انقسامٌ عمودي حول دور أمريكا في العالم
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
مع تأكيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصريحاته بأنه، في حال تم انتخابه، لن يدافع عن أعضاء الناتو الذين لا يحققون أهداف الإنفاق الدفاعي، ومع توقف حزمة التمويل العسكري الأجنبي في الكونغرس، يبرز انقسامٌ صارخ حول كيفية رؤية الرئيسين الأمريكيين وناخبيهم للدور الذي تلعبه أمريكا في العالم، حيث يدعو الرئيس الحالي جو بايدن، الذي جعل من تعزيز التحالفات ضد الخصوم الركيزة الأساسية لسياسته الخارجية، إلى المزيد من التعاون الدولي بشكل عام، بينما يدفع ترامب، المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل، مرة أخرى نحو علامته الانعزالية “أمريكا أولاً” التي خلقت حالة من القلق بين الحلفاء والشركاء خلال فترة وجوده في منصبه.
ويدور الخلاف حول كيفية التزام واشنطن بمبدأ الدفاع الجماعي بموجب المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، الذي يتطلب من الأعضاء مساعدة بعضهم في حالة وقوع هجوم خارجي. وفي خطاب ألقاه خلال حملته الانتخابية مؤخراً، تفاخر ترامب بأنه، كرئيس، حذّر ذات مرة أحد زعماء الناتو من أنه سيسمح لروسيا بفعل أي شي تريده للدول الأعضاء في الحلف “المتأخرة” في تخصيص 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. وأثارت هذه التصريحات القلق بين حلفاء ترامب في ظل دعمهم لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا قبل عامين، لكن حلفاء ترامب رفضوها ووصفوها بأنها مجرد خطابات انتخابية. ومع ذلك، أعاد ترامب سرد القصة خلال حملته الانتخابية، قائلاً: “إذا لم يدفعوا، فلن نحميهم”. وفي الأشهر التي سبقت انتخابه في عام 2016، شكّك مراراً وتكراراً في غرض الناتو وفعاليته، واصفاً إياه بأنه “عفا عليه الزمن”.
وفي إطار الضغط من أجل تمرير مجلس النواب حزمة مساعدات أمنية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا و”إسرائيل” والحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ندّد بايدن بتصريحات ترامب التي تنتقد حلف الناتو ووصفها بأنها “مخزية” و”خطيرة وصادمة” و”غير أمريكية”، كما انتقد نهج “التعاملات” الذي تبناه سلفه، مشيراً إلى أن المادة الخامسة لم يتم تفعيلها إلا مرة واحدة، في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 ضد أمريكا، ما سمح للحلفاء بالمساعدة في الحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان. وتعهّد بايدن بأن إدارته لن تتخلّى عن “التزامها المقدس” تجاه التحالف.
ودفاعاً عن تصريحات ترامب، قال جيسون ميلر، كبير مستشاري حملة ترامب: إن ترامب “جعل حلفاءنا يزيدون إنفاقهم في الناتو من خلال مطالبتهم بالدفع، لكن بايدن عاد إلى السماح لهم بالاستفادة من دافعي الضرائب الأمريكيين”. وقال ميلر في تصريح لإذاعة “صوت أمريكا”: “عندما لا تدفع إنفاقك الدفاعي، لا يمكن أن تُفاجأ بحصولك على المزيد من الحرب”.
وجادل البيت الأبيض: إن بايدن هو الذي يستحق الثناء على زيادة عدد حلفاء الناتو الذين يستوفون عتبة دفاعهم البالغة 2٪، من تسعة أعضاء إلى 18، منذ أن أصبح رئيساً.
معارضة من الموالين لترامب
أقرّ مجلس الشيوخ حزمة التمويل البالغة 95 مليار دولار للحلفاء، لكنها تواجه الآن معارضة شديدة من الموالين لترامب في مجلس النواب، بما في ذلك رئيس مجلس النواب مايك جونسون. وقد صوّت أكثر من نصف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين – بما في ذلك بعض صقور السياسة الخارجية الأكثر التزاماً بالحزب – ضدّ هذا الإجراء.
وفي هذا الخصوص، قال السيناتور ليندسي غراهام: إن ترامب “معارض بشدة” لمشروع القانون. وأشار إلى دعمه لفكرة ترامب بأن الولايات المتحدة يجب أن تجعل حزم التمويل هذه “قرضاً، وليس هدية”، كما طرح حلفاء ترامب أفكاراً لإجبار أعضاء الناتو على الدفع. واقترح كيث كيلوج، رئيس الأركان السابق لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في عهد ترامب، إنشاء “تحالف متعدّد المستويات”، حيث لن تتم تغطية الأعضاء الذين فشلوا في تحقيق هدف الـ 2٪ في مجال الدفاع بحماية “المادة 5”.
وقالت كريستين بيرزينا، المديرة التنفيذية لصندوق مارشال الألماني في واشنطن: “إن مثل هذه الإشارات من ترامب وحلفائه تجاوزت الانعزالية في زعزعة ثقة الحلفاء الأوروبيين، وهي تتناقض مع جوهر الردع وتدعو إلى الأعمال العدائية”. وقالت لإذاعة “صوت أمريكا”: يحاول ترامب كسب النقاط من خلال التبجّح، حيث كان التبجّح الأمريكي على الساحة الدولية قوياً بشكل لا يصدّق بالنسبة لأصدقاء أمريكا”.
الناخبون الأمريكيون
حتى عهد ترامب، لم يكن دعم الحلفاء والشركاء أبداً عنصراً مثيراً للجدل في السياسة الخارجية، وهو في حدّ ذاته ليس قضية رئيسية في الانتخابات الأمريكية. ومع ذلك، مع تقريع ترامب لحلف الناتو، فإن القضية الأوسع المتعلقة بدور أمريكا في العالم من شأنها أن تتحوّل إلى انقسام آخر بين الناخبين. فوفقاً لاستطلاع أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في تشرين الأول الماضي، يعتقد 50% فقط من الجمهوريين أن الولايات المتحدة تستفيد من التحالفات عبر الأطلسي، مقارنة بـ 80% من الديمقراطيين و63% من المستقلين. وقال كليفورد يونغ، رئيس الشؤون العامة في شركة “إبسوس”، وهي شركة أبحاث لاستطلاعات الرأي: إن هذه القضية “تم تسييسها إلى حدّ كبير” من ترامب “لحشد قاعدته”. وأضاف: بالنسبة لترامب، “يتعلق الأمر بخرق القواعد وتغيير الأمور، إن قاعدته تؤيّد ذلك بشدة بالمعنى العام، وليس بالضرورة على وجه التحديد”.
ومن بين الجمهوريين، يؤيّد 40% من أولئك الذين يعدّون أنفسهم من أنصار ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، في حين يفضّلها 59% من الجمهوريين من غير ترامب، وهو ما يقترب من مستوى 63% بين عامة الناس. ومن المقرّر أن يحتدم الجدال حول حلف الناتو الأطلسي ودعم أوكرانيا مع استضافة الإدارة قمّة التحالف في تموز في واشنطن، قبل أقل من أسبوع من انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، حيث من المرجّح أن يتم ترشيح ترامب رسمياً للرئاسة.
وقال سوليفان في مؤتمر صحفي بمقر الناتو في بروكسل، في وقت سابق من شهر شباط الحالي: إن قمة الناتو تهدف إلى الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للمجموعة وإظهار أن “التحالف أكبر وأقوى وأكثر اتحاداً من أي وقت مضى”، وهذه الرسالة في طريقها إلى التصادم مع شعار ترامب “أمريكا أولاً”.