الواقع السكاني لسورية: كيف يتوزع ال 27 مليون سوري في الداخل والخارج؟
وكالة أنباء آسيا-
زينة زيني:
أكدت مصادر تركية أن حوالي 600 ألف سوري على أقل تقدير عادوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة الى مناطق المعارضة السورية بدفع من سلطات انقرة.
ومن اصل 26.7 مليون شخص، منهم 16.76 مليون تقريباً داخل سورية، و9.12 مليون تقريباً خارجها، و897 ألف مفقود ومغيّب سواء في السجون الرسمية او في سجون الفصائل المسلحة المعارضة والارهابية.
وتتوزع أعداد السوريين داخل سورية بين مناطق المعارضة التي يوجد فيها 4.3 مليون شخص تقريباً، ومناطق قسد التي يوجد فيها 2.6 مليون شخص تقريباً، ومناطق الحكومة التي يوجد فيها 9.6 مليون شخص تقريباً .
ومع أن الاعداد المذكورة أعلاه ليست دقيقة بفعل تغييب الجهاز المركزي للإحصاء عن القيام بمهامه في مناطق خارج السلطة الرسمية، وهو الذي كان الجهة الرسمية الوحيدة القادرة على رصد التحولات السكانية في سورية، لما لديه من إمكانات إحصائية فنية وجديرة، وقد تسبب تعطُّل عمل هذا الجهاز بأزمة بيانات في سورية.
بدأت عمليات النزوح من مناطق مختلفة داخل سورية منذ مطلع عام 2012، حيث أدّى استخدام العنف من طرف مسلحين رافقوا المتظاهرين بداية بحجة حمايتهم ، ثم بَدأوا عمليات عسكرية ضد المراكز الحكومية في بعض المناطق الدرعية اولا ثم ضد تنقلات المجندين حيث حصلت مجازر عديدة بحق مجندين دون سلاح في بانياس وحمص وفي النادي العسكري في حمص، ثم حصلت حركة نزوح كبيرة بسبب سيطرة المسلحين على مناطق واسعة من حمص وريف درعا اولا ثم على الغوطة وحماة وارياف الجزيرة واخيرا حين سيطر الارهاب بشكل كامل على ثلثي الاراضي السورية.
هذا كلّه لا يعفي السلطة من مسؤوليتها لكن السلطة الحالية موجودة منذ العام 1970 ولم تقم بتهجير اي سوري عنوة وانما من خرجوا تعرضوا لنوعين من المخاطر هي الاعتقال لارتباطهم بالحركات المعارضة او بالاستخبارات المعادية او لتعرض مناطقهم لقصف واقتحامات بعد سيطرة الارهابيين عليها.
في حمص، كان عدد النازحين من المدينة كبيرًا عام 2012، وتوزع هؤلاء بين أحياء طرفية داخل المدينة كحي الوعر، ومدن وبلدات قريبة، كتدمر والقريتين، وكذلك نحو دول الجوار كما حصل مع الوافدين إلى لبنان.
استُنسخت هذه الصورة تقريباً، في كل المدن السورية، وتوسعت على نطاق البقعة الجغرافية السورية، كلها، وأصبحت الأوضاع مع مرور الوقت أكثر تعقيداً، وفاض النازحون نحو الأطراف من الوعاء الجغرافي السوري، حيث استقروا قرب الحدود وفي الدول المجاورة، فيما بدأت رحلة اللجوء نحو بلدان أوروبا وأمريكا، وبعض الدول الإفريقية عام 2014.
كان لبنان الدولة الأكثر حضواًر في المشهد منذ عام 2019، حيث ساهمت الأزمة المالية اللبنانية والاحتجاجات التي تبعتها بتحرك عدد من السوريين نحو الدول الأوروبية، وأحياناً نحو الداخل السوري، ولكن النسب كذلك لم تكن كبيرة، نتيجة للظروف العالمية، واختلاف الآراء السياسية اللبنانية تجاه قضية اللجوء كما هو الحال في مختلف قضايا البلاد.
وفي الفترة بين عامَيْ 2021 و2022 انعكست الظروف العالمية على اللاجئين عموماً والسوريين بشكل خاص؛ كونهم فئات ضعيفة للغاية في الدول التي يعيشون فيها، حتى جاء الزلزال المدمّر عام 2023 ليزيد المصاعب على اللاجئين السوريين في تركيا، تزامنًا مع اقتراب الانتخابات التركية الرئاسية، التي جعلت ورقة اللاجئين ملفاً بين الأحزاب المتنافسة، مما دفع المزيد من السوريين للعودة إلى بلادهم أو التوجّه نحو أوروبا .
شهدت الفترة الواقعة بين عام 2019 وحتى نهاية الربع الأول من عام 2023 تحوُّلات مهمة بالنسبة للمشهد السكاني السوري، خاصة في قضايا اللجوء، حيث اتصفت هذه الفترة بما يلي :
– تأثير الأزمة المالية والسياسية اللبنانية على اللاجئين السوريين، والذي ضغط بشكل كبير على هذه الفئة، مما أعاد تموضعهم داخل وخارج لبنان. داخل لبنان عَبْر الانتقال من بلدات محسوبة على معارضة وجودهم، إلى بلدات أكثر قبولاً لهم، وخارج لبنان عَبْر تزايد طلبات التسجيل لإعادة التوطين، حيث سجل أكثر من 25 ألف طلب إعادة توطين جديد عام 2021، كما لوحظ زيادة في عدد المراكب التي تنطلق من الشواطئ اللبنانية نحو دول أوروبا.
– ظهور أزمات لجوء أخرى جعلت حصة اللاجئين السوريين في دول أوروبا وأمريكا تتراجع، حيث بدأ اللاجئون يتدفقون من أفغانستان وأوكرانيا بشكل ضخم، على خلفية انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان، والحرب الروسية الأوكرانية ، وفي عام 2021 تراجعت الجنسية السورية إلى المركز الثاني في عدد طلبات اللجوء المقدمة في أوروبا مقابل الأفغانية.
– التحولات السياسية التركية، حيث دفع التنافس بين الحكومة والمعارضة على قضايا اللاجئين والتقارب مع النظام السوري، إضافة لزيادة معدلات التضخم، كثيرًا من السوريين للعودة إلى الشمال السوري، أو الانتقال لدول أخرى.
– التسهيلات المصرية للسوريين للوصول إلى أراضيها، مما رفع أعداد السوريين المقيمين فيها، خاصة من الطبقة المتوسطة، حيث أكد تقرير صادر عن منظمة الهجرة العالمية أن السوريين في مصر أصبحوا أكثر من 1.5 مليون في 2022.
– الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال سورية في شباط/ فبراير 2023، والذي تسبب بحركة نزوح للسوريين داخل سورية وتركيا، وكذلك عودة عدد كبير منهم إلى داخل الأراضي السورية.
انتقل الانتشار السكاني السوري الجديد من حالته المؤقتة إلى حالة أكثر ديمومة، بمعنى أن رصد أوضاع اللاجئين في دول الغرب ودول الجوار وانتقالهم للحصول على الجنسية وتأسيس العمل ،والانخراط في أعمال مجتمعية، وتعلم اللغات المحلية، وحالة الاندماج الكبيرة التي حصلت تشير إلى أن هذه الحالة تؤسس لمرحة دائمة لن يعود فيها أغلب السوريين إلى بلادهم.
وبات الوضع المُقلق في دول الجوار، خاصة لبنان وتركيا، يشكّل عبئاً على اللاجئين السوريين هناك، مما يجعل أرقام السوريين المقيمين في هذه الدول غير مستقرة، ويتوقع أن تخضع لتحولات ملحوظة في السنوات الثلاث المقبلة.
كما أن الهدوء النسبي الذي ظهر نتيجة لتراجُع الأعمال العسكرية في سورية، يشير إلى أن حركة النزوح لن تخضع لمزيد من التحولات العميقة، وبأن أعداد السكان في المناطق السورية قابل للثبات بشكل كبير على مستوى التحولات الداخلية على أقل تقدير.