الهبة السعودية للجيش اللبناني.. بين السخاء والتخبط!

shaker-shubair

موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:

المساعدات الخليجية للمقاومة الفلسطينية لم تصل في تاريخها إلى هذا الرقم!
ثلاثة مليارات دولار هبة من المملكة العربية السعودية للبنان!
هذا ليس كل ما في الأمر. هناك هبة إماراتية أخرى مشابهة في طريقها للجيش اللبناني. ما الحكاية في هذا السخاء الذي نزل دفعة واحدة على الكيانات السياسية في الخليج تجاه جيش لبنان؟! وأعتقد أنه من السخف بمكان الاستخفاف بعقل المواطن العربي في عصرثورة الاتصالات والشبكة العنكبوتية والادعاء بأن هذا يستهدف تقوية لبنان أمام أي تهديد إسرائيلي، فقد أصبحت المعلومات ميسرة للجميع.

السعودية بهذا التصرف ـ ودون أن تعي ـ تدخل على مجال مشحون؛ وهو مجال مبدأ سياسة الإحلال التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
القوتان الاستعماريتان اللتان سيحل محلهما النفوذ الأميركي وهما فرنسا وبريطانيا تتحركان، لقصقصة أجنحة النسر الأمريكي. دخول هذا المجال يتناقض مع تعهدات الملك عبد العزيز للرئيس روزفلت أثناء اجتماعهما على الطراد الأمريكي كوينسي عام 1945! لذا فهذا الدخول لا تعرف هي عقباه. لنفترض أن هذه الممارسة السعودية أو تلك تتقاطع في نقطة صراع فرنسي بريطاني أمريكي لصالح الطرف البريطاني الفرنسي، فهل ستبلع أمريكا هذا التصرف ضدها من قبل السعودية؛ أي تأخذ هذا التصرف بعين الرضى؟!

السعودية تطلب المستحيل، وهو أن تتجه التوجيهات من الرياض إلى واشنطن، وهو أمر لا يمكن أن يكون! أن تضحي السعودية وغيرها من الدول الخليجية أو الدول العربية من أجل تنفيذ السياسة الأمريكية، هذا هو الأمر الطبيعي في ظل العلاقة القائمة. الحالة الأفغانية شاهد على ذلك. هل يتخيل المرء أن يتحرك الجيش الأمريكي من أجل تنفيذ سياسة أو رغبة سعودية؟

في معظم تاريخها، بريطانيا تستخدم الآخرين لتنفيذ سياساتها. في الحرب العالمية الثانية سقط ملايين الهنود في ساحات الوغى في أوروبا دفاعاً عن بريطانيا! وفي الشأن الفلسطيني وعندما لم تتمكن العصابات الصهيونية من إنجاز متطلبات إعلان دولة بعد سنة من قراراالتقسيم، لم تتدخل بريطانيا. بل تركت العرب يقومون بالمهمة! الجامعة العربية تبنت قرار إرسال جيش لفلسطين بعنوان حماية ومساعد الفلسطينيين،هذا الجيش العربي الذي كان سيدعم الفلسطينيين كان بقيادة الجنرال جلوب باشا! وكان قائد العمليات في هذا الجيش البريجادير نورمان لاش. وحتى لا تخرج العملية من ايديهم، وصلت برنطة قيادة الجيش حتى مستوى الألوية بل والأفواج. وقاموا بالمهمة على خير وجه تريده بريطانيا. فقد ثبتوا التقسيم وسلموا إسرائيل أراضي لم تدخلها من قبل وفكوا الحصار عن حوالي 100,000 يهودي في القدس، وجمعوا الأسلحة من المجاهدين بحجة أنهم لم يعودوا بحاجة لها، وقتلوا وأسروا و شردوا المجاهدين من الفلسطينين والعرب!

اليوم بريطانيا تتحكم بثلاث دول خليجية وهي عمان وقطر والإمارات، وهي أدواتها في تحركاتها السياسية. قد يبدو هذا غريباً للعامة، فكيف يكون ولاء الإمارات وقطر بريطانياً مع أن موقفهما متناقض بالنسبة للإخوان! الأمر بسيط، فبريطانيا تستخدم الإمارات كعصا للإخوان وقطر كجزرة لهم. ومن خلال العصا والجزرة تحاول بريطانيا التحكم في سلوك الإخوان. المنحة الإماراتية ما كانت لتتم دون أوامر بريطانية صريحة.

فقطبا التحرك هنا فرنسي بريطاني مقابل القطب الأمريكي، والسعودية بدعمها القطب الفرنسي البريطاني تقف في جانب القطب المناوئ للقطب الأمريكي، دون أن يستطيع هذا القطب الوقوف في مواجهة لحماية الطرف السعودي مقابل الطرف الأمريكي! يعني لوقالت إيران للولايات المتحدة ماذا تريدين؟ بترول جزيرة العرب! أنا اضمنه لك واستقرار الإمدادات بل احتكارك له، من خلال بناء جمهورية الإحساء! أما أنا كإيران أريد الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. هل تستطيع فرنسا أو بريطانيا الوقوف لمنع إتفاق كهذا؟! بالطبع لا تستطيعان لا مجتمعتان ولا منفردتان أن تمنعا تنفيذ مثل هذا الاتفاق. لذا فإن هذا التصرف من علامات تخبط السياسة السعودية حالياً.

سؤال هام كان على السعودية أن تجيب عليه قبل أي تحرك، السؤال هو: هل ينجح هذا التحرك في هزيمة خط المقاومة؟ إذا ما عرفنا أن الجيش اللبناني هو لكل اللبنانيين، ومتأثر بتركيبته الطائفية المشرعنة في الدولة، فلن يقبل ابن الجنوب أن يقاتل أهله في المقاومة بأمر من رئيسه في الجيش، لذا فإن النتيجة ستكون انقساماً حاداً في الجيش وصراعاً داخله وبين أجنحته، وبالتالي لن يستطيع الجيش أن يتحرك باتجاه ضرب المقاومة. ستكون النتيجة المزيد من التضحيات، لكن ستظل راية المقاومة خفاقة في سماء لبنان الحبيب، تماماً كما ظلت عالية خفاقة في دمشق العروبة.
لذا فالتحرك السعودي تحرك يائس يخرج في فترة يأس وتخبط السياسة السعودية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.