعيش العصابات الإرهابية مأزق تقلص البيئة الحاضنة وانكفاء المزيد من السوريين عن حمل السلاح وهو ما تشير إليه وقائع عديدة بفعل الصورة النافرة للخليط الإرهابي العالمي ولسلطة التكفيريين على الأرض أو عبر نزاعات الأسلاب والغنائم بين لصوص العصابات وبالمقابل يحظى الجيش السوري بمزيد من الدعم والتأييد شعبيا وترفده طاقة بشرية جديدة من خلال عشرات الآلاف من الصبايا والشباب المتطوعين في قوات الدفاع الوطني إلى جانب الجيش في حين أن تدفق المقاتلين الأجانب الذين وصلوا إلى خمسين ألفا ونيف في الأشهر الماضية لم يعد بالزخم الذي كان عليه سابقا بل إن كثيرا من التقارير الصحافية تتحدث عن مباشرة بعض الجماعات الوافدة من دول المغرب العربي رحلة العودة من سورية بعدما تكبدته من خسائر في المجابهة مع الجيش السوري وبفعل التداعيات التي ظهرت في كل من تونس والجزائر والمغرب حيث ينشط أهالي المقاتلين المهاجرين إلى سورية لاسترجاع أبنائهم وأرغموا السلطات القضائية التونسية على ملاحقة الجماعات الناشطة في عمليات التجنيد للاشتراك في الحرب على الدولة الوطنية السورية وإذا أقمنا الميزان من حيث الطاقة البشرية والقدرات القتالية المرتبطة بها يتبين لنا أن الجيش العربي السوري يعظم من قدراته وإمكاناته بينما تستنزف العصابات الإرهابية.
ثالثا: تظهر أعراض الفشل والإرباك على حلف العدوان بفعل المأزق الميداني والمأزق السياسي وكنتيجة لتوسيع مسرح العمليات والمجابهة بمبادرة من حلفاء سورية : روسيا والصين وإيران ومجموعة البريكس فقد استهلك الناتو والحلف العثماني الخليجي كل الأوراق المتاحة من التسليح بآلاف الأطنان إلى دفع جماعات إرهابية جديدة عبر الحدود الأردنية إلى الاشتغال بالواجهات السياسية المفككة والمتناحرة مع تغطية ما يسمى بالجامعة العربية.
الحصيلة في محافظة درعا تدمير قوة الهجوم الإرهابية وانتقال الجيش العربي السوري إلى هجوم معاكس وفي دمشق ثبات وصمود داخل العاصمة وتقدم هجومي شامل بعد تحرير داريا لاسترجاع السيطرة كليا على الريف بينما تقول الوقائع الواردة من حمص إن بؤرا صغيرة في قلب المدينة القديمة تستغيث وتعرض مساومات تتيح لها الخروج الآمن بينما يواصل الجيش هجومه بعد استرجاع بابا عمرو ومعظم الخالدية وتتقدم وحدات من الجيش العربي السوري إلى مهماتها المحددة في تحرير ريف حمص أما في حلب فالتوازن العسكري يواصل انقلابه لمصلحة الدولة والإقبال على التطوع في الجيش ووحدات الدفاع الوطني يقدم مؤشرا جديا على حقيقة المناخ الشعبي الداعم للدولة وبهذا المعنى فإن المسار الواقعي للأحداث يقود إلى التوقع بأن الدولة الوطنية السورية قادرة خلال أسابيع على إحكام سيطرتها في المدن الكبرى ومحيطاتها الريفية بعمق كبير مما سيتيح إحياء الدورة الاقتصادية كليا واستئناف الحياة الطبيعية في البلاد بينما تستمر محاصرة أوكار الإرهاب ومطاردة الخلايا التي ستنتقل إلى العمل الإرهابي بمعناه الضيق.
رابعا: إذا تابعنا على صعيد آخر مسار التحولات في واقع التشكيلات السياسية للمعارضات السورية في الداخل والخارج يتبين لنا أن عملية فك وتركيب سياسية جرت خلال العامين الماضيين بصورة بات معها من الممكن القول إن غالبية سياسية موصوفة من جميع تشكيلات المعارضة قد تبلورت خياراتها على أساس الحوار الوطني ورفض الإرهاب والعدوان الأجنبي والاستعداد للتعاون مع الدولة الوطنية ودعم الجيش العربي السوري ويقف في هذا المشهد قادة تنظيم الأخوان وحيدين لا يحيط بهم غير رهط من المرتزقة المرتبطين بمخابرات الغرب وحكومات الخليج وبهذا المعنى فإن التطورات المتلاحقة في سورية ومن حولها تؤسس لإقلاع مشروع الحل السياسي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد ولتكريس هزيمة العدوان بحيث أن أوباما قد يجد نفسه مضطرا للاعتراف صاغرا بالهزيمة في لقائه المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفعل التطورات السورية وليس ففقط نتيجة توسيع مسرح العمليات واللكمات التي سددتها روسيا والصين وإيران من الخليج إلى البحر الأسود وصولا إلى قمة البريكس في دوربن وانتهاء بصورايخ كيم اونغ سون العابرة للقارات.