النص الكامل لكلمة سماحة السيد حسن نصر الله عبر قناة المنار بمناسبة ذكرى الشهداء القادة مساء الأحد 16-2-2014
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
إنني في البداية أتوجه بالتحية إلى أرواح القادة الشهداء، إلى أساتذتنا وقادتنا وحملة الراية الأوائل وأصحاب الإنجازات والانتصارات، إلى سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموساوي، إلى شيخ شهدائها الشيخ راغب حرب، إلى القائد الشهيد الحاج عماد مغنية… وكذلك إلى جميع الشهداء، شهداء الجيش والقوى الأمنية، شهداء الشعب، شهداء المقاومة بكل فصائلها، الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعرب الذين روت دماؤهم أرض لبنان، فكانت لنا كل هذه الانتصارات.
أتوجه بالتحية إلى عوائل الشهداء القادة، إلى عوائل جميع الشهداء، وإلى الشهداء وعوائلهم الذين يتقدمون أيضا وما زالوا في كل ساحة وفي كل موقع وفي كل جبهة وعند كل واجب جهادي يدافعون فيه عن بلدهم وشعبهم وأمنهم وكرامتهم وسيادة وطنهم ومقدساتهم وقضايا أمتهم.
أتوجه بالتحية إلى شهداء التفجيرات الأخيرة التي ضربت في أكثر من منطقة لبنانية، إلى الشهداء الأطفال والنساء والشيوخ والرجال والكبار والصغار وإلى عائلاتهم الشريفة، وأواسيهم وأعزيهم وأدعوهم إلى الصبر والتحمّل، إلى الجرحى أتوجه بالدعاء لهم بالشفاء العاجل، وإلى كل الصابرين المحتسبين الصامدين الثابتين المقاومين، دفاعاً عن كرامتهم وعن عزتهم ومستقبلهم، أصحاب البصيرة والرؤية الصحيحة والوعي الواسع والاستعداد العالي للتضحية والفداء كما كانوا طوال التاريخ وكما كانوا طوال عقود.
أيها الإخوة والأخوات: سأحتاج إلى مزيد من الوقت للحديث، لأنه لدينا العديد من الموضوعات في هذه المناسبة، خصوصاً أنه مرّ مدة ولم أتحدث. حديثي سيتناول ثلاثة عناوين أساسية:
أولاً: العنوان الإسرائيلي، وما له صلة بالمقاومة والشهداء القادة والتحديات الحالية، ولن أتحدث عن التاريخ بقدر ما سأطل على الحاضر.
والمقطع الثاني له علاقة بالمواجهة القائمة حالياً في لبنان وسورية والمنطقة والخطر القائم وبالتالي ما يتصل به أيضا من تحديات أمنية وسياسية وما شاكل.
وفي المقطع الثالث سأتحدث قليلاً عن الحكومة الجديدة وإذا بقي وقت إن شاء الله يكون هناك كلمة أخيرة.
في ذكرى الشهداء القادة أبدأ أولاً من بديهية باتت منسية للأسف عند كثير من الناس هي إسرائيل. عندما نتحدث عن الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد وشهداء المقاومة يجب أن نتحدث عن المشروع الذي قاتلوه وواجهوه، عن العدو، وبالتالي عن إسرائيل، عن خطرها وأطماعها وتهديداتها، خطرها على جميع الدول في المنطقة وعلى جميع شعوب المنطقة العربية والإسلامية.
وأيضا نتحدث عن استفادتها القصوى من الفرص القائمة حالياً والمستجدة لها في وضع المنطقة وبمساعدة ودعم كاملين من الإدارة الأمريكية.
طبعا أنا سأقتصر بالكلام عن المخاطر على فلسطين وعلى لبنان لأن الوقت لا يتسع لأتحدث عن مخاطر المشروع الصهيوني على كل المنطقة، وتحدثنا به كثيراً ولكن فيما يتعلق بفلسطين وفيما يتعلق بلبنان نحن بحاجة إلى بعض التذكير.
هل يجب التذكير بالخطر الإسرائيلي على فلسطين كأرض، كوجود، كتاريخ، ككيان، كمستقبل، على المقدسات الإسلامية والمسيحية، على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، على الشعب الفلسطيني اللاجئ في الشتات. هذه بديهيات يتحدث الناس عنها لعشرات السنين، لكنها اليوم غائبة.
اليوم ينشغل أهل كل بلد ببلدهم، بل أن بعض هذه البلدان تخوض الآن مواجهات دامية ومعارك عسكرية حادة. للأسف الشديد وصلنا إلى مرحلة لا أحد يريد أن يتكلم عن فلسطين ولا أحد يريد أن يتكلم عن العدو، عن إسرائيل.
أنا أتوقع من بعض الناس أن يقولوا: “يا سيد أنت وين والعالم وين؟ وشو قاعد تحكينا؟” هذا تعبير عن الحال الذي وصلنا إليه وهذا بالتحديد ما أرادت أمريكا وإسرائيل أن تصل إليه شعوب المنطقة وحكوماتها ودولها بعد كل الانتصارات والانجازات التي حققها محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى سورية إلى إيران.
المطلوب أن نرجع أن ننسى، المطلوب أن تخرج فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي ليس من دائرة الأولويات، الأميركان وإسرائيل الآن لا يريدون أن تكون فلسطين والصراع مع العدو بالاولويات ولو محلها تحت، وأن تخرج من دائرة الاهتمام أصل الاهتمام، بل أن تخرج من العقل ومن القلب ومن العاطفة، أن نصل إلى مرحلة أنك عندما تقول فلسطين – الليلة أريد أن أحكي كثيراً من الأمور بصراحة – سيقول لك الناس “حلّ عنا انت وفلسطين تبعك”، هذا ما يريدون أن تصل إليه شعوب العالم العربي والإسلامي: لبنان، سوريا، ومصر والعراق والأردن وكل الدول. مطلوب أن نصل إلى موقع، حتى على مستوى القلب والعاطفة، تصبح فيه فلسطين في كرة ارضية أخرى، في قارة أرضية أخرى، في عالم آخر، وحتى في العاطفة والمشاعر، هذا (بين هلالين) تترتب عليه أيضاً مسؤولية فلسطينية. يمكن اذا بقي وقت احكي عنها في سياق الكلام.
يجب الاعتراف أنهم نجحوا في هذا الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن لم يفت الأوان بعد للتدارك، ما زال هناك وقت متاح وفرصة عمل متاحة واتخاذ خيارات ما زال متاحاً لتدارك هذا الأمر، ما الذي يفسر لنا ولكم جميعاً هذا الاهتمام الأميركي الاستثنائي والضغط الخاص من وزير الخارجية الاميركية جون كيري أنه الآن، خلال أشهر قليلة يريد تحقيق تسوية نهائية للموضوع الفلسطيني. لماذا الآن؟
هذا سؤال مطروح أم لا؟
أن يخرج بعض المسؤولين الاسرائيليين ليهاجموا جون كيري فهذه سخافات معتادون عليها ليتبين أنه وسيط نزيه وأنه يُهاجم من كل الأطراف. الآن الإدارة الأميركية تسعى مع الإدارة الصهيونية إلى تصفية القضية الفلسطينية. الآن وقتها لماذا الآن وقتها؟ ببساطة لأنه لا يوجد عالم عربي نهائياً. قبل الآن كان هناك بعض عالم عربي، هناك أحد يستطيع أن يقول عندنا مبادرة السلام العربية وعندنا شروط، عندنا ضوابط وقيود. الآن ليس هناك عالم عربي، ليس هناك عالم اسلامي، لأن كل دولة “مشغولة في حالها، ما حدا فاضي” لفلسطين أبدا، و”لا حدا فاضي” أن يضغط على أميركا لمصلحة الفلسطينيين ولا يضغط على الاسرائيليين.
بالعكس الآن الواقع في العالم العربي يضغط على الفلسطينيين أنفسهم، لأن كل واحد صار يريد أن يحل مشكلته في بلده على حساب القضية الفلسطينية ويريد أن يقدم تنازلات في القضية الفلسطينية للأميركيين لمصلحة الحفاظ على نظام الحكم أو سدة الحكم أو الوصول إلى الحكم في هذا البلد أو ذلك. للأسف الشديد، حتى الشعوب هي في عالم آخر، للأسف الشديد الفلسطينيين أنفسهم وضعهم صعب، انقساماتهم، ظروفهم، حكومة رام الله، حكومة غزة، يتعرض الفلسطينيون لشتى أنواع الضغوط الدولية والعربية والميدانية من قتل وسجن وحصار. هذا الواقع، هذه التحديات، إسرائيل تعتبرها فرصة، هذه حقيقة. إسرائيل تتحدث مع الأميركيين أن هذه فرصة لتصفية القضية الفلسطينية، يريدون استغلال هذه الفرصة وفرض الشروط على الفلسطينيين للوصول إلى التسوية التي تناسب المصالح الأميركية والإسرائيلية، “ما عم اقرا عزا لأنه يمكن التدارك”.
يجب التذكير في الإطار الوطني اللبناني أن إسرائيل عدو، للذين نسوا في لبنان، وأن إسرائيل خطر على لبنان، على كل شيء في لبنان، على أرضه وشعبه ومياهه ونفطه وأمنه وسيادته، وهذا الفهم يجب أن ننتبه له جميعاً. نعم، في الماضي، وما زال (الأمر الآن) كانت المشكلة دائماً في لبنان هي تشخيص هذا الخطر، تسخيف هذا العدو، فهم هذا المشروع .
في العقود الماضية كان الإمام السيد موسى الصدر، أعاده الله ورفيقيه، وقيادات دينية وسياسية ووطنية من كل الطوائف، منذ الخمسينيات وما بعد إلى اليوم، كان لهم صوت مرتفع في التنبيه والتحذير والدعوة إلى الاستعداد والتجهّز للمقاومة والممانعة ومواجهة الأخطار والتهديدات الاسرائيلية. هذه المهمة، بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 كان للشيخ راغب حرب، كان للسيد عباس، كان لكل إخوانهم في مختلف الحركات والفصائل أيضاً أصوات مرتفعة ودعوات صارخة لإيقاظ الناس وتحمّل المسؤولية والدعوة للمقاومة والقول للناس جميعاً ـ ولبنان كان في حرب أهلية، في فتنة، في صراع داخلي ـ أن هذا هو العدو الذي يجب أن تتوجه اليه العقول والقلوب والسواعد والبنادق.
للأسف الشديد، انا لا أتحدث في التاريخ فقط، لاننا نعيش نفس الوضع لكن بعنوان آخر. للأسف الشديد، في ذلك الوقت اعتبر كثير من الناس أن مشكلة إسرائيل في اجتياح 82 ليست مع لبنان ولا مع اللبنانيين. إسرائيل ليست لها مشكلة معنا، إسرائيل في 82 – هناك ناس كانوا يعتقدوا ذلك- إسرائيل في 82 مشكلتها هي مع الفلسطينيين، مع منظمة التحرير الفلسطينية، مع المقاومة الفلسطينية، وهي اجتاحت لبنان من أجل إخراج الفلسطينيين من لبنان، وإلا فالاسرائيليون ليس لهم أطماع في لبنان ولا يريدون أن يحتلوا ويبنوا مستعمرات، وليسوا طامعين في مياهنا، ولايريدون الدخول في قرارنا السياسي وسيادتنا ودولتنا. أبداً، الجماعة نظر إليهم البعض كمنقذ، أليس كذلك؟ وأنه لا مشكلة، نحن الاسرائيلي بالنسبة لنا كلبنانيين لا يشكل خطراً ولا يشكل تهديداً.
هذا الكلام يجب أن يُقال لان أجيال الشباب الحالية اليوم في لبنان والعالم العربي لم يعايشوا تلك الفترة.
حسناً، ماذا حصل لاحقاً؟ خرجت منظمة التحرير، خرجت فصائل المقاومة الفلسطينية من لبنان وارتكبت أبشع المجازر بحق بعض المخيمات الفلسطينية كصبرا وشاتيلا، ولكن بقيت اسرائيل في لبنان. بقي الجيش الاسرائيلي يحتل الأرض، وأراد أن يفرض هيمنة وخيارات سياسية واتفاقات سياسية على لبنان، يقتل، يعتقل، بنى معتقلات وزج بها الآلاف من الشباب اللبناني والفلسطيني من أبناء المخيمات، وكان يتحضر ـ لو استقر له الأمر ـ لبناء مستعمرات في جنوب لبنان. هذا ما قالوه فيما بعد.
حسناً، لولا انطلاق المقاومة ـ بكل فصائلها وتلويناتها ـ والصراع الدامي الذي دخله اللبنانيون المقاومون مع قوات الاحتلال، كلنا يعرف، لَمَا خرجت اسرائيل من بيروت ومن الجبل ومن صيدا وصور والنبطية وبنت جبيل وخرجت إلى الشريط الحدودي، وفي تلك المرحلة لم تكن المقاومة تشكل تهديداً استرتيجياً ولا تهديداً وجودياً على كيان العدو أبداً، لماذا كانوا بحاجة للبقاء في الشريط الحدودي؟ طمعاً بالبقاء وبالاحتلال وبتكريس أمر واقع لولا استمرار المقاومة بعد عام 1985.
إذا لولا المقاومة لبقيت إسرائيل في لبنان ولتأكد الواهمون أنها عدو وأن لديها أطماع وأحلام وأنها تريد الهيمنة والسيطرة ولا تريد بهذا البلد وبشعبه ـ ولا بأي طائفة من طوئفه ولا منطقة من مناطقه ـ خيراً على الاطلاق.
ودائماً اللبنانيون يجب أن يستحضروا التجارب، المسيحيون، الموارنة، الدروز، الشيعة، السنة، الكل كل واحد له تجربة مع الإسرائيلي في الجبل وبيروت وشرق صيدا، وصيدا، والشريط الحدودي وآخرها جيش انطوان لحد. هذه التجارب يجب أن تبقى حاضرة. الآن الاسرائيلي ما زال هو العدو وما زال هو الخطر وما زال هو المشروع وما زال هو التهديد الذي يجب الانتباه إليه.
حسناً، إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية أيضاً ـ في الدائرة اللبنانية ـ حاولت أن تستفيد من الفرص لتشنّ حرباً نفسية قاسية على المقاومة وعلى بيئة المقاومة، ولذلك سمعنا خلال الأسابيع القليلة الماضية تهديداً ووعيداً، وأننا نقصف وندمّر ونمسح ونمحي. طبعاً هناك الكثيرون في لبنان لم يستمعوا إلى هذه التهديدات لأنها خارج دائرة اهتمامهم، لكن الإسرائيلي اعتبر أن هذه فرصة له، الانقسام الحاد في لبنان، القتال والمعارك في سوريا، وهذه فرصة لأن يهجم على المقاومة في لبنان، يستفرد بالمقاومة في لبنان، ويضغط عليها نفسياً، وقد يتم استغلال بعض الفرص ببعض الأعمال العدوانية من هنا أو من هناك. هذا يلجأ إليه الاسرائلي ولكن لا شك ان الاسرائيلي لا زالت عينه على أرضنا، على مياهنا، على نفطنا، وما زال ينظر ـ كما حصل في المؤتمرات الاخيرة في الكيان التي خطب فيها رئيس حكومة العدو ورؤساء أركان ورؤساء مخابرات سابقين ـ ما زالوا ينظرون إلى حزب الله على أنه الخطر الأكبر في المنطقة، طبعاً ليس بمعزل عن سوريا وإيران، ولكن بالمباشر، ما زالوا يعتبرون المقاومة هي التي تشكل الخطر على مصالحهم وعلى أطماعهم وعلى طموحاتهم وعلى مشاريعهم.
بالتأكيد، اليوم، في ذكرى الشهداء القادة أود أن أقول للعدو والصديق أن العدو يعرف أنه لا يخيفنا وأنه لا يستطيع المس بإرادتنا ولا بوعينا ولا بعزمنا بعد كل هذه التجارب الطويلة بيننا وبينه والانجازات الكبيرة وما ألحقته المقاومة بهذا العدو من هزائم، وهو يعرف أيضاً أن المقاومة تحافظ على جهوزية عالية في كل وقت وحتى في هذا الوقت بالرغم من كل ما يجري في لبنان وسوريا، وأن العدو يعلم أن كل ما يخشاه من قوة المقاومة وإمكانياتها هو قائم وجاهز ويتطور أيضاً، وأن المقاومة ـ وإن كان يسقط لها شهداء في سوريا تعتز بهم إلا أنها ـ تزداد خبرة ومعرفة وقدرة وكفاءة على مواجهات أكبر واستحقاقات أهم من كل ما واجهته من تجارب سابقاً في مواجهة العدو.
مع لبنان، من يجب أن يقلق هو العدو الاسرائيلي وحكومة العدو الاسرائيلي. شعب الكيان العدو هو الذي يجب عليه أن يقلق، وكما كان يحسب دائماً لهذه المقاومة ولرجالها، لمقدراتها، لإمكاناتها، لبيئتها، لشعبها مليون حساب، اليوم أيضاً يجب أن يبقى في هذه الحالة وأن لا يتوهم أو يرتكب أي حسابات خاطئة من خلال قراءته للأوضاع اللبنانية والإقليمية.
اليوم مجدداً أنا أدعو اللبنانيين جميعا للتنبه إلى ما تمثّله إسرائيل من تهديد ومخاطر على كل شيء في لبنان وأن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية على كل صعيد.
نحن في السابق، أنا في احتفال النصر الالهي في 22ايلول عام ألفين وستة من جملة ما قلت في ذلك الخطاب، نحن نتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح لدينا فيه دولة قوية قادرة أن تدافع عن لبنان، أن تحمي لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي حتى نرتاح نحن ونذهب إلى بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وحقولنا.
اليوم في ذكرى الشهداء القادة، الذي تكلمنا عنه في العام ألفين وستة نعيده اليوم أيضاً، نحن ندعو ونتمنى أن ياتي اليوم الذي يصبح فيه الجيش اللبناني، هذه المؤسسة الوطنية هو القوة الوحيدة القادرة على حماية لبنان، والقوة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن لبنان، ونذهب نحن فيه إلى بيوتنا ومدارسنا وحوزاتنا وجامعاتنا وحقولنا، وهذا هو التحدي الحقيقي. نحن مع كل ما يقوي هذا الجيش عدةً وعتاداً وعديداً وامكاناتٍ وسلاحاً نوعياً وسلاحاً متطوراً قادراً على حماية لبنان في مواجهة التحديات الاسرائيلية.
على كل حال التجارب والأيام هي التي ستثبت أنه هل هناك في العالم، في مكان ما من العالم، إرادة بأن يقدم إلى الجيش اللبناني سلاح من هذا النوع أو لا، لو حصلت هذه الإرادة وحصل هذا الدعم سنكون شاكرين لكل من يعطي للبنان عنصراً من عناصر القوة. نحن همّنا وغمّنا، في ذكرى الشهداء القادة وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كان أن يُدافع عن لبنان، عن شعبه، عن كرامته، عن سيادته، عن عزته، عن مقدراته وخيراته، لا أن يُترك لمصيره. في الماضي تُرك لبنان لمصيره واليوم ما زال متروكاً لمصيره. نحن نأمل أن تتحقق إرادة وطنية جامعة لأن يكون لدينا دولة حقيقة تفكر بكل شبر من الأراضي اللبنانية، بكل لبناني، بكل منطقة لبنانية وبمصير كل لبنان وتبني جيشاً قوياً ومقدرات وطنية كبيرة لمواجهة هذه الأخطار.
أنتقل إلى المقطع الثاني، أو العنوان الثاني.
لكن بالربط بين العنوانين، هناك أمر آخر في العنوان الأول يجب أن أشير إليه ويساعد على فهم المواجهة في المرحلة الحالية.
أيضاً للتذكير، أتمنى على أجيالنا الجديدة أن تسأل أيضاً عن هذا الموضوع. منذ العام 1982 وحتى 2000 وفي 2006 كان دائما في لبنان أناس يحمّلون المقاومة مسؤولية كل ما كان يقوم به العدو من إعتداءات. أي أن الإسرائيلي يقصف الضيع (القرى)، قبل الانسحاب إلى الشريط الحدودي، عندما تحصل عمليات على الجيش الإسرائيلي – قوات الإحتلال، يأتي الإسرائيلي فيعتقل شباباً على الحواجز، يحاصر ضيعاً، يداهم ضيعاً، يهدم بيوتاً، يعتقل الناس، يقتل الناس. بعد ذلك عندما انسحب إلى الشريط الحدودي، كان يقصف الضيع – من دون تمييز – على المدن ويسقط شهداء وجرحى، دائما كان هناك أناس في لبنان يقولون إن الذي يتحمل المسؤولية هو المقاومة، لماذا تقومون بتنفيذ عمليات على الإسرائيلي؟ لماذا تهاجمون مواقع الإسرائيلي؟ لماذا تنفذون عمليات استشهادية في بيروت ضد الاسرائيلي أو في الجبل أو في صيدا أو في صور أو في الأماكن الأخرى؟ اتركوا الاسرائيلي فلا يفعل شيئاً. حتى بعض الناس، إلى 2000 لم يستخدم يوماً كلمة شهيد عن شهداء المقاومة – لا أريد أن أفتح الماضي لكن أريد أن آخذ عبرة – ولم يكن يتحدث عن مقاومة وعدو، وإنما كان يتحدث عن حلقة عنف، دائرة عنف، قتال، ويسلخ عنه صفة الوطنية وصفة المقاومة وصفة القضية الشريفة.
حسناً، يومها لو أصغينا إلى هذا المنطق، حتى وصل إلى أن أصبح له تنظير سياسي وبات هناك حديث عن سياسة سحب الذرائع، فكيف نحمي لبنان بسياسة سحب الذرائع؟ نسحب الذرائع ويبقى لبنان تحت الإحتلال، هذه كانت النتيجة. لو أصغينا إلى هذا المنطق لكانت إسرائيل ما زالت في بيروت والجبل، وكانت ستكمل على الشمال، على طرابلس وعلى بعلبك الهرمل، ولكانت تقيم مستعمرات ولكانت هي التي تعين الحكومة وهي التي تدير البلد وتفرض خياراتها السياسية وتنهب مياهنا التي نحن اللبنانيين “ما عم نعرف” كيف نستفيد منها، لكن هم كانوا سحبوها على فلسطين المحتلة، وبعد ذلك إذا تبين أنه يوجد نفط لن نتقاتل على وزارة النفط، كان كل شيء عند الإسرائيلي.
لو أصغينا إلى هذا المنطق الذي كان يعتبر أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي من اعتداءات على اللبنانيين وقراهم وبلداتهم وبيوتهم ورجالهم ونسائهم هو مجرد رد فعل طبيعي، منطقي، مبرر للعدو الإسرائيلي لأنه أنتم المقاومة تقومون بعمليات ضده. ألم يكن هذا موجوداً في لبنان، وعمل له أدبيات، وعمل له إعلام، وعمل له تنظير سياسي وثقافي وفكري؟ ولكن هذه المقاومة وأهل هذه المقاومة وكثير من اللبنانيين وجزء كبير من الشعب اللبناني، لم ينضغطوا بهذا المنطق ولم يصغوا إليه وواصلوا الطريق، واصلوا العمل، وبالتضحيات وبالشهداء وبالجراح وبالأسر وبالسجون وبالتحمل وبالتهجير ومرة واثنتين وثلاث وأربع وخمس إلى أن صنعوا هذا التحرير الذي نحتفل به في كل عام وينعم به كل اللبنانيين، من دفع الثمن ومن لم يدفع الثمن.
حسناً، هذه لنتركها بالذهن حتى نعود ونتكلم عن الخطر الثاني لأن هذا أيضاً موجود في المواجهة.
يأتي الخطر الثاني والتهديد الثاني الذي أيضاً طالما تحدثنا عنه خلال الفترة الماضية، الذي يهدد كل دول المنطقة، مثلما إسرائيل خطر تهدد كل دول وحكومات وشعوب المنطقة، اليوم هذا الخطر يهدد كل دول وشعوب المنطقة وهو خطر الإرهاب التكفيري.
في صراحة، التكفير بحد ذاته وحده لا يشكل خطراً كبيراً، الآن شخص قال لي أنت كافر، “يصطفل”، أنا لا أطلب منه شهادة أن يقول لي إذا أنا كافر أو مؤمن، يكفّر الذي يريده، هذا شأنه، يعني إذا كان الأمر في الدائرة الفكرية القانونية، “يصطفل”، في النهاية بالدنيا ما طالبين شهادة منه، لا أحد طالب شهادة من أحد، لا نحن ولا غيرنا، وفي الآخرة مفتاح الجنة ليس بيده حتى يدخل الذي يريد ويخرج الذي يريد، مفتاح الجنة معروف أين.
المشكلة ليست فقط في التكفير، المشكلة أنهم عندما يكفّرون لا يقبلون هذا الآخر الذي يختلف عقائدياً أو فكرياً أو مذهبياً أو سياسياً معهم، وإنما يذهبون مباشرة إلى الإستباحة – ليس هناك حل آخر – إستباحة الدماء والأعراض والأموال، إلى الإقصاء، إلى الإلغاء، إلى الشطب، إلى الحذف، وهذا الأمر بات معروفاً، لا يحتاج مني إلى وقت وإلى إستدلال، لا يحتاج، بات معروفاً في كل المنطقة.
طبعاً هذا الإرهاب التكفيري اليوم هو موجود في كل منطقة، يتشكل من مجموعات مسلحة موجودة في أغلب دول المنطقة، بل يمكن في كل دول المنطقة، هذه التيارات أو الجماعات تنتهج منهجاً تكفيرياً، إقصائياً، إلغائياً، تستبيح فيه كل من عداها، حتى – هنا الموضوع ليس موضوع سنة وغير سنة أو مسلمين و مسيحيين مسيحيين مفهوم، حتى في الدائرة الاسلامية، شيعة، علويين، دروز، إسماعيلية، زيدية، كل من غير السنة محسوم ، عندما نأتي إلى السنة ـ كل من عاداهم من السنة هو أيضاً في دائرة التكفير. وأسهل شيء لديهم أن يقول له “أنت كافر مرتد”.
حسناً، ألم تحكم قبل اسابيع داعش على جبهة النصرة؟ وهما فكر واحد، منهج واحد، كانوا تنظيماً واحد، أمير واحد، بيعة واحدة، نفس واحد، أخلاق واحدة، واحد تماماً في كل شيء، بالزي وبالشكل وبالمنطق وباللغة وبالأدبيات وبالعقل وبالقلب، وعندما اختلفوا بموضوع سياسي، ممكن أن يختلفوا على بئر النفط في سوريا، يمكن على إقتسام الغنائم، حكم عليهم بالكفر والارتداد – بسهولة جداً- وما يستتبع ذلك من أحكام. هذا الأمر اليوم أصبح واضحاً في كل منطقة، لو اختلفوا مع الآخر الذي هو منهم على موضوع تنظيمي أو موضوع سياسي أو موضوع مالي، يسارعون إلى الحكم بالكفر وبالإرتداد ويرتّبون الأثر على ذلك.
ما يجري منذ مدة في سوريا من قتال قاسٍ وشديد بين داعش من جهة وبين جبهة النصرة والآخرين من جهة أخرى، هذا مشهد يجب التأمل فيه كثيراً، ليس من جهة الشماتة الذي هو لا يختلف معهم، كلا، جدياً الكل يجب أن يتفرج على هذا المشهد، يأخذ عبرة، نقرأ الحاضر، نتوقع للمستقل.
أنظروا ما الذي حصل إلى الآن – خلال أسابيع قليلة – المرصد السوري المعارض يتحدث عن أكثر من ألفي قتيل خلال أسابيع قليلة بينهما، عدد العمليات الانتحارية بالعشرات خلال أسابيع ضد بعضهم البعض، سيارات مفخخة أرسلوها إلى قرى مليئة بالسكان، فقط لأن هذه “الضيعة” داعش أو هذه “الضيعة” مع النصرة، لكن هناك الكثير من الناس ليست مع داعش ولا مع النصرة ويمكن مع المعارضة في الموقف السياسي. لم يرحموا أحداً، سبي نساء، ذبح الأطفال، تدمير القرى – مع بعضهم، لا أتكلم عن معركتهم مع النظام، دعوا هذا الموضوع جانباً – عمليات إنتحارية ضد بعضهم البعض، قتل المعتقلين والأسرى بدون رحمة، مقابر جماعية، مجازر جماعية، على ماذا اختلفوا؟ أنتم منهج واحد وفكر واحد ومذهب واحد واتجاه واحد وأمير واحد، على ماذا اختلفوا؟ على شأن سياسي أو على شأن تنطيمي له علاقة أنه الأمير فلان أو فلان أو على بئر نفط، أليس على هذه الأشياء اختلفوا وقاموا بذلك. هذا النموذج وهذا المشهد تأملوه جيداً ،هذا يبين لكم العقل الذي يتحكم بقادة وأفراد هذه الجماعات وهذا ليس جديداً وليس مفاجئاً، نحن كنا نتوقع ذلك، ليس لأنه نحن “شايفين” أكثر من غيرنا، كلا، لأن من واكب التجارب السابقة له أن يتوقع هذا.
حسناً، هذه تجربة أفغانستان، الفصائل الجهادية الافغانية قاتلت أحد أقوى الجيشين في العالم، الجيش السوفياتي، وألحقت به الهزيمة في أفغانستان، بعد ذلك خرج السوفيات. مجموعة من الفصائل الجهادية، لأنه في بعض الفصائل الجهادية في أفغانستان كانت تحمل هذا الفكر التكفيري، الإلغائي، الإقصائي، الدموي، الذبح ـ ومخترعين حديث عن النبي “جئتكم بالذبح”، هذا ليس من دين الله وليس من دين رسول الله ولا يمكن أن يكون دين نبي من أنبياء الله عز وجل ـ لأنه يوجد أناس كانوا يحملون هذا الفكر دخلت الفصائل الجهادية الأفغانية في صراع دامٍ فيما بينها. ما دمرته من أحياء ومن مدن ومن قرى وما ألحقته ببعضها من أعداد قتلى وجرحى وما قتلته من قادة جهاديين كبار لم يفعله الجيش السوفياتي. والآن أين أفغانستان؟ من اليوم الذي خرج منها السوفيات إلى اليوم ، أعطوني يوماً في أفغانستان لا يوجد قتل، لا يوجد جراح، لا يوجد تهجير، لا يوجد تدمير، لا يوجد صعوبة عيش، أعطوني يوماُ واحداً فيه سلام، فيه هناءة عيش، بسبب هؤلاء.
حسناً، في الجزائر – هذه أفغانستان ممكن أن تقولوا لي (سكان) جبال و”قاسيين” – الجماعات المسلحة في الجزائر ماذا صنعت وفعلت في الشعب الجزائري وماذا فعلت ببعضها في قتل أمراء بعض والصراعات التي قامت بين هذه الجماعات ؟
يكفي هذا المقدار من الأمثلة ليتسع وقتنا لبقية المواضيع….. إذاً هذا الذي يحدث الآن أمامنا والذي يجب أن نأخذ جميعاً منه العبرة.
هنا أدخل إلى لبنان في هذا الشق. حسناً، في لبنان صار عندنا تفجيرات في أكثر من منطقة، عمليات إنتحارية استهدفت الناس، أطفال ونساء وأسواق وأناس عاديين وارتكبت جرائم على هذا الصعيد وبعض هؤلاء الذين (نفذوا العمليات)، كنا في الأول نقول كيف ومن؟
أحد ما كان يقول النظام السوري، أحد يقول المخابرات السورية، أحد يقول الموساد، أنا كنت واضحاً، نحن لم نتهم أحداً سريعاً بالتفجيرات وكنا نقول “طوّلوا بالكم” سيظهر (المنفّذون)، ليس لأنه لديهم سرية أو ليس لهم سرية، كلا، هم ذاهبون إلى حرب معلنة ولذلك ينزّل بالفيديو وبالإنترنت ويتبنى ويعلن عن الإنتحاريين ويعمل رسائل ويعلن أهداف، إذاً لم يعد هذا الأمر في دائرة النقاش والجدل، إن من يقف خلف العمليات الإنتحارية والتفجيرات، هي جهات تكفيرية قتالية، ليست جهادية، إذا يوجد أحد بعد في لبنان أو في العالم يريد أن يناقشنا، الإسرائيلي أكيد داخل في هذه الجماعات، الأمر كان أكيداً، يستخدمون هذه الجماعات وهم استخدموها في العراق طويلاً وفي غير العراق، ولكن لا يوجد نقاش أن فلان وفلان بالأسماء، معروفين، هذا لبناني وهذا فلسطيني وهذا سوري وهذا سعودي وهذا مغربي وهذا عراقي، هم الذين يديرون هذه الشبكات وهم الذين يديرون هذه الأعمال الإنتحارية والتفجيرية في لبنان. هذا عن ماذا يعبر؟ يعبر عن هذا المنهج، عن هذا العقل.
جرى نقاش في لبنان على ضوء هذه الأعمال التفجيرية والانتحارية بين اللبنانيين. كالعادة ننقسم. هناك ناس خرجوا ليقولوا ما كانت هذه الأعمال لتكون، هذه التفجيرات وهذه العمليات الانتحارية، لولا تدخل حزب الله العسكري في سورية. ومن يومها يسيرون بهذا المنطق التبريري للعمليات، من يومها ومازالوا يسيرون، واليوم نفس المنطق، وهذا المنطق سيبقى حتى لو أصبحنا في حكومة واحدة، هذا منطق سيبقى وهذا جزء من الخصومة والصراع السياسي الموجود في البلد.
نأتي لهذا المنطق قليلاً: قبل أن نذهب نحن إلى سورية ألم تحدث في لبنان حرب فرضها هؤلاء في الشمال وفي بعض المخيمات وفي بعض المناطق واستهدفوا بسيارات مفخخة مناطق مسيحية وجيش؟ (هذا) موجود. لا نود فتح لائحة، يستطيع الإعلام وضع لائحة، هذا قبل الأحداث بسورية أساساً.
حسناً، دعوا هذا جانباً. أمام هذا المنطق هناك فرضيتان لا ثالث لهما: إما أن يكون لا علاقة لهذه التفجيرات بتدخلنا بسورية، أو له علاقة بتدخلنا في سورية. هل هناك فرضية ثالثة؟ واحدة من اثنتين: إما لها علاقة، إما تدخلنا في سورية هو السبب، وإما لا، تدخلنا ليس هو السبب، وعلى كل حال كانوا يودون فتح جبهة لبنان.
هناك هاتان الفرضيتان. حسناً إذا ذهبنا إلى الفرضية التي نعتقد بها نحن، أن هذه الجماعات التكفيرية لبنان هو أحد أهدافها، وهذا معلن في أدبياتهم وفي خطباتهم، ولكن جاءوا وقالوا لبنان الآن هي ساحة نصرة وليست ساحة جهاد، الأولوية أن ننتهي من سورية وثم نأتي إلى لبنان. هذا قيل أم لا؟ هذا موجود على الإنترنت وفي التلفزيونات ووسائل الإعلام والخ.
حسناً، هم ذهبوا ضمن أولوية ما للسيطرة على المناطق الحدودية مع لبنان، سواء مع الحدود الشمالية أو مع الحدود البقاعية إن صح التعبير، فالمسألة إذاً هي مسألة وقت فقط. معناه أنه من حيث المبدأ بالنسبة لهم هم “جايين جايين”، ونحن نعتقد أنه إذا لم يأتوا اليوم سيأتون غداً، هم أعلنوا ذلك وقالوا ذلك. هذا إذا اعتبرنا أن الموضوع ليس له علاقة كمبدأ.
من حيث المبدأ لبنان هدف للجماعات التكفيرية، لبنان جزء من المشروع، مشروع الجماعات التكفيرية وإذا كان الأمريكي والإسرائيلي اخترقهم قطعاً سيجعل لبنان هدفاً قطعاً، سيجعل لبنان هدفاً لأنه يود تمزيق كل المنطقة، وهناك خصوصية في لبنان كسورية، أنه في لبنان هناك مقاومة ما زالت تشكل أكبر تهديد للمشروع الإسرائيلي في المنطقة.
معنى ذلك برأينا “جايين جايين”، والذي دعاهم إلى الدخول إلى الساحة اللبنانية هو عقليتهم ومشروعهم ومنهجهم، وفتحت الجبهة. لنفترض أن هذا منطق.
هناك منطق ثانٍ، لو سلّمنا بمنطقكم. اليوم لا أود الدفاع عن المنطق الأول. أود التسليم، سأسلّم جدلا بالمنطق الثاني، لو سلمنا بمنطقكم، أنه يا شباب يا جماعة ويا ناس انتم تدفعون ثمن أن حزب الله أرسل مقاتلين ليقاتلوا في سورية، فهذا السبب، جاء الجماعة ونفذوا تفجيرات وعمليات انتحارية ولجأوا الى هذا الخيار.
لنأخذ مثلاً هذه الفرضية. سيكون كلامنا بوضوح وبصراحة. هذا يترتب عليه سؤال آخر. لو سلّمنا بهذه الفرضية، أنه هل الأمر يستحق هذه التضحية؟ تحمل هذه التبعات؟ هل يستحق الأمر أن نذهب ونقاتل في القصير وأن نذهب ونقاتل في دمشق، لأن هاتين المنطقتين الأساسيتيين اللتين ساهمنا فيهما بشكل أساسي، القصير يعني المنطقة الحدودية، ودمشق يعني المنطقة الحدودية، لأنه لا سمح الله لو سقطت دمشق كل المناطق الحدودية مع لبنان كانت تحت سيطرة هذه الجماعات المسلحة.
هل الأمر يستحق أن نقوم بعمل يؤدي إلى ردات فعل من هذا النوع أو لا يستحق؟ طبعاً هنا أعود وأذكّر بما قلته قبل قليل في الموضوع الإسرائيلي: عندما كانوا يقولون لنا أنتم هاجمتم الإسرائيلي وقاتلتم الإسرائيلي وحواجزه وتواجده وثكناته ومعسكراته (نفّذ هجماته)، طبيعي كان هذا تبريراً للإسرائيلي. اليوم هناك تبرير لهذه الجماعات المسلحة بالاعتداء على لبنان.
مثلما تحدثت قبل قليل، نحن شرحنا طويلاً حيثيات وخلفيات لماذا ذهبنا إلى سورية ولماذا قاتلنا في سورية لما ما زلنا نقاتل في سورية ولماذا سنبقى حيث يجب أن نكون سنكون. يعني ليس هناك أي تعديل على الإطلاق، بل المعطيات تزيد الناس قناعة بصوابية وصحة هذا الخيار. أنا لن أتحدث من البداية، سنتحدث من الآخر (عن) المعطيات الجديدة الآن في الوضع الإقليمي والدولي، اليوم نجد أن أغلبية الدول في العالم التي موّلت وسهّلت ومنحت تأشيرات دخول وفتحت الحدود وشجّعت ودعمت وأوصلت المقاتلين الأجانب ـ أي غير السوريين ـ إلى سورية، أغلب هذه الدول الآن بدأت تتحدث عن خوفها وقلقها ورعبها من المخاطر الأمنية التي يشكلها انتصار هؤلاء في سورية وبالتالي عودتهم إلى تلك الدول وإلى تلك البلدان، وخصوصا دول الجوار.
بالتالي عودتهم إلى تلك الدول وإلى تلك البلدان وخصوصاً دول الجوار وما ستتعرض له تلك الدول وتلك المجتمعات من مخاطر، هل هذا صحيح أم غير صحيح؟ هل أنا من يخترع هذا المعطى أو أنه موجود الآن؟ الآن يوجد اجتماعات لأجهزة المخابرات الغربية وغير الغربية وبعض الدول الاقليمية ليعرفوا ما الذي سيفعلونه.
إذا هؤلاء ـ لا سمح الله ـ انتصروا، سيصبح لديهم قاعدة كبيرة. سوريا ستصبح أسوأ من افغانستان وسيعودون إلينا، ماذا نفعل؟ أو اذا هٌزموا ـ لحقت بهم الهزيمة ـ وبدأوا ينسحبون ويخرجون من سوريا وعادوا إلينا، ماذا سنفعل؟ هذه المصيبة التي صنعوها بأيديهم، هذه الأفعى التي ربوها هم، الآن هل هذا النقاش موجود بالعالم أم غير موجود؟ هذا معطى.
ثانياً: سنّ عدد من الدول منذ مدة قوانين تحظر على أبنائها ومواطنيها السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال، مثلاً تونس تمنع السفر، وتتخذ إجراءات، التونسيون تكلموا عن هذا الموضوع، لماذا اضطرت الحكومة التونسية أن تتخذ هذا الموقف مع أنها في البدايات أيّدت كل ما يجري في سوريا، ودعمت ما يجري في سوريا؟ لأن الذين عادوا إلى تونس أذاقوا المجتمع التونسي والشعب التونسي والمستقبل السياسي التونسي، أذاقوه بعضاً مما تذوقه الآن شعوب المنطقة، من عمليات إرهابية، من قتل، من اغتيال، من تمرد، ومن ومن.. التونسي استيقظ وقال إذا هؤلاء الجماعة استمروا بهذه الطريقة أين تصبح تونس، كانوا يملكون العقل والشجاعة ليتخذوا إجراءات مبكرة من هذا النوع.
ثالثاً: ربما يأتي بعض اللبنانيين ليقول لك تونس بعيدة، السعودية تهمهم أكثر. في الأسابيع الأخيرة ما هي الإجراءات التي أخذتها السعودية؟
1- بدأت حملة إعلامية وثقافية وتبليغية ضد المشايخ في السعودية الذين يحرّضون الشباب السعودي على الذهاب الى سوريا، هل هذه مبادرة شخصية من فلان الصحفي أو فلان الأستاذ أو فلان الشيخ؟ كلا، هذه سياسة رسمية، الآن يوجد هجوم كبير وبالأسماء على فلان وفلان ـ وسمّوهم دعاة أو ما شاكل ـ الذين كانوا يحرّضون الشباب السعودي للذهاب إلى سوريا، صار لهم ثلاث سنوات وهم يحرضون الشباب السعودي ليذهب إلى سوريا، لماذا الآن هذا الإجراء؟
2- تم اتخاذ إجراء قانوني بأنه من يذهب ويقاتل خارج البلد، ومن جملتها الساحة المفتوحة أمام الشباب السعودي هي سوريا، إذا كان مدنياً يُحبس من 3 إلى 20 سنة، واذا كان عسكرياً من 5 إلى 30 سنة، لماذا الآن هذا الامر؟ هل لأن السعودية غيّرت موقفها واستراتيجيتها من سوريا؟ كلا، هي ما زالت تقدم المال والسلاح، وتدعم بالسياسة، وبالإعلام، وبمجلس الأمن الآن “رافعين دعوى جديدة”، وتحارب على كل الجبهات في سوريا، ولكن لديها “تدبير” اسمه: ممنوع على الشباب السعودي القتال في سوريا. وأيضاً من ضمن الاجراءات أن السفارات السعودية في دول الجوار، في تركيا، في الأردن، في لبنان.. وجهت دعوات للشباب السعودي في سوريا: تفضلوا، نحن جاهزون لاستقبالكم، وأن نسوّي لكم أوضاعكم، ونعيدكم إلى البلد.
لماذا؟ تستطيعون أن تسألوا لماذا؟ تستطيعون أن تجيبوا لماذا؟ مع العلم أنه خلال ثلاث سنوات كان الاعلام السعودي، الاعلام الرسمي وغير الرسمي، المشايخ، الفتاوى، الانترنت، وأيضاً المخابرات السعودية، كانت تموّل، وتجنّد، وترسل الشباب السعودي إلى سوريا للقتال، “ما عدا مما بدا؟” ببساطة أدركت الحكومة السعودية أن هؤلاء عندما يعودون ستكون مصيبة في السعودية، كما حصل بعد أفغانستان، هل ننسى ما الذي حصل في السعودية بعد أفغانستان عندما عاد الشباب السعودي المجاهد من أفغانستان ومن باكستان؟ وماذا جرى في السعودية من أعمال قتل، من تفجيرات، من عمليات انتحارية، ومن مواجهات قاسية بين جماعات القاعدة والجيش السعودي والأجهزة الأمنية السعودية، هل ننسى كل هذا؟ أدركت الحكومة السعودية أن الاستمرار في هذه السياسة يعني أن المزيد من الشباب السعودي الذي يقاتل في سوريا يحمل هذا الفكر ويكتسب الخبرة والكفاءة، ويعود إلى السعودية ليخوض معركة وقتالاً ويسبب مصيبةً في السعودية، فمن أجل حماية السلطة في السعودية، هم لجأوا إلى هذا الخيار، ممنوع على الشباب السعودي (أن يقاتل في الخارج)، وهذا ليس من أجل وقف الفتنة والحرب والصراع والدمار وحقناً للدماء في سوريا، كلا، حرصاً على الوضع في السعودية. جيد، هذا جيد، كلما قلل الناس (صبّ) وقود وزيت وبنزين على النار يكون هذا جيداً.
لكن هذا معطى، هنا آتي إلى اللبنانين وأسألهم لماذا يحق لأميركا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وكندا وكل دول العالم، لماذا يحق للسعودية، لماذا يحق لتونس، لماذا يحق لكل هذه الدول البعيدة عن سوريا أن تقلق من وجود شبابها في هذه الجماعات المسلحة على الأراضي السورية، ولا يحق لنا نحن اللبنانيين ـ الذين نحن جيران سوريا وعلى الحدود مع سوريا ومستقبلنا ومصيرنا وأمننا وسلامنا وأكلنا وشربنا وحياتنا مرتبط بما يجري في سوريا ـ لماذا لا يحق لنا أن نقلق؟ لماذا لا يحق لنا أن نأخذ إجراءات؟ لماذا لا يحق لنا أن نأخذ اجراءات واحتراز و(نقوم بـ) حرب استباقية وسمّوها كما تريدون، ماذا فعلت الحكومة اللبنانية التي كنا نحن جزءاً منها؟ ماذا فعلت الدولة اللبنانية إزاء هذا التهديد، سوى النأي بالنفس، يعني دس الرأس بالتراب.
الآن كثير من الناس يخرجون ليقولوا لك: “كلا أنت ما هي علاقتك؟ الدولة، الدولة هي التي يجب أن تأخذ قراراً”. بقينا عدة سنوات، يوجد 30 ألف لبناني في القصير، مسيحيين ومسلمين، اعتدي عليهم، احتلت بعض قراهم، خُطف ناس منهم، قُتل ناس منهم، اغتصبت نساء لبنانيات! مش عيب؟ أتريدون أن آتي إليكم بالأسماء؟ مش عيب؟ ماذا فعلتم في لبنان؟ الدولة اللبنانية ماذا فعلت؟ الحكومة اللبنانية ماذا فعلت؟ لا شيء، النأي بالنفس.
ألا يحق لنا أن نتدخل لندفع خطر القتل والتهجير والاغتصاب والنهب عن 30 ألف لبناني موجودين في منطقة القصير؟ ألا يحق لنا؟ ألا يستحق هذا الأمر؟ تحمل ردات الفعل بحسب منطقكم؟ اليوم إذا جاء هؤلاء التكفيريون الذين هزمناهم في منطقة القصير وولوا الأدبار بعد ما كانوا طبعا قد صنعوا معركة إعلامية وسياسية وعسكرية، وأقاموا الدنيا في الدنيا ولم يقعدوها، وأخذوها إلى أبعاد هي ليست صحيحة، لم يتركوا شيئاً من التجييش والتحريض والاستنفار والاتهام.. في معركة القصير إلا واستخدموها.
من أجل الدفع عن أهل القصير ـ 30 ألف لبناني أهل المنطقة ـ أنه لو افترضنا جاء هؤلاء الذين يريدون أن يرسلوا إلينا السيارات المفخخة وأرسلوا انتحاريين، هذا جزء من معركة. هل نسيتم أنتم أيها الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية وبقية اللبنانيين عندما خرج أناس في البقاع ليهددوا، وموجود تسجيل في التلفزيونات يعني، أنه نحن في نصف ساعة نستطيع أن نسيطر على المنطقة من بعلبك الى الهرمل، على ماذا كانوا يستندون؟ كانوا مستندين على أن الجماعات المسلحة ستسيطر على كل المنطقة الحدودية وتشكل سنداً لهم ودعماً لهم، وتدخل إلى لبنان، ويحتلوا بعلبك ـ الهرمل خلال نصف ساعة، هذا لم تسمعوه! هذا لم تشاهدوه! ماذا فعلتم له؟ بالعكس استقبلتوهم وذهبتم إليهم، وأرسلتم لهم وفوداً، وحييتموهم، وما زلتم تحيّونهم، هل حدث هذا أم لم يحدث؟
من أجل أن ندفع الخطر عن أهل بعلبك ـ الهرمل، أن نتحمل بعض التبعات، يستحق او لا يستحق؟
اليوم أريد أن أسأل في هذه النقطة أيضاً قبل أن ننقل إلى الملف الأخير، أريد أن أسأل في هذه النقطة، لو سيطرت الجماعات المسلحة لا سمح الله على كل سوريا، ما هو مشهد سوريا اليوم؟ كان مشهده الذي يحدث في الرقة، وبدير الزور، وبأدلب، وبشمال أدلب، وبشمال حلب. هذا كان المشهد، كان سيتعمم على كل سوريا، مثل افغانستان بعد خروج الجيش السوفياتي، مثل الجزائر.
الذي لديه كلام آخر فليتفضل، من الذي كان سيمسك بسوريا؟ رئيس الائتلاف المعارض؟ أو المجلس الوطني بإسطنبول؟ من؟
هذا كان المستقبل في سوريا، هذا الآن من أهم المعطيات، يعني هذا الانقلاب بالرأي العام حتى السوري، هذه المظاهرات التي ترونها، هذه ليست المخابرات السورية هي التي تدفعها، كلا، كثير من هؤلاء الناس أدركوا أنهم لديهم ملاحظات على النظام، لديهم موقف من النظام، قيّموا كيفما شئتم، لكن كانوا يعتبرون أن هناك بديلاً سيأتي لهم باعتقادهم بالديموقراطية، والحرية، وحرية التعبير.. الآن إذا تكلم أحدهم “كلام عابر” يُحاكم في الشارع ويُقتل أمام أمه ويتهم بالكفر، هذا هو البديل الذي قُدّم للشعب السوري، لذلك لماذا هم خائفون من الانتخابات المقبلة؟ تفضلوا وأقيموا انتخابات في سوريا.
أمس أحد المحللين السياسيين قال كلاماً جميلاً عندما خرج الأميركان ليردوا على بوتين لتأييده لترشيح المشير السيسي في مصر، أي في مصر رئيس مصر يختاره شعب مصر، إذاً رئيس سوريا يختاره شعب سوريا، لماذا هم خائفون من الانتخابات في سوريا؟ لماذا؟ لأنهم يعرفون أين اصبح المزاج الشعبي، وأين أصبح الرأي العام الشعبي.
اليوم أنا أريد أن اسأل اللبنانيين لو سيطرت هذه الجماعات المسلحة ـ لا سمح الله ـ على سوريا أو على كامل المناطق الحدودية مع لبنان، أي لم تسيطر على دمشق أو على بقية المناطق بل على المناطق الحدودية كلها، كل حدودنا باتت مفتوحة على أماكن تواجدهم ومعسكراتهم وثكناتهم، وبالتالي جاء الوقت الذي رأو فيه أنه الآن أصبح الوقت الذي يجب أن يصبح لبنان فيه ساحة جهاد وليس ساحة نصرة، ونحن في هذا الوقت لم نكن قد فعلنا شيئاً، وبدأوا العمل في لبنان، يومها ما أنتم فاعلون؟ هل تقاتلون على كل الحدود؟ تقاتلون على كل الجبهات؟ إذا جاءت سيارتان ثلاث أو عشر سيارات ـ الحمدلله كُشف نصفهم ـ حتى الآن، وقتها كيف ستواجهوهم؟ كل المعابر باتت مفتوحة، كل الحدود مفتوحة، “لحّقوا على سيارات” على كل المناطق، أين مستقبل لبنان؟ لماذا تختبئون وراء أصابعكم؟ لماذا نخادع الناس؟
أريد أن أسأل المسيحيين قبل المسلمين، أنتم ترون ما الذي يحصل في سوريا ـ أنا لا أُحرض طائفياً، سيخرج أحدهم ويقول: “السيد عم يحرض”، أبداً ـ أين كنائسكم؟ أين مطارنتكم؟ أين راهباتكم؟ أين صلبانكم؟ أين تماثيل السيدة العذراء عليها السلام؟ أين مقدساتكم؟ أين هي؟ ماذا فعل العالم لها؟ سابقاً ماذا فعل لها في العراق؟ أليست هذه الجماعات هي التي تفعل هكذا؟ وفي كل المناطق، الآن يأتون ليقولوا لك هذه داعش أو غير داعش، كلهم مثل بعضهم، ثبت حتى الآن أنهم كلهم مثل بعضهم. اختلفت الأسماء، أما العقلية والجوهر والفكر الموجود على الأرض تقريباً واحد، إذا تسنى لهم السيطرة على كل هذه المناطق الحدودية، وهم يريدون أن يكون لبنان جزءاً من الدولة الإسلامية في العراق والشام، ماذا ستفعلون؟ ماذا فعلتم؟ ما الذي فعلتموه حتى الان؟ هذا سؤال، يعجبكم أم لم يعجبكم هذا سؤال موجود ومطروح.
المسلمون في نفس الوضع، الآن ما هو وضع الدروز في منطقة السويداء ـ أنا وعدتكم في البداية أنني سأتكلم بصراحة ـ اسألوا أيضاً الدروز الذين هم مع المعارضة، هل هم قادرون ليحموا الدروز في منطقة السويداء؟ ليس ليحموهم من السنّة، كلا، ليحموهم من هذه الجماعات التكفيرية، التي تهدّد السنة، والدروز، والمسيحيين، والكل. هذا في منطقة السويداء.
يعني ما هو الفرق بين دروز سوريا ودروز لبنان؟ هل يشفع لكم موقفكم السياسي بأنكم مع المعارضة السورية عند هؤلاء؟ ألا تعرفون فكرهم، وفقههم، وعقلياتهم، وأدبياتهم؟ العلويون مفهوم، الشيعة مفهوم، حتى إخواننا السنة، يعني اذا انتصرت هذه الجماعات المسلحة، هل يوجد مستقبل لتيار المستقبل في لبنان؟ هل يوجد مستقبل لبيوت وزعامات سياسية ووطنية في لبنان؟ هل يوجد مستقبل للجماعة الإسلامية في لبنان؟ هل يوجد مستقبل للاتجاه الاسلامي غير التكفيري في لبنان؟ بالنسبة لهم كلنا مثل بعض أحبائي! والدليل سوريا، والدليل أفغانستان، والدليل العراق، والدليل باكستان، والدليل الصومال.. ماذا تريدون أدلة أكثر؟
نقضي ساعة ونحن نتكلم عن الأدلة.
هذا الخطر هو أولاً خطر يتهدد اللبنانيين جميعاً في حال اقتنعوا أم لم يقتنعوا، قبلوا أو لم يقبلوا، الخطر الاسرائيلي.
يعني عندما يوجد سم وبعض الناس يقول لك إن هذا سم، وبعضهم يقول لك إن هذا كوكتيل! حسنا “اصطفل”، أنت مقتنع أن هذا كوكتيل ولكن هذا سم، وفي النهاية إذا شربته سوف تموت، وأنا ادفع عنك السم الذي تظنه كوكتيل.
مع اسرائيل هكذا القضية كانت وما زالت، ومع هذا الارهاب التكفيري القضية هكذا كانت وما زالت أيضاً، ولذلك في مواجهة هذا الخطر، هذه المعركة المفتوحة منذ سنوات في أكثر من بلد عربي واسلامي وذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين والعراقيين والأفغان والبكستانيين والصوماليين (مئات الآلاف وليس عشرات الآلاف) ومن السوريين وغيرهم.
حسناً، الآن ما العمل، هذا البلاء موجود في كل المنطقة ووصل إلى منطقتنا. نحن معنيون بالمواجهة، في سياق المواجهة اسمحوا لي أن أقول ، أولاً وثانياً وثالثاً أيضاً بالسرعة اللازمة.
أولاً: من الواجب في هذه الليلة وفي ذكرى الشهادة والتضحية والتحدي والإباء الذي مثله السيد عباس والحاج عماد الشيخ راغب، يجب الإشادة بصبر الناس وتحملهم ووعيهم وإرادتهم، خصوصاً عوائل الشهداء والجرحى ومن لحقت بهم أضرار نفسية أو مادية من خلال التفجيرات.
ثانياً: يجب التنويه بانضباطية هؤلاء الناس وقدرتهم العالية على ضبط الأعصاب، وعدم الانسياق في ردات فعل. واقعاً، هذا شيء عظيم جداً وكبير جداً وحضاري جداً. حتى الآن هذا الذي حصل وهو عظيم جداً، إذا تأملناه بقيمته الإنسانية والأخلاقية والوطنية والدينية، هو يعبّر عن عمق ومدى هذا الالتزام بهذه القيم، وهو يحتاج إلى تقدير عالٍ.
ثالثاً: هذه المواجهة يجب أن نعرف أنها تستحق الصبر والتحمل والتضحية وتحمل التبعات. إذا كان هذا ردة فعل لأن الشهداء الذين سقطوا في هذه التفجيرات من النساء والأطفال والكبار والصغار هم تماماً مثل شبابنا الذين استشهدوا أو الذين يستشهدون في سوريا، هؤلاء شهداء مع هؤلاء في نفس المعركة، مثل ما كان يسقط في الضيع شهداء جراء القصف الاسرائيلي، هؤلاء الشهداء من الناس هم مثلهم مثل شهداء المقاومة، هذه الدماء وهذه الشهادة وهذه التضحيات وهذا الصبر هو الذي صنع انتصار المقاومة، وأيضاً هنا هذه الشهادات وهذه الدماء وهذه الجراح وهذا الصبر وهذه اللهفة وهذا التحمل وأحياناً هذا التهجير من بعض البيوت هو جزء من هذه المعركة، هل يستأهل ؟ نعم يستأهل. لماذا؟ لأننا مثل ما كنا نتكلم في المقاومة، حتى لا تذهب كل أرضنا، حتى لا تهدم كل بيوتنا، حتى لا تُسبى كل نسائنا، حتى لا يذبح كل أطفالنا، حتى لا تسرق كل أرزاقنا، حتى لا يذّل كل شعبنا. نعم من الطبيعي سقوط بعض الشهداء من المقاومة والناس، وأن يذهب بعض الضحايا وأن نتضرر اقتصادياً وأن نجوع وأن نتهجر أو نشعر بالخوف أو القلق أو الاضطراب أو… هنا أنا أتكلم عن الناس العاديين، هذا جزء من المعركة أيها الناس الشرفاء، وإلا هؤلاء ماذا يريدون منكم؟ هؤلاء يقولون لكم كذبا، انسحبوا من سوريا وليس لدينا معكم علاقة في لبنان، هذا كذب، لانهم إذا سيطروا على الحدود، فعندها احصوا سيارات مفخخة في لبنان في كل المناطق، لأن هؤلاء عقلهم هكذا، لا يستطيعون أن يكونوا إلا هكذا. بالعكس هذا يعتبرونه واجبهم الديني والشرعي بأن يذبحوا الناس من كل الطوائف، فهذا ليس له ضمانة، ومع ذلك هم قالوا ـ وهذا برسم قوى 14 آذار وشركائنا في الحكومة غداً ووزير العدل ووزير الداخلية والخ ـ ماذا قال هؤلاء الانتحاريين، إنهم لن يوقفوا العمليات الانتحارية إلا في حالتين، الأول هو بعد انسحاب حزب الله من سوريا والثاني إطلاق سراح من أسموهم أسراهم في السجون اللبنانية وسجن رومية، يعني الذين قاتلوا في مخيم نهر البارد وقتلوا ضباط وجنود الجيش اللبناني الذين هم من كل الطوائف، لأن هذا جيش وطني، إذا لم تطلقوا سراحهم سوف نكمل بالعمليات الانتحارية، إذاً السبب ليس فقط ذهابنا الى سورية، فثالثاً الانتباه أنه ـ نعم ـ هذا يستحق التضحية كما كانت مقاومة الاحتلال الاسرائيلي تستحق التضحية.
رابعاً: أن يكون لدى الناس جميعاً قناعة بأننا في هذه المعركة سننتصر إن شاء الله كما انتصرنا في المقاومة، المسألة إذاً هي مسألة وقت، ولكن في هذه المعركة وما تحتاجه هذه المعركة من عقول وإرادات وعزائم وتخطيط وإمكانات واستعداد.. على المستوى الرسمي وعلى مستوى المقاومة وعلى المستوى الشعبي هو موجود وقائم. ولكن المسألة بطبيعة الحال تحتاج إلى وقت، هذه معركة مصيرية وتاريخية وتحتاج إلى وقت، ولكن أفقها هو أفق انتصار وليس أفق هزيمة.
خامساً: وجوب العمل على منع تحقيق أي من الاهداف، أهداف العدوان التكفيري، ومن جملة هذه الأهداف، صدقوني هذه واحدة من أهدافهم، من أهدافهم هو القتال الطائفي وهذا الأمر فعلوه في العراق، كل خطابهم كان الشيعة والروافض وبالتالي تحريض السنّة على الشيعة، وتحريض الشيعة على السنة، من أجل أن يكون هناك قتال سني شيعي. الآن خطابهم في سورية كله طائفي، وفي لبنان أيضاً خطابهم كله طائفي. إذاً هم يريدون فتنة، ويريدون أن نندفع نحن الشيعة ـ عندما تفجر نساؤنا وأطفالنا… ـ بردّ فعل على إخواننا السنة. هذا ما يريدونه وهذا ما لم يحصل ولن يحصل إن شاء الله بوعيكم وأخلاقكم وأدبكم والتزامكم بنبيكم وأهل بيت نبيكم (صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين).
هذا يجب الانتباه له، أي رد فعل يخدم الفتنة الطائفية هو يخدم الانتحاريين ويحقق أهداف هؤلاء التكفيريين وهذه الجماعات المسلحة. إن الحفاظ على دماء هؤلاء الشهداء الذين سقطوا في الهرمل والضاحية وغيرها، وعلى أمانة وكرامة هذه الدماء الزكية هو الصبر والتحمل وعدم الاندفاع إلى أي فتنة مع أي طائفة في لبنان.
وأيضاً من جملة الأهداف هو إيجاد صراع بين المخيمات ومحيطها، وهذا هدف إسرائيلي تخدمه الجماعات التكفيرية. عندما يحاولون أن يعملوا، لماذا الاصرار أن بعض مسؤولي الشبكات يجب أن يكونوا فلسطينيين؟ لماذا الكلام دائماً أن هذه السيارة خرجت من المخيّم؟ من أجل إيجاد جو توتر عاطفي ونفسي شديد بين محيط المخيمات والمخيمات والذهاب إلى صراع بين المخيمات ومحيطها، وتكرار تجارب سابقة، وهذا أمر يجب التنبه إليه. طبعا هنا مسؤوليات على الجميع، يجب أن يتحملها الجميع.
سادساً: المواجهة هي مسؤولية الكل، لأن الكل مستهدف، بدأوا عندنا، بدأوا فينا، ولكن الكل مستهدف والشواهد تؤكد على ذلك، وبالتالي يجب أن تكون المواجهة وطنية. المواجهة الوطنية يكون جزء منها ثقافي تعبوي يوجد فيه توعية وهذا مسؤولية رجال الدين والعلماء ـ واسمحوا لي أن أقول خصوصاً العلماء ورجال الدين من إخواننا أهل السنة ـ والمساجد والمنابر. الكل يتحمل مسؤوليته في هذا الأمر. وسائل الاعلام يجب أن تكون منتبهة وحذرة.
والجزء الآخر سياسي، عبر الكف عن تبرير هذه التفجيرات، والذهاب جدياً إلى مشروع الدولة وعدم استخدام هذه المعركة في الصراعات الداخلية السياسية. جزء منها أمني، يعني اتخاذ إجراءات الحماية المطلوبة وهذا يحصل بنسبة كبيرة والأهم معرفة الجناة ومجموعاتهم وشبكاتهم وتوقيفها وتفكيكها قبل أن تصل النوبة إلى وصول السيارات وإلى تفجيرها. وعلى هذا الصعيد أيضاً حصلت إنجازات مهمة خصوصاً في الأيام الماضية، واليوم أيضاً حصل هذا الأمر، المسؤولية قطعاً هي مسؤولية الدولة والأجهزة الأمنية في الدولة.
نحن في أدبياتنا ـ ويكنكم أن تعودوا إلى الفترة من 1982 إلى اليوم ـ نحن لم نقل في أي يوم أن الأمن مسؤوليتنا أبداً، كنا نقول نحن شركاء في المقاومة وعندما يصبح باستطاعة الدولة أن تقاوم نحن نبتعد.
بالنسبة للأمن، نحن دائماً كنّا نقول بأنه مسؤولية الدولة والجيش والأجهزة الأمنية، وهي التي يجب أن تتحمل المسؤولية، ونحن من طرفنا يأتينا معلومات فنعطي أجهزة الدولة، وعندما نقدر على المساعدة نساعد.
كل اللبنانيين مطلوب في هذا الامر أن يساعدوا ويتعاونوا ويكشفوا ويقدموا معلومات ويسهلوا ويدعموا أيضاً الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية في كل إجراءاتها، وأن لا يدافع أحد وأن لا يبرر أحد، وأن “تطوّلوا بالكم” وأن لا تتسرّعوا في الحكم على الناس.
نحن لسنا مع الإدانة وليس مع التبرئة، من يعتقل فلتنتظروا التحقيق معه، يوجد قضاء، ويكون في النتيجة انه من ليس له دخل يعود إلى بيته والذي لديه علاقة يبقى في السجن. الضغط على القضاء وعلى الجيش اللبناني، وعلى الأجهزة الأمنية مع كل اعتقال هو أمر خاطىء وله تداعيات غير مناسبة.
في هذا السياق أيضاً يجب الإشادة بالجيش اللبناني، بمخابرات الجيش اللبناني وبجهودهم وبإنجازاتهم، وخصوصاً الإنجازات الاخيرة، ونضرب لهم التحية والسلام ونحن أصدرنا بياناً يعبّر عن موقفنا السياسي والعاطفي أيضاً تجاه هذه الانجازات ونتمنى أن تتعاون كل القوى الأمنية والأجهزة الأمنية لحماية البلد.
في هذه المواجهة نحتاج إلى هذا التعاون من الجميع وهذا التكاتف من الجميع وإن شاء الله بالوعي وبالصبر والتحمل نستطيع ان نتجاوز هذه المعركة بنصر ومرفوعي الرأس كلبنانيين جميعاً إن شاء الله، ونحافظ على بلدنا وعلى علاقاتنا اللبنانية وعلى المخيمات الفلسطينية وعلى مستقبل البلد والخ…
المقطع الأخير ما يتصل بالحكومة. والذي يعيش هذا الجو كله الذي تحدثت عنه قبل قليل، هذه الاهتمامات وهذه الأولويات وهذه المخاطر وهذه التهديدات وهذه التحديات يستطيع مباشرة أن يفهم خلفيتنا وسلوكنا في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، لكن مع ذلك أريد أن أتوقف عند بعض النقاط وأيضاً سريعاً، وهذا المقطع الأخير بكلامي:
أولاً: كل إنسان يستطيع أن يقيّم نتيجة الحكومة كما يحب. لا يوجد مشكلة وكل واحد يستطيع أن يعبّر عن رأيه، إيجاباً أو سلباً، وأنا أؤكد لكم، أنا شخصياً، ونحن في حزب الله لا ننزعج من هذا، وبالعكس نحن نحترم كل الآراء ونحترم أيضاً كل المشاعر، وكل واحد يمكن أن يكون له تقييمه ورأيه.
ثانياً: من الطبيعي أن يختلف الناس في التقييم، لماذا؟ لأنه بحسب الزاوية التي تنظر منها أنت، يعني مرة هذه الحكومة تنظر إليها من فوق فتراها شيئاً، دعكم من الحكومة، فلنعطِ مثالا في شخص، حتى لو كان… لا أريد أن أقول إنه جميل، يعني مقبول، تنظر إلى هذا الشخص من الأعلى فتراه بشكل وفي مرة أخرى من اليمين أو الشمال أو من أمامه على وجهه أو من الخلف أو من الأسفل.. على كل الأحوال، فالزاوية التي تنظر منها طبعا تؤثر على رأيك وعلى تقييمك، لأنك أنت ماذا ترى؟ من أي زاوية أنت ترى؟ من أي منظار أنت ترى المسائل والأمور؟
ولذلك من الطبيعي أن يختلف التقييم بين الحلفاء والأصدقاء والخصوم في هذه الجهة وفي تلك الجهة. يعني مثل ما يوجد هنا تقيمات مختلفة وآراء مختلفة، وأحيانا تكون هناك بعض المشاعر الغاضبة، أيضاً في الجهة الأخرى، أيضاً نفس الأمر، لأنه له علاقة بالزاوية التي تؤثر على التقييم.
ثالثاً: نحن دائماً، وفي خطابنا السياسي دائماً، وعندما أقول دائماً فيعني هذا أنه ليس مستجداً، لستا في كل يوم نحن نغيّر رأينا، كنّا دائما نتحدث أنه في لبنان المطلوب شراكة، نحن مع الدولة ومع الشراكة الوطنية، حتى لو كانت هذه الاطراف على خصومة بل حتى على عداوة، نحن ولا يوم من الأيام على مدار السنين الماضية كلها ـ وخصوصا خلال الأشهر العشرة الماضية ـ ولا يوم من الأيام نحن قلنا إننا نرفض أن تشكل حكومة يشارك فيها تيار المستقبل أو حزب الكتائب أو القوات اللبنانية أو أحد من 14 آذار، هل قلنا ذلك؟ لم نقل ذلك، ولم نقل في يوم من الأيام نحن نرفض أن يتمثل هؤلاء في الحكومة وأن يشاركوا في الحكومة، ولم نقل في يوم من الأيام نحن لن نجلس ولا نجلس على طاولة حكومة أو على طاولة حوار مع تيار المستقبل أو الكتائب أو القوات أو 14 آذار، أبداً.
بل كنا دائماً نقول: نحن ندعو إلى الشراكة الوطنية، إلى حكومة شراكة وطنية وإلى حكومة وحدة وطنية وإلى الحوار وإلى طاولة الحوار وإلى التلاقي وإلى النقاش. نعم هذا لا يعني أن يفرض أحدنا رأيه على الآخر، أبداً، وإنما نحاول، نسعى. ولذلك نحن لا نشعر بأي حرج من هذه الحكومة من هذه الزاوية. لأننا لم نقل في يوم من الأيام: لن، ولا نقبل، ونرفض. من لديه مشكلة في هذا الموضوع هو الجهة الأخرى. الذي عطّل تشكيل الحكومة عشرة أشهر، ليس الحقائب، ليس المداورة، أبداً، هذا موضوع إشكالي، صحيح، لكن الذي عطّل عشرة أشهر هو الذي كان يرفض تشكيل حكومة سياسية في لبنان، والذي دعا خلال عشرة أشهر إلى تشكيل حكومة حيادية في لبنان، هو الذي دعا إلى عزل حزب الله من أي حكومة سياسية إذا أراد أن يتنازل ويجعلها سياسية. خرجوا منذ اليوم الأول وقالوا حكومة سياسية من غير سياسيين من غير حزبيين، غير استفزازيين، هذا الذي عطّل. ليست قصة الحقائب، وحقيبة النفط والمداورة. لا، هذا لاحقاً، عندما حلّت العقدة السياسية، كم استهلك من وقت؟ لم يأخذ وقتاً وتمت معالجته وكان يمكن أن يُعالج. لو من أول يوم، لم تكن هناك مشكلة سياسية، وبقيت المشكلة هي المداورة والحقائب، كان الأمر عولج خلال أسبوعين أو ثلاثة كما حصل الآن.
للأسف الشديد أن الفريق الذي يعطّل يتهمك بالتعطيل، وعندما تناقش يقول هناك قرار من إيران بالتعطيل، فأولاً نحن ليس لدينا أي حرج، ثم لاحقاً صدر الكلام عن الانجازات الوطنية.
الذي فتح باب هذا الانجاز الوطني، مع احترامي للجميع، هو حركة أمل وحزب الله، حزب الله وحركة أمل، نحن الذين فتحنا الباب.
في “ساعة سمّاعة” أدركنا أنه واضح ، نحن وضعنا ممتاز وقوي، نحن لسنا ضعافاً، لا في لبنان نحن ضعاف، لا في سوريا ضعاف، ولا في المنطقة ضعاف. على العكس، الأميركيون يعترفون اليوم بفشل سياساتهم وبهزيمتهم، وبعض الدول العربية انسحبت، وهناك حكام تغيروا، وإذا أردت أن أجري الآن قراءة إقليمية، أقول : نحن الآن ظرفنا السياسي الداخلي والإقليمي والدولي أفضل من أي وقت خلال السنوات الثلاث التي مضت، لكن الوقت ضيق للاستحقاق الرئاسي، إذا بقينا على هذه الحالة، الاستحقاق الرئاسي في خطر، هذا أولاً.
ثانياً، نحن ذاهبون إلى “مشاكل”، البلد ذاهب إلى مشاكل، لأنه إذا شُكلت حكومة حيادية ستحصل مشاكل كبيرة في البلد، وإذا شكلت حكومة أمر واقع سياسية كان سيحصل مشاكل كبيرة في البلد. نحن لا نريد مشاكل في البلد، لا نريد أن نصل إلى هذه النقطة. إذاً، هل هناك شيء ما يمكن أن نقوم به ونفتح من خلاله باباً؟ فوجدنا من خلال التشاور بين حزب الله وحركة أمل. وهنا من حق بقية حلفائنا أن يعتبوا، لأن هذا الأمر كنا معنيين به في الدرجة الأولى.
على كل حال، نحن عندما كنا نتحدث عن تسعة ، يعني في التقسيمات اللبنانية خمسة للشيعة وأربعة لتكل الإصلاح والتغيير.
حسناً، هؤلاء الخمسة نحن نتنازل عن واحد، والضمانات التي نرجوها ونأمل بها يمكن الحصول عليها بطريق آخر، أو بطرق أخرى، فجئنا وأبلغنا الآخرين أننا نسير بهذا الموضوع.
نحن من فتح الباب، ولذلك قوبلنا وفي لحظة سياسية إقليمية دولية تحتاج إلى تأمل أنه بعد عشرة أشهر رفض ونداءات عزل وقسم أيمان أننا لا نقبل أن نجلس معكم على طاولة واحدة ونشارككم حكومة واحدة، قبلوا.
هذا أمر جيد، هذا يجب أن يكون مدعاة للإيجابية لا لأن يشمت أحدنا بالآخر. أنا عندما أقدم تنازلاً ما، هذا ليس من أجل أن يشمت أحد بنا، وعندما غيري يقدم تنازلاً ما لا يجب أن يشمت به أحد أيضاً. على العكس، يجب تقدير هذا الأمر وأن الأطراف فتحت أبواباً، جيد، ذهبنا إلى تفتيح الأبواب.
المشكلة السياسية الأساسية حُلت، بقيت المداورة وموضوع الحقائب، حصل هناك جدل، حصل هناك تضامن، من حق كل جهة أن تطالب بأي حقيبة تريد، نحن لا نتوقف عند هذا الموضوع، تضامنا مع حلفائنا في هذا الموقف إلى أن تم الوصول إلى نتيجة. إذاً نحن الذين فتحنا الباب. لو بقينا نحن مصرين على 9 9 6 ولا أحد يريد أن يتنازل، هل كان الآن هناك حكومة؟ هل كانت تشكلت حكومة أصلاً قبل الاستحقاق الرئاسي؟ هل كان سيحصل استحقاق رئاسي؟ إلى أين كان يمكن أن يذهب البلد؟ نحن لا نعرف.
في هذا الموضوع، نعم، يستطيع كل طرف أن يقول أنا قدمت تنازلات. طبعاً هناك أطراف لم تقدم شيئاً. قدمنا تنازلات، هناك أطراف قدمت تضحيات، هناك أطراف قدمت تضحيات أكثر من غيرها. لكن اسمحوا لي بالقول: نحن الجهة التي قدمت تضحيات أكثر من الجميع في هذا الموضوع. نحن ليس لدينا أي مكسب خاص. نحن حتى آخر لحظة لم نناقش في الحقائب. أنا أعلم أن بعض قواعدنا قد لا يعجبهم هذا الأمر. لكن، هكذا نحن. في الأولويات لدينا في الاهتمامات لم نناقش في الحقائب ولم نسأل عن حقائب حتى آخر ساعة. آخر ساعة، سألناهم ماذا قررتم أن تعطونا من حقائب، لأنه كان همنا أن تتشكل الحكومة، ويصبح هناك حكومة في البلد، لأن مصلحة البلد في الحكومة. ولذلك إذا أراد أحد أن يقيّم الموضوع من زاوية ما هي الحقائب التي أخذها حزب الله؟ هذه زاوية خاطئة، لا تجري تقييماً لا في الحقيبة ولا في العدد. المهم الناتج، العملية السياسية الوطنية الكبيرة التي نريدها نحن. ماذا يعني التي نريدها؟ نحن وجدنا البلد أمام خيارات: إما استمرار الفراغ وهذا كان خطيراً، أبداً لم نكن نريد الفراغ ولا في يوم من الأيام، لا تهتموا لاتهاماتهم، هذا كذب وافتراء وتضليل، وهذا لن ينتهي، يمكن أن يخف، لأننا سنكون في حكومة واحدة معاً. استمرار الفراغ هذا غير صحيح، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا مالياً ولا أمنياً. ثانياً، تشكيل حكومة حيادية أمر خطير على البلد. وحكومة أمر واقع سياسية كان خطيراً أيضاً على البلد، إذاً لم يبقَ سوى خيار وحيد، حكومة تسوية، سموها ما شئتم، حكومة ربط نزاع، حكومة تسوية، حكومة متخاصمين، حكومة أعداء، حكومة مصلحة وطنية، ممكن، أحسن تسمية حكومة مصلحة وطنية. طبعاً، أنا لا أسميها وأتمنى أيضاً أن يعاد النظر بالتسمية، هذه ليست حكومة جامعة، لأن هناك قوى سياسية لم يتح مجال التفاوض والأعداد والتركيبة أن تكون شريكة في هذه الحكومة كانت موجودة في الحكومة السابقة من قوى وطنية وإسلامية في أكثر من طائفة من حلفائنا وأصدقائنا الذين نحترمهم ونعزّهم ونفتخر بالعلاقة معهم. أنا لا أعتبر هذه الحكومة حكومة جامعة ولا أعتبرها حكومة وحدة وطنية، لأن هناك قوى وازنة هي خارج الحكومة، نعم هي حكومة تسوية، هي حكومة مصلحة وطنية، هذا صحيح. ولذلك نحن نتطلع إلى هذه الحكومة، نريد لها أن تكون حكومة تلاقي.
انتبهوا، نحن لسنا ذاهبين لأن نقيم متاريساً، نحن بكل جدية، الليلة أنا في ذكرى الشهداء القادة أحب أن أقول لكل اللبنانيين: نحن ذاهبون إلى هذه الحكومة، لا بنيّة إقامة متاريس ولا بنيّة عداوات ولا بنيّة خصومات مع ما بيننا من خصومات وحتى حواجز نفسية، يمكن لهذه الحكومة أن تكسر هذه الحواجز النفسية، وأن تفتح الأبواب بيننا. نحن نأمل أن نذهب إلى حكومة تلاقي، تفاهم، حوار، نقل المشاكل من الشارع، تخفيف التوتر في البلد، تخفيف حدة الخطاب السياسي والإعلامي في البلد، وهذا مصلحة الجميع. فبمقدار ما يخف التوتر في البلد وتهدأ النفوس وتجلس الناس وتتحدث مع بعضها البعض، هذا الذي أمضينا وقتاً في الحديث عنه والمطالبة به، هذا يمكن أن يتحقق من خلال الحكومة، نأمل ذلك
. نحن بهذه الروحية الإيجابية ذاهبون إلى الحكومة. يمكن أن يأتي أحد ويقول، كما فعلت بعض وسائل الإعلام وقالت أنتم قلتم عن فلان وفلان كيت وكيت، طبيعي، هم قالوا عنا الشيء نفسه. وكل طرف يمكن أن يستفز بشخصيات من الطرف الآخر، لكن عندما تقول شراكة، فإن الطراف الآخر سيأتي بما لديه من شخصيات، تعجبك أو لا تعجبك، يمكن أن تجادل في بعض التفاصيل، لكن هذه من تبعات ولوازم أننا نريد شراكة ونريد لقاءً بين اللبنانيين، ونريد تخفيف توتر، ونريد تحصين الوضع الداخلي اللبناني في مواجهة موجات الفتن.
الأمر الأخير، نقول: هذه الحكومة كما أعلن رئيس الحكومة نفسه أن أولوياتها تحقيق الاستحقاقات الدستورية القادمة، وأهمها وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي، الذي يجب أن نتعاون جميعاً على تحقيقه، وعلى العكس أنا أعتقد أن هذا التشكيل الذي يوجد فيه محلات مزعجة ونافرة قد يشكل واحداً من المشجعات للكل أن تعالوا ننتخب رئيساً حتى يصبح لدينا حكومة جديدة في البلد وتتشكل حكومة جديدة بعيداً عن الضغط، وبالتالي كل طرف يجلس ويتحدث بما لديه ويناقش وليس تحت ضغط الظروف، ضغط الاستحقاقات، هذا يشجع أن لا يذهب أحد إلى الفراغ في الموضوع الرئاسي، وإنما نذهب إلى انتخاب رئيس.
فأولاً الاستحقاقات الدستورية، ثانياً، بحسب تعبير دولة الرئيس نفسه، التصدي لكل أنواع الإرهاب. هذا ما نأمل أن تقوم به الحكومة، وهذا طبعاً سيحمّل من تولى مسؤوليات أساسية خصوصاً الداخلية والدفاع والعدل والاتصالات، تفضلوا، اليوم، هذه هي مسؤولياتكم. نتمنى أن تتحمل هذه الحكومة وعلى رأسها رئيس الحكومة وبإشراف فخامة رئيس الجمهورية أن يكون هذا الملف، التصدي للإرهاب، ملفاً جديّاً وحقيقيّاَ، ومعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية بكل صدق.. هذه هي الأولويات. يعني هذا هو المقدار الذي تتحمله هذه الحكومة خلال الأشهر المتبقية بيننا وبين الاستحقاق الرئاسي.
يبقى في الشأن الحكومي، قبل الكلمة الأخيرة، هناك بعض الحلفاء، بعض الأصدقاء، بعض الناس لديهم مشاعر ومخاوف وقلق، أنا أحب أن أتابع هذه التفاصيل وأفهمها، أنه غداً قد يطلقون سراح عمر الأطرش، يعني إذا كان هناك شخص اعترف وهو مدان وهو نقل سيارات مفخخة وانتحاريين أياً كان وزير العدل هل يستطيع أن يطلقه؟ أو ربما غداً قد يطلقون سراح نعيم عباس مثلاً!؟. أما في موضوع النساء الثلاث فهناك من يقول أن اثنتين منهن لا دخل لهما وواحدة هي (المذنبة)، ممكن، لكن لو أطلقوا سراح النساء الثلاثة، أكيد هناك مشكلة كبيرة في البلد. يعني هذا الموضوع، ليس موضوع وزير هنا أو وزير هناك والناس تقلق وتخاف، لا.
أحب في هذه النقطة عموماً بما يثار من مخاوف ومن قلق نحن موجودون وحلفاؤنا موجودون ومنتبهون وواعون ونعرف ماذا نعمل وننظر من فوق ومن كل الجهات فلا يخاف أحد ولا يقلق أحد.
هذه مرحلة نريد أن “نلمّ بها” بلدنا ونتجاوزها ونتحمل بعضنا البعض، يجب أن نتحمل هنا شخصية استفزازية، هناك شخصية استفزازية، ماذا يقول هذا أو ماذا يفعل ذاك، هذا كله ينبغي أن يعالج ويتجمع. ولذلك لاحظتم أني لم آت اليوم لأضع خطب من سبقني وأناقشها وأجاوب عليها مع أنه حصلت إساءات كبيرة بحقنا. دعوا هذا الأمر جانباً، نحن ذاهبون إلى وضع جديد.
مصلحة البلد، المصلحة الوطنية، المصلحة الأمنية، مصلحة لمّ البلد تقتضي أنه كم نستطيع تدوير الزوايا، نحن معروفون نحن أناس نتحمل ونضحي ونصبر، هذا فكرنا وهذا عقلنا، وهذه تجربتنا، وجمهورنا طالما تحمل معنا وقبل منا ذلك.
في مكان ما يكون المرء متألماً أو منزعجاً، ليس كل ما تطلبه يحصل، هذا بلد الناس موجودة فيه ويجب أن تتعاون الناس مع بعضها من أجل ما هو أهم ومن أجل ما هو أكبر.
في الكلمة ألأخيرة أود أن أوجه تحية كبيرة، تحية إجلال وتقدير للشعب البحريني المظلوم بعد انتهاء ثلاث سنوات من حركته وقيامه وثورته الأخلاقية الوطنية السلمية الراقية ومواصلته ـ شاهدنا مسيرات بالأمس ـ لهذه الحركة السلمية بالرغم من القمع والتهشيم والتشويه والاعتقالات والسجون وكل ما يتعرض له هذا الشعب المظلوم من قبل حكومة مفروضة عليه من خلال واقع إقليمي معين وقوة الحديد والنار.
والأخير في الكلمة الأخيرة، الذي قلت إنني سأعود في الآخر إليه، عندما أقول فلسطين وإسرائيل، نحن مختلفون في هذه النقطة، لكن أقول للبنانيين، وأقول للفلسطينيين، لشعبنا الفلسطيني الذي طبعاً يحمل مسؤوليات كبيرة حتى الآن في المخيمات، أنا أقول لإخواننا في الفصائل والعلماء واللجان الشعبية: لا يكفي أن تصدر فقط بيانات الإدانة، عليكم أن تشدوا همّتكم، وتتحدثوا مع الناس وتراقبوا، لأن هناك من هو مصر على توظيف الشخص الفلسطيني والإنسان الفلسطيني من أجل الوصول إلى هذه النتيجة التي تحدثت عنها في سياق الكلمة، فلا أعيد.
أقول للبنانيين والفلسطينيين والسوريين ولكل الشعوب العربية، لكل الأحزاب والقوى العربية، لكل الشرفاء في هذا العالم وفي منطقتنا، الذين تعني لهم حقاً فلسطين، ويعنيهم لبنان ويعنيهم سوريا، إذا أردتم أن تضيع الفرص من إسرائيل، هذه الفرصة التي تحدثنا عنها قبل قليل، إذا أردتم أن تمنعوا ذهاب هذه المنطقة إلى فتنة لا تنتهي بعشرات السنين، أوقفوا الحرب على سوريا، أوقفوا الحرب على سوريا، أخرجوا المقاتلين من سوريا، اسمحوا للسوريين أن يتصالحوا كما يتصالحون الآن في أكثر من منطقة. بالتأكيد يومها لن نبقى نحن في سوريا أيضاً. لكن إذا أردنا أن نتدارك وأن لا تزداد هذه الفرص وأن لا تكبر هذه التهديدات يجب علينا جميعاً، يجب وقف الحرب على سوريا وفي سوريا حفاظاً على فلسطين، على لبنان، على سوريا، على الأمة. هذه الفرصة نرجو أن لا تضيع.
في ذكرى الشهداء القادة، نحن نعاهد هؤلاء الشهداء الكبار والعظام أن نحمل عقلهم، فكرهم، تدبيرهم، إخلاصهم، صدقهم، ودماءهم وتضحياتهم وصبرهم وآلامهم وآمالهم كما كل الشهداء، وأن نواصل طريقهم ليكون هذا البلد وهذا الشعب وهذه الأمة دائماً إن شاء الله في موقع العزيز والكريم والمقتدر. رحم الله شهداءنا وشهداءكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.