الولايات المتحدة تغير مرة أخرى الموعد النهائي لمحادثات فيينا.. الأسباب والتداعيات
صحيفة الوفاق الإيرانية:
قضية المواعيد النهائية الوهمية للولايات المتحدة لمحادثات فيينا هي الآن قضية لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح، حيث قال مسؤولو حكومة “بايدن”، بمن فيهم المتحدثة باسم البيت الأبيض “جنيفر ساكي”، مراراً وتكراراً إن الاتفاق لم يتبق له سوى أسابيع قليلة، ولكن، أفادت وسائل الإعلام الصهيونية يوم الثلاثاء الماضي، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة أعادت فتح أبوابها وغيرت الموعد النهائي لهذه المحادثات.
وكتبت صحيفة هآرتس الصهيونية: “المصادر المشاركة في المحادثات أبلغت هآرتس أن الحكومة الأمريكية غيرت مواعيدها النهائية مراراً وتكراراً. وفي البداية، تم تحديد نهاية فبراير كموعد نهائي لاختتام المحادثات، لكن بعد إحراز بعض التقدم، تم تأجيل الموعد النهائي إلى مارس”.
وكان تحديد مواعيد نهائية وهمية أحد تكتيكات الجانب الغربي من محادثات فيينا في الأشهر الأخيرة للضغط على الفريق الإيراني، في حين تُظهر أدلة مختلفة أن اتخاذ القرار الضعيف من الجانب الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، كان كذلك عاملاً في المحادثات.
ومنذ بدء الجولة الأولى من المحادثات في فيينا في ظل حكومة “آية الله السيد إبراهيم رئيسي” في ديسمبر من العام الماضي، حدد المسؤولون الغربيون ووسائل الإعلام عدة مواعيد نهائية لإنهاء المحادثات، ولكن مع اقتراب نهاية المحادثات والتي استغرقت بضعة أسابيع، قام الجانب الغربي بتأجيلها مراراً وتكراراً.
وفي فبراير من العام الماضي، ذكرت شبكة أخبار “سي إن إن” أن الحكومة الأمريكية أعلنت أن الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق هو “نهاية فبراير”، وقبل التأجيل الأخير، قال مسؤول أمريكي لصحيفة “وول ستريت جورنال” في 17 يناير الماضي أن نافذة المحادثات النووية مع إيران ستغلق “في منتصف فبراير”.
وفي وقت سابق نقلت “بوليتيكو” عن مسؤولين غربيين مقربين من محادثات فيينا قولهم إن نافذة المحادثات ستغلق بنهاية يناير كانون الثاني أو أوائل فبراير شباط.
وكانت نهاية عام 2021 موعداً نهائياً آخر حدده المسؤولون الأمريكيون وثلاث دول أوروبية في الجولة السابعة من محادثات فيينا كنقطة نهاية للمحادثات الدبلوماسية مع إيران.
ولقد لفتت قضية المواعيد النهائية الأمريكية المزيفة انتباه مؤسسة فكرية يهودية مؤخراً.
وقال مركز الأبحاث اليهودي “يبدو أن وقت المحادثات النووية لم ينته أبداً”، مستشهداً بـ27 تصريحاً لمسؤولين أمريكيين حول قصر الوقت في المحادثات من يناير 2021 إلى نهاية يناير 2022.
وكانت الرسالة التي سعى الأمريكيون لنقلها من خلال التأكيد على قصر الوقت في محادثات فيينا هي أن سرعة المحادثات تتوقف بناء على ما يجب أن تفعله إيران.
ومع ذلك، تُظهر العديد من الأدلة الأخرى أن الأمريكيين كانوا الجاني الرئيسي في المحادثات، ويمكن اعتبار الخلافات الداخلية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الاتفاق النووي الإيراني والتزام واشنطن بتقديم تقرير عن تقدم المحادثات إلى النظام الصهيوني والدول العربية في الخليج الفارسي أحد الأسباب الرئيسية لتأخير الولايات المتحدة في المحادثات، ويجب أيضاً اعتبار سمات شخصية “جو بايدن” عاملاً ساهم في ضعف حل هذه المشكلات.
وحول هذا السياق، قال “جيفري لويس”، الخبير في منع الانتشار النووي في الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر، في مقابلة مع قناة “بي بي سي”: “إن جو بايدن جبان. لانه في الأشهر الأولى من ولايته في البيت الأبيض، كان يخشى العواقب، وكان قلقاً من أنه قد يبدو أنه سيقدم تنازلات لإيران”. ويقال إن “بايدن” كان قلقاً بشكل خاص خلال الأشهر الأولى من رئاسته إذا استفز لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وخاصة “بوب مينينديز”، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لتفضيل تأجيل القرار بشأن الاتفاقية إلى المستقبل القريب.
ويمكن أيضاً رؤية الدليل على هذا النهج في البيانات التي أدلى بها مسؤولو حكومة “بايدن” خلال جلسات اعتمادهم في مجلس الشيوخ، وعلى سبيل المثال، قال وزير خارجية “بايدن” الحالي “أنتوني بلينكين”، الذي يكرر من وقت لآخر تفضيله لفترة أقصر للتوصل إلى اتفاق في فيينا، لأعضاء مجلس الشيوخ في اجتماع خاص، إن “الوقت لا يزال بعيداً للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران”.
ويمكن النظر إلى هذه الحالات على أنها مؤشرات على أن قرار تأخير العودة إلى الاتفاق النووي اتخذته الولايات المتحدة عن عمد، لكن الدولة تحاول الآن إسقاط مشاكلها على إيران وإلقاء اللوم على طهران لعدم إحراز تقدم سريع في هذه المحادثات. ومن ناحية أخرى، في الجولات السابقة من محادثات فيينا، كما اعترف حتى المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون أنفسهم، كان التقدم المحرز في مجال التزامات إيران النووية أكبر من التقدم المحرز في مجال رفع العقوبات.
إن القضية هي ما إذا كان المضي قدماً مرتبطاً بمرونة الولايات المتحدة في رفع العقوبات أم لا على الجانب الإيراني.
طبعاً عند الحديث عن الوقت لا ينكر أحد أن النتيجة أهم بالنسبة لطهران من الوقت، لأن إيران تحاول وضع الاتفاق النووي على مسار اتفاق ثنائي ومتوازن، حيث أصبح منذ الأيام الأولى لتطبيقه، بمثابة اتفاقية لصالح المنافع الاقتصادية لطهران بسبب سياسات الولايات المتحدة والدول الغربية.
في الواقع، من وجهة نظر جمهورية إيران الإسلامية، على الرغم من أن رفع العقوبات بشكل أسرع يمثل أولوية، إلا أن ضمان “الرفع الفعلي والحقيقي” للعقوبات لا ينبغي التضحية به من أجل “الوقت”، وبالنظر إلى أن الجانب الغربي في السنوات الست من تنفيذ الاتفاق النووي، قد أظهر في الماضي أنه على استعداد لاستخدام جميع أدواته القانونية والسياسية لضمان عدم إفادة إيران إلا بالرفع الرمزي للعقوبات.
وفي موقف غريب، صرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس الثلاثاء الماضي أن التوصل لاتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني مرتبط باتخاذ طهران قرارات “صعبة”، مؤكداً أن “اتفاقاً من هذا النوع ليس وشيكا ولا مؤكدا”، في تغيير واضح في اللهجة الأمريكية.
واعتبرت الخارجية الأمريكية الثلاثاء الماضي أن إحياء اتفاق عام 2015 المتعلق بالحد من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، يرتبط الآن باستعداد طهران لاتخاذ قرارات “صعبة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس إنه بعد نحو سنة من المفاوضات: “المسؤولية تقع على عاتق طهران لاتخاذ قرارات قد تعتبرها صعبة”، مضيفاً “هناك عدد من المسائل الصعبة التي نحاول إيجاد حلول لها”.
ولفت برايس إلى أن “اتفاقاً من هذا النوع ليس وشيكا ولا مؤكدا، ولهذا السبب بالتحديد نحن نتحضر خلال العام لأي احتمال طارئ”.
إذا كان الاتفاق النووي بمثابة اتفاقية متعددة الأطراف – وليس “لعبة محصلتها صفر” – يجب أن تكون هناك آليات لضمان تمتع كلا الطرفين بالمزايا الموعودة.
بالنسبة للغرب، كانت مثل هذه الآليات موجودة منذ البداية وقد تم الإبلاغ عنها بتفاصيل قليلة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن بالنسبة لإيران، لا توجد آلية حتى الآن للتحقق من التزام الطرف الآخر بالتزاماته، وقد استفاد الغرب استفادة كاملة من هذا الفراغ.
وسبب إصرار إيران على ضرورة النظر في آليتي “التحقق من رفع العقوبات” و “ضمان بقاء مجلس الأمن الدولي” هو أن الغربيين لا يمكنهم تكرار السلوك الذي اعتادوا عليه منذ عام 2015.
من الواضح أن سد هذه الفجوة سيستغرق وقتاً، وعلى الجانب الآخر، إذا كان قلقاً بشأن الوقت، أن يتعامل مع مخاوف إيران بسرعة أكبر وهو أمر لم يتم القيام به حتى الآن، وبدلاً من ذلك، فإن الجدل الذي تثيره وسائل الإعلام هو حول أعمال الأطراف الغربية وتعاملها مع هذه المحادثات.