الموقف حِيال “صين واحدة”
صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح:
لا أعتقد بوجود تغيير على الموقف الرسمي الاردني تجاه سياسة “صين واحدة”، التي عَبّرَ عنها جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً في خطاباته، سواء في الصين الشعبية أو في الاردن، أم في حضرة الرسميين الصينيين، إبتداءً من رئيس جمهورية الصين الشعبية، وليس انتهاءً بالوزراء الصينيين الذين التقاهم جلالته خلال سنوات عديدة.
مؤخراً، طالعت خبراً بثته وكالة الأنباء الرسمية الاردنية “بترا”، تحدّث عن لقاء رئيس مؤسسة أردنية تصف نفسها بمؤسسة “إقتصادية واجتماعية” تضم متقاعدين كان لديهم خلال خدمتهم في ملاك الدولة الاردنية صبغة رسمية، مع مَن وصفه الخبر بـ”السفير التايواني في عمّان” اندرو تشانغ. يقول الخبر بأن الطرفين الاردني والتايواني بحثا “سُبل تبادل الخبرات بين المؤسسة ونظيرتها التايوانية” و.. “الاستفادة من خبرات الجانب التايواني في إنتاج الأسماك والحصول على أنواع جديدة للتوسّع بتربيتها في مشروعات المؤسسة”. ويبدو بأن المؤسسة هي التي اقترفت الخطأ بالإعتراف بتايوان دولة صينية الى جانب الصين الشعبية، وبأن لتايوان سفير لدى الاردن، لكون المؤسسة قد أصدرت بياناً عن لقاء مديرها العام بمن وصفته بـ”السفير التايواني في عمّان”، ونقلته وكالة الأنباء الاردنية “بترا” بنصِّه دون تحرير سياسي يَستند الى النهج السياسي الرسمي للدولة الاردنية.
وللتوضيح التاريخي.. أولاً: كانت تايوان تطلق على نفسها اسم “جمهورية الصين”، أو إسم “الصين الوطنية”، وهي عبارة عن جَزيرة يفصلها مضيق عن البر الصيني لجمهورية الصين الشعبية، وكانت تايوان تأسست بصورة انفصالية لتسود فيها دكتاتورية القمع والإعدامات الى جانب تحوّلها الى قاعدة أمريكية. وبهذا الإسم أراد النظام التايواني التعبير عن رفضه لجمهورية الصين الشعبية ومناهضته للشرعية التي تتحلى بها شعبياً صينياً ودولياً، إلا أن صدور قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 2758 لسنة 1971 والذي قضى بأحقية جمهورية الصين الشعبية في مقعد “جمهورية الصين” وطرد تايوان من مجلس الأمن وإعطاء مقعدها لجمهورية الصين الشعبية، قد صحّح مسيرة التاريخ واعترف بمكانة الصين شرعيتها مقابل لا شرعية تايوان، وهنا فقدت تايوان حقوقها الدولتية والدولية بإجماع دولي، فصار إسم “الصين” لفظاً قصيراً للدلالة على جمهورية الصين الشعبية وجميع الأراضي الصينية، لذا فعندما يتم الحديث عن “سفير تايوان” لدى الاردن، إنما يتم القفز بصورة واضحة عن الحقائق الصينية الجيوسياسية، والحقائق الدولية التي أفرزت واقعاً ثبّت الصين الشعبية مُمَثِلاً للأمة الصينية كلها والأراضي الصينية بأكملها.
وللتوضيح الثاني في الصِلات الاردنية مع تايوان: لست هنا بصدد مناهضة علاقات الاردن مع جزيرة تايوان إقتصادياً وتجارياً. فجمهورية الصين الشعبية لديها علاقات في هذين الحقلين وفي غيرهما من الحقول مع تايوان وتسعى الى تنميتها حرصاً على مصالح الأُمة الصينية ووحدتها، لكن مرد الحيرة والغرابة والدهشة هنا، هو إعطاء صبغة رسمية في خبر رسمي “لمكتب تايوان التجاري” في الاردن، واعتباره بالتالي سفارة يترأسها سفير، مما يُعدُ خروجاً غير محبّذ على الثوابت السياسية الاردنية والدولية حِيال مبدأ “صين واحدة” التي اختطها الاردن منذ عهد الراحل جلالة الملك الحسين والى اليوم، فتم استناداً الى رؤيته إغلاق سفارة تايوان في عمّان، وفتح سفارة أخرى لجمهورية الصين الشعبية تمثّل البر الصيني والجُزر الصينية وبضمنها تايوان والأراضي الصينية التي كانت مُحتلة أنذاك بريطانياً “هونغ كونغ” وبرتغالياً “ماكاو”.
إن قضية تايوان والصين تعتبر أهمية عربية أيضاً حين نناهض نحن العرب تقسيم وشرذمة الأُمة وأراضيها الى كانتونات مُدارة خارجياً، وفي هذا الرفض العربي رفضاً لتهميش الأُمة وواقعها ومستقبلها، وهو ينطبق على الصين التي تريد هي الاخرى تجميع الأُمة الصينية في بوتقة واحدة، تماماً كتجميع الأُمة العربية في وحدة واحدة، في زمن تحاول فيه القوى الخارجية السيطرة على العرب والصين أيضاً من خلال نشر الخصومات والمواجهات وبث البغضاء في النفوس فتسييد واقع تقسيمي لا عودة منه الى وحدة. وحين نَحرص على مُناصرة قضايا الوحدة لدول وشعوب العالم، إنما هو في واقع الأمر حِرصٌ على وحدتنا نحن بالذات، وبالتالي حرص لنيل المُسَاندة والتأييد من العالم لقضايانا وعلى رأسها الوحدة العربية وتحرير أراضينا المغتصبة وفي مقدمتها فلسطين السليبة، وهي مبادئ نتفق نحن والصين حِيالها ولا نبتعد عنها قيد أُنملة، لذا أعتقد بأن تصحيح المعلومة الخاطئة عما يُسَمّى بـ”سفير” لتايوان لدى الاردن سيكون علامة صحيحة وصحيّة في هذا الإتجاه، وسيؤكد على علاقاتنا المبدئية تاريخياً مع دولة كبرى ومهمة لنا سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً كجمهورية الصين الشعبية الصديقة.
· رئيس الإتحاد الدولي الإلكتروني للصُحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.