بايدن يزايد على ترامب: مليارات اضافية لإرضاء شركات السلاح
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج*:
فجأة، عندما يتعلق الأمر بتفوق أميركا العسكري، تختفي جميع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدماتية التي تعاني منها البلاد، ويتجنّد أعضاء كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لابتداع وايجاد المخارج والفتاوى التشريعية والقانونية لتسهيل توفير الأموال اللازمة من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين وتحويلها الى خزائن لوبي شركات السلاح الاميركية بحجة الضرورات الدفاعية التي تعد من الثوابت المتوارثة من قبل الادارات المتعاقبة، لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف.
مع وصول جو بادين الى البيت الأبيض مطلع العام الحالي، راهن البعض على أن الرئيس الجديد قد يجمد ما كان قد بدأه ترامب خصوصًا في الشأن العسكري والتسليحي، لكن ما حصل هو العكس، اذ بات بإمكان شركات الدفاع أن تتنفس الصعداء. فاقتراح الميزانية الأول لبايدن لا يستمر فقط في التزام سلفه بالأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولكنه يسعى أيضًا إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي. ومع أن البنتاغون لم يوضح بعد القيمة الاستراتيجية للأسلحة التي يمكن أن تبلغ سرعتها على الأقل خمسة أضعاف سرعة الصوت لتدمير أهدافها، فإن الإدارة الجديدة تتطلع إلى ضخ مليارات الدولارات في مشاريع مختلفة، وهي تخاطر بذلك بتسريع سباق التسلح في العالم.
طلبت الميزانية الدفاعية النهائية للرئيس دونالد ترامب ، للسنة المالية 2021، ما مجموعه 3.2 مليار دولار لجميع الأبحاث المتعلقة بسرع الصوت، في حين تطلب ميزانية إدارة بايدن للسنة المالية 2022، التي صدرت الشهر الماضي (ايار 2021)، 3.8 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بحوالي 20 في المائة.
في الأشهر المقبلة، سيتعين على الكونغرس أن يقرر ما إذا كان على استعداد لتخصيص هذا القدر من التمويل في مشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي. في العام الماضي (2020)، كانت اللجنة الفرعية للدفاع في مجلس النواب، قد وجهت سهام النقد لمخططات الميزانية التي وضعتها القوات الجوية لتمويل أبحاثها لتطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، مما أدى إلى إلغاء مفاجئ لأحد النموذجين الأوليين.
في الوقت الحالي، قد يكون المشرعون حذرين بشكل خاص من اقتراح البيت الأبيض بمنح القوة الجوية -وشركائها في الصناعة- 200 مليون دولار لبدء تطوير نموذج أولي جديد، إضافة إلى ستة أسلحة مختلفة على الأقل تقوم وزارة الدفاع ببنائها بالفعل. يقدر خبراء عسكريون أن يكلف البرنامج الجديد مئات الملايين، إن لم يكن المليارات، من الدولارات في المستقبل، على الرغم من أن المبلغ المتوقع بالضبط خلال السنوات الخمس المقبلة غير واضح، لأن الميزانية الجديدة لا تتضمن توقعات التمويل المعتادة.
وبينما يتباهى المؤيدون من المشرعين في الكونغرس، بأن السرعة العالية بشكل لا يصدق للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تضمن قدرتها على الوصول بسرعة إلى أهدافها وتجنب الاكتشاف والاعتراض بواسطة أنظمة دفاع العدو، إلا أن الجميع غير متأكدين من هذه القدرات، إذ جادل كاميرون تريسي، خبير الهندسة والسيطرة على الأسلحة في اتحاد العلماء المهتمين، في ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة Science & Global Security بأن “القيمة الفريدة للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مقارنة بالقدرات العسكرية الحالية مبالغ فيها”.
باستخدام بيانات عامة من مركبة انزلاقية تجريبية تابعة لسلاح الجو الاميركي عام 2010 -أحد نوعين من الأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت- وجد تريسي أن “هذه الأسلحة في الواقع أبطأ من الصواريخ الباليستية التي تنتقل عبر مسافات عابرة للقارات، وهي عرضة للاكتشاف بواسطة أجهزة الاستشعار الفضائية”. ويضيف “إنهم قادرون على المناورة المحتملة للصواريخ الاعتراضية السابقة بطرق لا تستطيع الصواريخ الباليستية القيام بها، لكن هذه الميزة المتواضعة، كما خلص، لا تتطابق مع مزاعم القدرة على تغيير قواعد اللعبة التي غالبًا ما يقوم بها مسؤولو الدفاع والمقاولون”.
بالمقابل، رد مسؤولو البنتاغون عبر مجلة Breaking Defense الرقمية المعنية باستراتيجية وسياسة وتكنولوجيا الدفاع الاميركية، بأن “الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت قد نضجت أكثر منذ تجربة 2010. علاوة على ذلك، وبينما تقوم روسيا والصين بتطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت للاستهداف العابر للقارات، فإن “الجيش الاميركي سوف ينشرها بالقرب من الأهداف المقصودة، وفي هذه الحالة فإن سرعتهما الفائقة بمثل هذا المدى الأقصر، تصبح لا مثيل لها مقارنة بالصواريخ الحالية”، وفقا للمسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية.
على خط مواز، ووفقًا لتقرير صادر عن “خدمة أبحاث الكونغرس” صدر هذا الشهر فان إطلاق العنان لأسلحة تفوق سرعة الصوت في مثل هذا القرب من الأهداف، يساهم بشكل كبير في تسريع سباق التسلح، لا سيما في ظل عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لها، توضح سبب تفوق قيمتها على المخاطر التي تهدد الاستقرار العالمي. وفي هذا الاطار، قامت روسيا بشكل ملحوظ ببناء سلاح Avangard العابر للقارات الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ، وتقوم الصين بتطوير نظام مماثل.
أما الأهم، بحسب تريسي فهو انه “لا يبدو وجود أي فائدة محتملة تبرر إنفاق أكثر من 3 في المائة من إجمالي ميزانية البحث والتطوير للسنة المالية 2022 الإجمالية المقترحة للبنتاغون والتي تبلغ 112 مليار دولار على الأجهزة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وحدها، وصنع العديد من النماذج الأولية المختلفة عبر الخدمات العسكرية”.
وبالمثل، قال كينغستون ريف خبير نزع السلاح في جمعية الحد من التسلح إن “البنتاغون يخطط لاستخدامها وفعاليتها من حيث التكلفة، ومخاطر عدم الاستقرار في الأزمات التي لم يتم استكشافها بعد”. وأكد أن “هذه الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها تستحق فحصًا أكثر انتقادًا من قبل إدارة بايدن والكونغرس أكثر مما تم إجراؤه لغاية الآن”.
حتى الآن، كان إنفاق وزارة الحرب على الاسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، مقتصرًا على دراسة واختبار التكنولوجيا، ولكن للمرة الأولى في عهد بايدن، ستتطلع الحكومة أيضا إلى شراء الأنظمة. وتشمل الـ 3.8 مليار دولار التي تسعى الميزانية الجديدة للحصول عليها، 160 مليون دولار لشراء سلاح الاستجابة السريعة الذي أطلقته شركة لوكهيد مارتن ووضعها في أيدي المقاتلين.
الملفت في الأمر، هو أن البيت الأبيض يراهن بشكل كبير على هذه الأسلحة العام المقبل، بالرغم من أنه في اوائل نيسان 2021، أعلنت القوات الجوية الأمريكية ان “تجربة سلاح AGM-183A الذي يتم إطلاقه من الجو للاستجابة السريعة والمعروف باسم ARRW -يُلفظ “Arrow”- قد اخفقت، جراء الفشل في إطلاقه من قاذفة أ B-52 ستراتوفورتريس خلال اختبار جرى في 5 أبريل فوق Point Mugu Sea Range قبالة سواحل كاليفورنيا”.
على ارض الواقع، قد لا تصمد الأصوات المعترضة للإنفاق على هكذا اسلحة التي لا مبرر لها وفق ما يرون، أمام ملايين الدولارات التي تدفعها شركات السلاح لجماعات الضغط للترويج لمنتجاتها القاتلة. فشركة لوكهيد مارتن مثلا، التي قال كبير المسؤولين الماليين فيها كينيث بوسنريد للمستثمرين في نيسان الماضي، إنه “من المقرر أن تحقق الشركة حوالي 1.5 مليار دولار من المبيعات المرتبطة بسرعات تفوق سرعة الصوت هذا العام “، أنفقت حوالي 13 مليون دولار على هذه الجماعات في عام 2020. كما أن لجنة العمل السياسي لموظفيها قد دفعت العام الماضي، مئات الآلاف من الدولارات كمساهمات للمرشحين واللجان السياسية والمنظمات الأخرى.
أكثر من ذلك قال مايك وايت، مدير أبحاث تفوق سرعة الصوت بوزارة الدفاع، خلال حدث أقيم في 1 حزيران الحالي، في مركز الاستراتيجية و الدراسات الدولية، الذي أدارت فيه نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس سابقًا برنامج الأمن الدولي، ان “العديد من شركات الدفاع، بما في ذلك شركة لوكهيد، توفر التمويل لمراكز الفكر”.
وفي هذا الاطار، أنفقت شركة Raytheon، التي تتنافس مع شركة Lockheed لتصميم سلاح البنتاغون الذي يفوق سرعة الصوت بأضعاف، ما يقرب من 12 مليون دولار في عام 2020، على جماعات الضغط. كذلك دفعت شركة Northrop Grumman، زميلة Raytheon في النموذج الأولي، أكثر من ذلك. من بين الموردين الرئيسيين الآخرين، ايضا أنفقت شركة Aerojet Rocketdyne ما يقرب من 1.5 مليون دولار، في حين أنفق Kratos أكثر من 400000 دولار.
الجامعات، التي تأمل في الفوز بتمويل حكومي للبحث في تقنية المكون الفرعي الفريدة التي تجعل الطيران الأسرع من الصوت ممكنًا، مثل أنظمة الإدارة الحرارية، استفادت من هدايا وتقديمات جماعات الضغط أيضًا. تعد جامعات: تكساس إيه آند إم، وإلينوي، وتينيسي، وجامعة ولاية أوهايو مجرد أمثلة قليلة على ذلك.
دفع اهتمام المجتمع العلمي القوي بالسرعات فوق الصوتية، جيمس أكتون، الفيزيائي وخبير السياسة النووية في “مؤسسة كارينيغي للسلام الدولي”، إلى ان يكتب عام 2018 قائلا “في رأيي أن تطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت في الولايات المتحدة كان مدفوعا إلى حد كبير بالتكنولوجيا، وليس بالاستراتيجية. وبعبارة أخرى، قرر التقنيون محاولة تطوير أسلحة فوق صوتية لأنه يبدو أنها ينبغي أن تكون مفيدة لشيء ما، وليس لأن هناك حاجة واضحة المعالم يحتاجون إلى تحقيقها.
* باحث ومحاضر جامعي