امتحان العلاقة الأميركية السعودية: هل ديبلوماسية الحلفاء في خطر؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
نجاة شرف الدين:
من يقصد واشنطن هذه الأيام ويلتقي باحثيها وصحافييها كما بعض مسؤوليها، وعلى الرغم من انشغال الإدارة الأميركية بفضيحة التجسس التي هزت العلاقة مع أوروبا، لا يمكن إلا أن يخرج بانطباع أن شيئاً ما قد اهتز على الضفة الأخرى من الحلفاء، بعيداً عن التجسس وتردداته.
شيء ما أصاب العلاقة الأميركية السعودية، التي بقيت راسخة منذ أكثر منذ 40 عاماً، لتتخلى السعودية عن سياستها الديبلوماسية التقليدية في العمل سراً وبطريقة غير معلنة، إلى التعبير عن غضبها العميق من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في التعاطي مع الشرق الأوسط، نتيجة تخليه عن الضربة الجوية العسكرية لسوريا، كما لفتح قنوات التواصل مع العدو اللدود للسعودية، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الموقف السعودي الغاضب الذي عبر عنه أكثر من مسؤول سعودي، وظهر بشكل غير مسبوق عبر رفض المقعد الممنوح لها في مجلس الأمن الدولي، حيث رأى مصدر سعودي في واشنطن أن الشكل الذي تم فيه، وهو ما تم تحضيره مسبقاً وكان مفاجئاً حتى لبعض الديبلوماسيين السعوديين، أرادت منه السعودية توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة وإلى إدارة أوباما بالذات، في محاولة للضغط على الموقف الأميركي باتجاه تحويله إلى أكثر صلابة.
وهو ما يشكك فيه المصدر السعودي نفسه، الذي أمل ذلك من دون التعويل كثيراً على النتائج، معتبراً أن المملكة لا تملك البدائل إذا ما ذهبت بسياسة الحد من الاعتماد على أميركا، كما يدعوها بعض الأكاديميين السعوديين، وكما دعا إليها الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية، الذي شبهته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بـ«قاسم سليماني السعودي»، في إشارة إلى أن سليماني يدير الملف السوري عبر الحرس الثوري الإيراني، وبندر يدير الملف السوري من خلال «الثوار» والمعارضة في سوريا. إلا أنها اعتبرت أن فشله في تشكيل قوة فعالة على الأرض السورية وتراجع واشنطن عن القيام بالضربة العسكرية، أديا إلى إظهار الغضب السعودي على إدارة أوباما.
الموقف السعودي الذي يقوده بندر بن سلطان، تتباين الآراء السعودية بشأنه، برغم عدم التصريح علناً عن ذلك. إلا أن مصدراً سعودياً يتحدث عن مرحلة جديدة، بعد استنفاد الأمير السعودي كل الوسائل المنتجة للبدائل، وهو يعمل اليوم مع شقيقه سلمان بن سلطان لإعادة تشكيل ألوية للمعارضة عبر الإمداد بالسلاح الخفيف، خوفاً من وصول الأسلحة إلى أيدي الجهاديين، الذين يعتبر الأمير بندر أن عددهم بين ثلاثة وخمسة آلاف، بمن فيهم 800 سعودي من المطلوبين من دولته.
المصدر السعودي يعوّل على مواقف مختلفة لأطراف سعودية فاعلة، على الرغم من الدعم الذي يلقاه بندر من الملك السعودي.
لكنه يلفت في المقابل، إلى الاستقبال الذي حظي به وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف لدى زيارته واشنطن، ولقاءاته التي شملت مسؤولين عديدين، وعلى رأسهم أوباما، وصولاً إلى رؤساء وكالات الاستخبارات الأميركية، ووزيري الخارجية والداخلية، وهي شكلت محطة بالغة الأهمية في الاعتماد على دور الوزير السعودي والبناء عليه للمستقبل، وهو الذي كان قد نقل عنه قلقه من أن الأموال والسلاح في سوريا يمكن أن تصل إلى أيدي الجهاديين.
الموقف السعودي الغاضب من سياسة الولايات المتحدة، لا يقتصر على سوريا، بل هو بلغ ذروته مع الخطوات الانفتاحية الأميركية اتجاه إيران، حيث أبدى السعوديون استغرابهم لما وصفوه بـ«السذاجة» الأميركية في الثقة من تقديم إيران عرضاً قابلاً للتطبيق في التسوية حول البرنامج النووي.
التقارب الإيراني الأميركي أثار حفيظة الحليف الثابت للولايات المتحدة، وهي إسرائيل، ما استدعى العديد من الاتصالات الهاتفية والرسائل والموفدين بين البلدين، من أجل إعطاء تطمينات والتأكيد أن المسار يحتاج إلى وقت وخطوات تطبيقية من الجانب الإيراني لبناء الثقة من جديد، وأن رفع الشعارات المعادية لأميركا من أماكن محددة في طهران لا يكفي لتجاوز عشرات السنين من الانقطاع.
في الجانب الأميركي، فإن السعودية لا تزال تشكل الحليف الاستراتيجي في المنطقة، ولو حصل بعض التباين المؤقت والمرحلي، وهو كان قد بدأ بعد الثورة المصرية وتخلي الولايات المتحدة عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وقبولها بانتخاب رئيس من «الإخوان المسلمين»، بالإضافة إلى وقف بعض برامج المساعدات العسكرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وهو ما حمل أول إشارة إلى الغضب السعودي من التعاطي الأميركي.
البيت الأبيض لا يزال يعتمد سياسة عدم الرد على ما يصدر من تصريحات أو ينقل من معلومات، إن عبر الرسائل المباشرة مثل التصريحات المنسوبة الى الأمير بندر لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن إمكانية الاعتماد أكثر على الفرنسيين والأردنيين في الملف السوري، وهو ما نفته الدولتان لاحقاً، أو عبر التهديد بالتخلي تدريجياً عن الاعتماد على أميركا. كل ذلك لا يعدو كونه لحظة غضب من دون خطة حقيقية يمكن الاعتماد عليها وتطبيقها في تشكيل ملامح علاقة مختلفة مع الولايات المتحدة، بحسب أكاديمي متابع لملف الشرق الأوسط.
السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما في الملف السوري الإيراني، شكلت محوراً لهجوم جمهوري تزامن مع الموقف السعودي الغاضب، وهو ما عبر عنه صراحة السيناتور الجمهوري جون ماكين، من خلال مقال في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بعنوان «فراغ في الشرق الأوسط»، اعتبر فيه أن فشل الإدارة الأميركية في سوريا هو جزء من انهيار شامل لمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن «إسرائيل وشريكها العربي الخليجي يخسران كل الثقة بفعالية وقدرة ديبلوماسية الإدارة في المنطقة، وعلاقة أميركا مع السعودية بالتحديد تتدهور بسرعة بعكس مصالح أميركا».
على الرغم من أهمية وصعوبة ما حصل بين السعودية وأميركا، وهي المرة الأولى التي تتعرض فيها العلاقة لهذا النوع من الامتحان منذ السبعينيات، عندما هدد الملك فيصل بسلاح النفط، إلا أن المصادر الأميركية والسعودية تجمع على أن المعطيات تشير إلى إمكانية تجاوز هذه المرحلة، من دون أضرار جسيمة على الطرفين، لأسباب عدة، أبرزها الحاجة المتبادلة للدولتين، لا بل حاجة السعودية اليوم أكثر من أميركا مع تراجع الحاجة النفطية الأميركية تدريجياً، كما عدم وجود قرار فعلي من الجانب السعودي بالتصعيد غير الإعلامي، بالإضافة إلى أن مسار المفاوضات الإيرانية الأميركية في بدايته، وهو بحاجة إلى وقت طويل ليتحول إلى علاقة استراتيجية، تحرص أميركا حتى الآن على أن لا تكون على حساب حلفائها الخليجيين.
وما لا شك فيه، أن الديبلوماسية الأميركية تعرّضت لنكسة مع حليفتها الديبلوماسية السعودية. إلا أن السؤال يبقى: هل هي مرحلة عابرة في العلاقة الراسخة تاريخياً بين البلدين؟ أم سيبقى هذا الجرح الذي حفر في العمق الديبلوماسي ينزف بانتظار تغيير ما في الأفق السعودي؟