النزوح السوري.. الآلاف يحاولون التسلُّل والشمال المنفذ الرئيسي
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
يكثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن تسلل أعداد كبيرة من النازحين السوريين القادمين الى لبنان عبر معابر غير شرعية. يُحكى في هذا الصدد عن مخاطر كثيرة تتربّص بلبنان جراء هذا التسلل، أولها أمني. ما الذي يضمن أن لا يكون جزء من هؤلاء السوريين ينتمون الى القوى الظلامية التكفيرية؟. يتردّد هذا السؤال في أكثر من مجلس، إلا أنّ التحرك اللبناني الرسمي لا يبدو على قدر التحدي. ثمّة “مراوغة” غير مفهومة في هذا الملف. تغمز مصادر سياسية من قناة تقاعس أطراف فاعلة في الحكومة عن حل قضيّة النزوح لسبب رئيسي؛ إرضاء الولايات المتحدة الأميركية من جهة والدول الغربية من جهة أخرى. وكل ذلك في سبيل تحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة الوطنية الكبرى، كما ثمّة تقاذف للمسؤوليات بين جهات أمنية فاعلة لاعتبارات سياسية.
كل شيء وارد
وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين لا يكل ولا يمل من الحديث عن تداعيات هذا النزوح. يُكرّر تحذيراته لأكثر من وسيلة إعلامية من أننا ذاهبون نحو المجهول. إلا أنّ شيئًا لم يتغيّر بطريقة تعاطي الحكومة على الأرض. يقول شرف الدين لـ”العهد”: “مجلس الوزراء سبق أن كلّف وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ليترأس وفدًا رسميًا الى سورية. لكن للأسف بعد شهرين، تنحّى بوحبيب، ورغم اجتماع الحكومة إلا أنها تحدثت عن هذا الأمر بخجل، قبل أن يُتفق على عقد جلسة لبحث مسألة النزوح الأسبوع المقبل”، وفق شرف الدين، لا بد من تشكيل وفد جديد للذهاب الى سورية.
وفي معرض حديثه، يؤكّد شرف الدين أنّ الشهر الماضي شهد دخولًا كثيفًا لنازحين من معابر كثيرة غير شرعية، وقد تمّ توقيف 8000 شخص من قبل الجيش اللبناني وجرت إعادتهم بعد تسليمهم للأمن العام. وفق المتحدّث، هذه الأرقام كُشفت، أما ما لم يكشف فلا يمكن إحصاؤه ما يُشكّل خطرًا على لبنان. من وجهة نظره، اذا لم نتدارك ونردع التسلل الحاصل، فمن الممكن أن يدخل مئات الآلاف من النازحين عدا عن الموجودين. وفي المستقبل قد يصبح لدينا خلايا أمنية، كما حصل في مخيم نهر البارد والصراعات الحاصلة في عين الحلوة. وعليه، لا يُستبعد أي أمر، فكل شيء وارد.
يوضح شرف الدين “إننا كدولة لبنانية اجتمعنا مع الهئيات الأمنية، لكن للأسف عناصر الجيش اللبناني غير كافية، يُطلب من 8000 عنصر تغطية 357 كم، هذا الأمر غير كاف، يجب أن يكون لدينا 40 ألفًا على الأقل”. يعود شرف الدين ويكرّر، لا بد من التنسيق مع الدولة السورية كي تُضبط الحدود من الجهة الأخرى، وهذا الأمر يتطلب اتخاذ قرار سياسي بزيارة وفد رسمي الى سورية.
80 بالمئة من المعابر غير الشرعية هي بين حدود عكار والشمال
مسؤول ملف النازحين في حزب الله النائب السابق نوار الساحلي يُبدي في حديث لموقع “العهد” الإخباري قلقًا كبيرًا من تسلل أعداد كبيرة من النازحين السوريين الى لبنان بطريقة غير شرعية. هذا الأمر يشكّل خطرًا على لبنان. يذكّر الساحلي بالدعوات الكثيرة التي طالب فيها الحزب بأن يكون ملف النزوح من أولويات الحكومة ورجال السياسة لأنّ هذا الأمر لا يتصل بالعلاقة بين لبنان وسورية، أو بالروابط التي تربط اللبنانيين بالسوريين بل يتعلق بخطر بات يُداهم لبنان من كل النواحي الاقتصادية والبنية التحتية والأمنية.
وعليه، يحمّل الساحلي المسؤولية للسلطات الأمنية التي يجب أن تضبط الحدود بطريقة أفضل من الحالية. برأيه، لا يمكن التذرع بقلّة العديد لأنّ المعابر باتت معروفة. 80 بالمئة من المعابر غير الشرعية هي بين حدود عكار والشمال. بعض المعابر التي تشهد وجودًا للجيش اللبناني هي في منطقة البقاع، لكنّ مناطق التهريب الأساسية غير الشرعية تقع في أغلبيتها في منطقة شمال لبنان. وهنا، يحمّل الساحلي المسؤولية للقوى الأمنية التي تتقاعس عن القيام بواجبها. صحيح أن الوضع الاقتصادي صعب والرواتب غير كافية، لكن في نهاية المطاف، هذا واجبهم، وعليهم القيام به.
ويشدّد الساحلي على أنّ هذه القضية برسم وزيري الدفاع والداخلية في حكومة تصريف الأعمال، وقائد الجيش وقادة كل الأجهزة الأمنية. على هؤلاء جميعًا القيام بواجبهم. وردًا على سؤال، يقول الساحلي: “لا شك أنّ الخطر موجود، ولمجرد وجود أكثر من مليوني شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين، فهذا بحد ذاته خطر بكل ما للكملة من معنى”. وفي هذا السياق، يلفت الساحلي الى أن القوى الأمنية تقول إنّ الوضع مضبوط، لكن ثمّة هواجس لدينا، فصحيح ربما لا يوجد خطر داهم، ولكن ماذا لو كان قسم من هؤلاء النازحين المتسللين ينتمي الى المعارضة أو القوى الظلامية التكفيرية؟ وفق الساحلي، يجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، ولا يمكن أن “نطنّش” عن هذه النقطة.
ويضيف الساحلي: “الخطر موجود، هو ليس داهمًا بالمعنى الأمني للكلمة، لكنه موجود، ويجب أن تظل الأعين مفتوحة والأمن ساهرًا على هذا الموضوع، لذلك أكرّر يجب إيلاء موضوع النازحين الأهمية القصوى والبدء بالاتصال بالدولة السورية لتنسيق هذه العودة. الأمر لم يعد يحتمل، يجب أن يكون الحديث والتباحث مع السوريين على أعلى مستوى لكي نكون سدًّا منيعًا في وجه الدول الغربية والـ”NGOs” ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” التي تضغط عليهم للبقاء في لبنان”.
وحول أرقام المتسلّلين في الآونة الأخيرة، يقول الساحلي: “لا توجد مُعطيات دقيقة لأنّ الدخول غير شرعي، سمعنا مؤخرًا أنه في إحدى المناطق تم استبدال أحد الألوية للجيش السوري بلواء آخر وتبدلت القيادة لضبط هذا التهريب، وهذا شيء إيجابي وجيّد. كما قلنا فالتنسيق الأمني بين الأمن العام اللبناني والسوري مهم، ولكن لا بد من تنسيق سياسي. للأسف، لا يوجد تنسيق سياسي كاف، يكاد يكون الوزير شرف الدين الوحيد الذي يذهب الى سورية، وحتى اليوم لم يشكّل الوفد الذي قيل إنه سيذهب بعد تنحي بوحبيب”.
وفي سبيل الحد من التداعيات السلبية، يوضح الساحلي أنّ اجتماعات عدة عقدت مع “التيار الوطني الحر”، وفي إحدى المرات بمشاركة مسؤولي البلديات من الحزبين لتكليف البلديات وإشراكها في معالجة أزمة النزوح من خلال بعض الإجراءات. على سبيل المثال، إبقاء العمال السوريين الذين نحتاج اليهم (تاريخيًا يحتاج لبنان الى العمالة السورية)، وترحيل عائلاتهم بصورة طوعية بحيث يبقى رب الأسرة في لبنان لإعالة عائلته في سورية. وفق حسابات الساحلي، يقلل هذا الإجراء ــ بأقل تعديل ــ أكثر من 50 بالمئة من حجم النازحين، لكن للأسف فبعض الجمعيات غير الحكومية (الـNGOs)، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” تعمل على إغراء النازحين للبقاء في لبنان، وتستخدم سياسة الترهيب والترغيب لمنع العودة.