الهجوم على الكرملين والبعد الأيديولوجي للصراع
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يبدو أن استهداف مبنى الكرملين الروسي ومحاولة اغتيال الرئيس بوتين، حدث سيغير الكثير من وتيرة حسم الصراع الدولي والحرب الدائرة الآن بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا والذي يتخذ أوكرانيا واجهة له.
هذا الحادث الذي يلفه الغموض وتدور حوله العديد من التحليلات ولم تنكشف بعد معلوماته وملابساته الدقيقة، يحتمل عدة فرضيات، نرى أسخفها وأبعدها عن المنطق هو سيناريو المسرحيّة الروسية، لأن ما حدث يعد احراجًا كبيرًا للروس وتصعب المناورة بهكذا اختراق، وخاصة في ظل مناخ داخلي حساس يحرص الرئيس بوتين على غرس الثقة به وتوحيده وعدم نشر التوتر به.
كما يكشف الحادث عدة أمور، وهي أمور لا تتعلق بالفاعل الحقيقي، وهل هو أوكرانيا بمفردها أو أمريكا بمفردها أو عملية مشتركة بغواية أمريكية لأوكرانيا أو بوجود طرف ثالث يريد الوصول بالصراع لنقطة حسم سريعة حتى لو على حساب انفجار الوضع دون مبالاة بالتداعيات.
وهذه الأمور التي تشكل قدرًا متيقنًا يمكن قراءتها كما يلي:
1- صعوبة التسوية السلمية بين الرئيس بوتين والغرب عمومًا بعد محاولة الاستهداف الشخصي وبين بوتين وزيلنسكي والذي تم توجيه اتهام رسمي له ولعصابته بأنهم زمرة من الإرهابيين بعد هذه المحاولة.
2- وجود تشخيص من الفاعل بأن الصراع هو صراع شخصي مع بوتين وأنه بالقضاء على شخص الرئيس قد ينتهي الصراع بعمقه الحالي الهادف لتشكيل نظام عالمي جديد، وقد يأخذ شكلا آخر قوامه أمن روسيا دون أبعاد أيدلوجية أو جيوسياسية مثل التي يتخذها الصراع وفقًا لتشخيص بوتين.
3- وصول الصراع لمرحلة صفرية خطيرة تمت فيها المجازفة بإجراءات خطيرة تدفع لانزلاقات لا يستطيع أحد التكهن بها، وهو ما يمثل تخليًا عن المحاذير والموازين الدقيقة للخطوات الغربية والروسية على السواء.
وهنا ينبغي رصد عدة ملاحظات:
أولًا: حتى الآن فإن روسيا تعمل تحت عنوان العملية الخاصة الروسية، ولم تطور العنوان بعد إلى الحرب مع أوكرانيا، ولكل عنوان سياساته وخطواته وعملياته العسكرية المتناسبة مع العنوان، وهو ما دفع البعض في الداخل في روسيا للمناداة بإعلان الحرب رسميًا، وهو تطور خطير للصراع.
ثانيا: يلعب الغرب بورقة الغموض وتعدد الفاعلين وعدم الإعلان عن المتورط، وهو استغلال جبان للسياسات الخبيثة التي تتوارى وراء دعم أوكرانيا بشكل دفاعي رغم وجود كافة الدلائل على قيادة البنتاغون والناتو للتحركات العسكرية الأوكرانية وتوفير كافة المعلومات الاستخباراتية والاحداثيات سواء الدفاعية أو الهجومية، بينما أي رد شخصي يستهدف زيلنسكي أو المسؤولين في أوكرانيا فلن يحتمل اي احتمالات أخرى وسيوجه الاتهام بشكل حصري إلى روسيا.
وهنا يبرز سؤالان في غاية الأهمية، أولهما كيف تم اختراق الداخل الروسي؟ والثاني، لماذا الاستهداف لشخص الرئيس بوتين؟
والسؤال الأول لا يملك الخبراء عنه معلومات دقيقة وإجابات وافية، ولكن تزامن الهجوم مع الإعداد لاحتفالات عيد النصر الروسية على النازية، قد يفسر وجود ثغرات بسبب التأمين الخاص لهذا اليوم والتشويش الروسي المتعمد على الإحداثيات بشكل تأميني مما سمح بثغرة ما نفذ منها المخطط والمنفذ للهجوم، كما تم رصد عدد آخر من المسيّرات وهو ما يوحي بالتخطيط لإرباك الدفاعات كما يوحي بالجدية والإصرار على تنفيذ العملية بنجاح.
أما عن استهداف الرئيس بوتين شخصيًا، فهو يتعلق بمستويين، أحدهما يتعلق بالمرحلة الراهنة من الصراع، والآخر يتعلق بمستقبل الصراع:
وعلى مستوى المرحلة الراهنة، فهناك أزمة غربية عامة مع الدعم المتنامي لاوكرانيا ونفاد مخازن الذخيرة وأعباء امتداد الصراع وطول فترته الزمنية والذي أرهق الميزانيات الأمريكية والغربية وسط أزمات للطاقة والاقتصاد بشكل عام، ووسط تسريبات تشي بتشاؤم الغرب من جدوى الهجوم الأوكراني المضاد الذي يكثر الحديث عنه ويتم التضخيم في شواهده على الأرض، وهو ما يتطلب ربما عملية كبرى تشكل ضربة نفسية لروسيا ونصرا معنويا للغرب، وخاصة مع وجود قناعة لدى عدة نخب وأوساط أمريكية وغربية بأن الحرب هي حرب بوتين الشخصية.
وعلى مستوى مستقبل الصراع، فإن هذه المحاولة لا تنفصل عن محاولة اغتيال الفيلسوف الكسندر دوجين والتي راحت ضحيتها ابنته، حيث يرى الغرب أن دوجين هو عقل بوتين، وأن خطورة بوتين تكمن في اعتناقه للايديولوجية الأوراسية الحضارية والتي تختلف عن الاستراتيجية الاوراسية التي تتبعها امريكا للهيمنة، وأن هذا الصراع هو صراع حضاري بين روسيا والغرب وهو أخطر وأعمق من الصراع العسكري، وأنه مكمن الخطورة الحقيقية.
ولعل أندرو أ. ميتشتا، عميد كلية الدراسات الدولية والأمنية في مركز جورج سي مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية في جارمش بألمانيا، قد لخص ذلك في مقال له بالمجلس الاطلسي الامريكي عندما قال نصًا: “ينوي بوتين أن تتصدى روسيا للغرب ليس فقط من حيث القوة العسكرية، ولكن أيضًا في مجال الأيديولوجيا. في روسيا الجديدة هذه، مع تطلعاتها، تكمن الدوافع التي من المحتمل أن تشكل روسيا التي سيحتاج الغرب إلى مواجهتها لسنوات قادمة.. هي في الواقع نقطة انعطاف حضارية.. لا يريد بوتين هزيمة المقاومة الأوكرانية لغزوه فحسب، بل يسعى لتحقيق انتصار حضاري كتأكيد على المسار الأوكراني لروسيا. إن الحجة القائلة بأنه هاجم أوكرانيا لأن الناتو كان يتعدى على الأراضي الروسية تفشل في تفسير العداء الأيديولوجي والثقافي الذي يتغلغل في وسائل الإعلام الروسية، وخطابات بوتين، وتصريحات كبار المسؤولين الحكوميين الروس”. وفقا لقوله.
وبالتالي هناك تأكيد على الجوانب الحضارية والأيدلوجية للصراع الدولي وأطراف النظام العالمي، وخلفيات اصطفاف معسكراته على هذا النمط، وهو ما يفسر تقارب معسكرات الشرق بما فيها محور المقاومة مع روسيا والصين بينما يتقارب العدو الصهيوني مع المعسكر الامريكي والغربي، وهو فارق حضاري بين حضارة النهب وافتقاد القيم الأخلاقية، وحضارات القيم والمقاومة للهيمنة والاختراق.
وبالتالي نحن أمام جبهات متوقعة عند احتدام هذا الصراع وبدء انزلاقاته، قوامها معسكر حضاري هو المرشح للتحالف بما فيه العسكري على الجبهات، ومعسكر النهب والهيمنة والاستكبار، ولا مجال للمناورات ولا مكان للمتلاعبين والمهرجين وماسكي العصي من منتصفها.