اي جيش صنعت الهجمة على سورية؟
تفكيك الجيوش العربية ليس وليد صدفة أو نتيجة ثورة ربيعية، بل لطالما كان رغبة اميركية –صهيونية مشتركة وضعت من اجلها ابشع الخطط واكثرها دقة، استهدفت جيوش مصر وليبيا وسوريا والعراق.
هذه الخطط القديمة الجديدة تستهدف مسألتين اساسيتين :
1- تقسيم الدول العربية الى دويلات صغيرة على أساس إثني أو طائفي أو مذهبي.
2- ابعاد الخطر عن الكيان الصهيوني.
هذا الأمر ليس مجرد كلام للتداول أو التبرير، إنه مضمون آخر تقرير أميركي (كشف النقاب عنه بعد جهد استخباراتي روسي) عمل على تشخيص واقع الدول العربية وشارك فيه اكثر من 120 باحث وخبير استراتيجي من مختلف الاختصاصات معظمهم أميركيون، وأخطر ما تضمنه هذا التقرير عشرات التوصيات، التي تدعو إلى العمل على إدخال دول المنطقة وجيوشها في مواجهات تؤدي الى انهاكها واضعافها.
صنف التقرير الجيوش الايرانية والسورية والمصرية والسعودية كجيوش قوية تمتلك ترسانات أسلحة ضخمة، وبما أن ايران هي العدو الاستراتيجي فيجب العمل على احداث مواجهة بين الجيشين الايراني والسعودي في الوقت الذي يُعمل على اقحام الجيش المصري في حرب استنزاف مع الجماعات المتشددة، بينما لا يزال الجيش السوري يخوض معاركه بمواجهة الجماعات المسلحة منذ اكثر من 3 سنوات.
وراهن واضعو التقرير على حدة الانقسام الطائفي والمذهبي لشعوب المنطقة كعامل اساسي لنجاح مخططاتهم.
وبما أن الجيش السوري كان الأكثر تعرضاً لمحاولات تدميره وتقسيمه عبر عمليات ممنهجة، تخريباً لقواعده وثكناته، ومحاولة لشراء ذمم ضباطه بمبالغ خيالية، لذا سنتطرق اليوم للحديث عن أي جيش هو «الجيش السوري» بعد ثلاث سنوات من الازمة:
– كان الجيش السوري أول المستهدفين في بداية الازمة، ورغم كل ما تعرض له من تشويه عبر الإعلام المعادي على اختلاف توجهاته، إلا أنه التزم لفترة ليست ببسيطة عدم الرد الى أن حصلت مجزرة مفرزة جسر الشغور التي راح ضحيتها حوالي 100 عنصر من أجهزة الامن السورية (٧٢ منهم كانوا من عناصر المفرزة نفسها)، واتخذ القرار بان يدافع الجيش عن مراكزه وافراده.
– الجيش السوري المعّد أصلاً لمواجهة تقليدية مع جيش آخر، تعرض في بداية الهجمات المسلحة للكثير من الخسائر خلال تنقل قواته من الثكنات الى مراكز تموضع جديدة لمواجهة المجموعات المسلحة، وتمثل ذلك في مئات الكمائن والهجمات والاغتيالات (ذبحاً وإعداماً وتقطيع) وغيرها من الوسائل والأساليب الوحشية التي استهدفت كسر الروح المعنوية للجيش قيادة وضباطا وافراد.
وقد مرّ الجيش السوري بثلاث مراحل اساسية :
– 1- احتواء الهجوم الذي تعرض له.
– 2-الانتقال الى تحصين مراكز تواجده والدفاع عنها.
– 3-الانتقال الى الهجوم المضاد (ابتداءً من معركة القصير وصولا الى العمليات التي تجري الان على اغلب الاراضي السورية وخصوصا انجازات حلب والهجوم المضاد في الغوطة الشرقية ودرعا)
– عمد الجيش السوري حينها الى الإستفادة من عِبَر المعارك وبدأ ينتقل تدريجياً الى أنماط قتال، تتناسب مع حرب المدن والشوارع والتملص من الكمائن عبر العمل كمجموعات صغيرة بدلاً عن التشكيلات الكبيرة، وتمثل الامر مثلاً في تزويد الجندي بثلاث وحدات نارية، بدلاً عن الوحدة النارية التقليدية، تزويد الجنود بخرائط عن الأبنية والشوارع التي يقاتلون فيها وربطهم بأجهزة اتصال صغيرة غير تلك التي تستخدمها الجيوش في الميدان، القتال بشكل مستقل عن المجموعات الاخرى(قتال البقعة)، الأمر الذي أثمر سريعاً، فكان قتال وصمود الوحدات التي تم حصارها لفترات طويلة سبباً في رفع الروح المعنوية لكل جنود الجيش.
– تطوير عمل أجهزة الامن السورية لتواكب متطلبات الميدان ولا ينكر احد ان احد اسباب النجاحات الميدانية هو طبيعة وحجم المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها المخابرات السورية عن حجم وطبيعة وتسليح وتحركات الجماعات المسلحة والعمل على تدمير هذه الجماعات عبر مختلف الوسائل من كمائن او قصف جوي او مدفعي او بعمليات خاصة تقوم بها وحدات النخبة.
– عكس ما يشاع وما زال، بأن الجماعات المسلحة تفتقر الى الأسلحة كمّاً ونوعاً فان هذه الجماعات استعملت منذ بداية الصراع أسلحة متطورة مضادة للدروع ( تاو الاميركي – ميلان الفرنسي – وكونكورس وكورنيت الروسي)، كما استخدمت هذه الجماعات صواريخ مضادة للطائرات (ستريلا 2 او سام 7 الروسي وستينغر الاميركي الذي حصلت الجماعات المسلحة على حوالي 50 صاروخ منه)، ومن المفيد الإشارة إلى نقطة هامة ما زال الجربا يطالب بها وهي السلاح الكاسر للتوازن ويقصد به الصواريخ المضادة للطائرات من النوع المتطور، حيث أن ما يطرحه الجربا هو مجرد هذيان فليس هناك سلاح كاسر للتوازن فبإمكان الطائرات الحربية والحوامات أن تستخدم أجهزة التضليل الحرارية وأجهزة التشويش التي تحد من قدرات هذه الصواريخ بل وتلغي فعاليتها، إلا إذا كان الجربا يظن أن واشنطن ستزوده بمنظومات الدفاع الجوي المشابهة لـ SA-17 الروسية.
– الحرب في سورية لم تنل من منظومة القيادة والسيطرة للجيش السوري بل على العكس ما تزال هذه القيادة تفاجئ الجميع بقدرتها على الامساك بادق مفاصل الميدان والتحكم بها.
– كما تجدر الإشارة الى أن الجيش السوري لم يزج بعد، الا بنحو 25% من حجم قواته الحقيقية والتي لا تزال في احتياطي المعركة وفي الجبهة ما بين العاصمة دمشق والحدود مع فلسطين المحتلة، وهو يعتمد بسكل أساسي على وحدات النخبة وقوات الدفاع الوطني وقوات حزب الله وبعض التشكيلات التي قدمت من العراق كمتطوعين.
– الأمر الهام جداً الذي كان يعول عليه المخططون لهذه الحرب هو حصول انشقاقات واسعة تؤدي الى انهيار وتفكك الجيش الامر الذي لم يحصل الا بحدود ضيقة حيث بلغت نسبة المنشقين ال 8% فقط ولم تشمل الا ما يقارب المئات من الضباط واغلبهم من ذوي الرتب الصغيرة، ومن الألوية اللوجستية والمتقاعدين (من بين 43 الف ضابط هو عدد ضباط الجيش السوري).
– يذكر أن الجيش السوري رغم العدد الكبير من الشهداء والجرحى ما زال يحتفظ بعدد كبير من جنوده وقواته وما زال يسيطر على غالبية المدن الكبرى في البلادو وفي استعراض سريع لعديد قوات الجيش السوري التي ما تزال في الخدمة، يتبين ما يلي:
– القوات البرية :حوالي 160 الف جندي موزعين على 12 فرقة مشاة وقوات مدرعة عدا عن قطع المدفعية والراجمات المستقلة أو الملحقة.
– القوات الجوية التي تضم حوالي 60 الف جندي موزعين بين سلاح الجو والدفاع الجوي ..
– القوات البحرية التي تضم حوالي 10 الاف جندي ..
– قوات الدفاع الوطني وهي قوات أنشأت بقرار من الدولة السورية من متطوعين وتعمل الى جانب قوات الجيش الاخرى ودربت بشكل جيد غلى حماية المدن والمنشآت وقتال الشوارع وحرب العصابات وتقدر بنحو 50 الف متطوع.
-اضافة الى قوات لم يتم معرفة عددها من قوات كتائب البعث، قادش وغيرها من التشكيلات المساندة للجيش وتتبع لمرتبات ألويته الخاصة.
كما لا ينكر أحد الدور الكبير والفاعل لحزب الله في نتائج المعركة في سورية حيث كان لهذه القوات الدور الكبير في معارك القصير وكامل منطقة القلمون، حيث ساهمت في ارساء عمق استراتيجي قوي ربط بين العاصمة والمنطقة الوسطى والساحل وأغلق كافة خطوط إمداد المسلحين من جهة الحدود مع لبنان.
بمرور الوقت عن أي جيش سوري نتحدث؟
بالتاكيد استفاد الجيش السوري كثيراً من تجاربه الميدانية والقيادية واستطاع المزج في كثير من المعارك بين أساليب القتال التقليدية وأساليب حرب العصابات (تجارب حزب الله المتلاحقة)، وبات جيشاً يعرف كيف يستخدم المدفعية والدبابات في حرب المدن والاستفادة من مدرعاته، وأصبح بسرعة قياسية، جيشاً يستطيع تطوبر منظومة العمل الاستخباراتي والالكتروني لديه، وينظم الداتا الخاصة بها.
هذا الجيش الذي بات يخيف الإسرائيلي والأميركي على حد سواء، وأكثر من أي وقت مضى، صدر منذ سنة وحتى اليوم عشرات التقارير المخصصة لمتابعة تطور أنماط قتال وتسليح ومنظومة وقيادة تشكيلاته الحربية.
وباتت شعب العمليات في أكثر من جهاز استخبارات غربي تجزم بأنه حقق نصره الاستراتيجي في مواجهة الجماعات المسلحة، وأنه بات من الجيوش التي تمتلك امكانيات قتالية وخبرات هائلة ومعنويات عالية، فهل من حق الاسرائيليين ان يخافوا من هذا الجيش ؟؟
نعم، عليهم أن يخافوا ويقلقوا كثيراً لأنهم وبقصد يغاير النتائج التي أرادوها، سيواجهون مستقباً جيشاً قوياً متماسكاً، عالي الخبرة تؤازره مقاومة راكمت الى خبراتها السابقة الكثير من الخبرات التي ستفاجئ الجميع.
عمر المعربوني – ضابط مدفعي – خريج الكلية الحربية السوفياتية – موقع سلاب نيوز