اميركا و عرقلة الدخان الابيض
صحيفة كيهان العربي:
كل المؤشرات وما يتسرب من كواليس واروقة فندق كويورغ في فيينا تتحدث عن ان الاتفاق بات قاب قوسين او ادنى من التوقيع واذا جاز لنا التعبير ان نقول ان الاتفاق هو في ربع الساعة الاخيرة من انجازه لان كل شيء بات جاهزا للاتفاق الا الاتفاق نفسه الذي تتحكم فيه اميركا لغايات في نفسها وحتى الساعة من غير الممكن التكهن بنواياها قطعا او الجزم بموقفها التي هي من عادتها ان تناور حتى في اللحظات الاخيرة عسى ان تحصد المزيد من المكاسب لكنها هذه المرة وبالتاكيد تقف في المكان الخطأ لان ايران لا تساوم ولا تهادن ولا تطالب باكثر من حقها وهذا المنطق يحاصر اميركا ويجعلها في الزاوية الحرجة.
وباعتراف الجميع ان الملف النووي اخذ وقتا اكثر مما يستحق وارخى بظلاله على العالم الذي يجب ان يتفرغ لحل مشاكل وقضايا حقيقية تثقل كاهل الشعوب.
فعمر المفاوضات النووية بين ايران ودول (5+1) تجاوز الاثني عشر عاما وكانت الاثنان وعشرين شهرا الاخيرة منها معقدة ومضنية وشاقة للغاية وقد تخللتها في بعض الاحايين مشادات كلامية حادة لكنها لن تخرج عن اطار الادب.
اميركا لم تات من فراغ او رغبة الى طاولة المفاوضات بهذه السهولة وتقود معها مجموعة دول غربية لتجلس امام ايران وتستمع لمطالبها كقوة نووية صاعدة تطالب بحقوقها المشروعة كاملة، لولا انها وصلت الى طريق مسدود وادركت ان الحل العسكري مع ايران اصبح من الماضي وان آلة الحظر مهما كانت قاسية ومشلة حسب وصفهم اثبت عدم جدواها على ارض الواقع.
ودعنا عما نشهده من معارك مسرحية بين الحزبين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي في هذا الملف لاي كانت اغراضه الا ان الدولة الاميركية قد وصلت الى قناعة من انه لابد من التفاهم مع ايران فمثلا عندما نرى المخضرم السياسي هنري كيسنجر والمستشار الامني القومي المعروف برجينسكي احدهما من اقصى اليمين والاخر من اقصى اليسار يقولان بان اميركا انفقت ثلاث مليارات دولار وضحت بارواح اكثر من 12 الف عسكري وكانت النتيجة ان ايران هي الرابح النهائي في المنطقة ويخلصان الى انه لابد من ان نتفاهم مع ايران لان لها دورا اساسيا واسطوريا في المنطقة وعلينا حل القضايا معها.
اميركا ليست جمعية خيرية ولا دولة كدول العالم تريد الندية والاحترام في التعامل مع الاخرين. انها دولة استكبارية واستعلائية تحتقر الضعفاء وتصدر لهم الاوامر فقط لكنها مجبرة للرضوخ الى منطق الاقوياء وتفاوضهم وهذه ايران مثال حي يمكن الاحتذاء بها لرفع الظلم والاضطهاد والفساد في العالم ومع كل هذا وذاك وان باتت كل الامور محسومة لتوقيع الاتفاق لكننا لن نستطيع التعويل على المواقف الاميركية ووعودها حتى يشهد هذا الاتفاق النور لان لها تاريخا طويلا من نقض العهود ونكوثها وهذا ما يدفعنا الى الجزم بشيء حتى نرى خلال الساعات القادمة خروج الدخان الابيض من فندق كوبورغ الذي بات يحبس الانفاس الاميركية.