الموقف الفلسطيني بعد إقتحام الأقصى ومعاقبة السلطة
موقع قناة الميادين-
وسام أبو شمالة:
رغم عديد التهديدات التي تفرضها الحكومة الفاشية، فإن فرص مواجهتها قائمة من خلال القيام بعدة خطوات على المستوى الفلسطيني.
لم يمر على أداء حكومة العدو الإسرائيلي القسم إلا ساعات معدودة، حتى سارعت لتنفيذ أجندتها الفاشية، فقام الإرهابي ايتمار بن غفير، باقتحام المسجد الأقصى، بعد أن قام بعملية خداع وتضليل إعلامي، واستمر الاقتحام 13 دقيقة، وتم تنفيذه في الصباح الباكر، مما أثار إدانات حادة، دولية وعربية وإسلامية، أعقبها انعقاد لمجلس الأمن الدولي من دون أن يصدر عنه بيان يدين “إسرائيل”. إلا أن مستوى الإدانات، أكدت تخوفات المجتمع الدولي من السياسات المتوقعة من حكومة اليمين الفاشية، التي دشنت أولاها باقتحام الأقصى، دونما أي اعتبار للتحذيرات الأميركية والعربية وحتى الإسرائيلية.
لم يكتف بن غفير باقتحام الأقصى، وسارع إلى تنفيذ زيارات ميدانية لسجون العدو، لتأكيد عزمه سلب حقوق الأسرى الفلسطينيين، التي انتزعوها بعد نضال مرير ضد سجّانيهم، ويؤكد أنه سيقر قانون إعدام الأسرى الفدائيين. الأمر الذي يعني أن الرهان على عقلنة بن غفير ووزراء حكومة العدو الفاشية بعد توليهم الحكم هو رهان خاطئ، حاول رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تسويقه على المجتمع الدولي، كما حاول تأكيد قدراته في الحد من سلوك غلاة اليمين الفاشي الصهيوني أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش وآفي ماعوز، وتسويق نفسه-نتنياهو-العاقل القادر على التحكم بالمقود وقيادته.
وفي أول إجراء ضد السلطة الفلسطينية، أعلنت حكومة العدو، تبنّي 5 عقوبات ضدها على إثر تحرك السلطة في الأمم المتحدة نتج عنه اعتماد الجمعية العامة بالأغلبية قراراً مهماً بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو ما اعتبرته حكومة نتنياهو الفاشية بمثابة شن حرب سياسية وقانونية عليها.
شملت العقوبات، خصم 39 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية، وخصم أموال بما يعادل ما تدفعه السلطة كمخصصات لأهالي الأسرى والشهداء، وتجميد مخططات البناء الفلسطينية في المنطقة(ج)، والتي تعادل نحو 60% من أراضي الضفة الغربية، وحرمان الشخصيات المهمة من تصاريح التنقل الممنوحة لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، واتخاذ إجراءات ضد المنظمات في الضفة الغربية التي تمارس العمل القانوني ضد “إسرائيل”.
أدانت السلطة عقوبات العدو، كما أدانتها حركة حماس والفصائل الفلسطينية، كما صدرت عدة دعوات لالتئام الصف الفلسطيني وتوحيد الجهود في مواجهة حكومة نتنياهو الفاشية التي تستهدف كل ما هو فلسطيني.
لم تكتف قيادة السلطة بالإدانة، بل صدرت تصريحات من قيادات فتحاوية مختلفة تحذر من اللجوء إلى الخيارات كافة بما فيها الخيار العسكري لمواجهة حكومة العدو، وهي تصريحات نادرة تعكس خطورة الموقف، ولا سيما أن السلطة تدرك أن السياسات التي تعتزم حكومة بن غفير/سموترتش، تنفيذها في الضفة الغربية ستؤدي من جهة إلى تقويض السلطة الفلسطينية والقضاء نهائياً على حل الدولتين، ومن جهة أخرى إلى إشعال انتفاضة مسلحة في الضفة الغربية المحتلة، ستضع السلطة أمام خيارات صعبة.
يدرك العدو أن السلطة الفلسطينية تعاني من أزمات داخلية مختلفة، ويخشى من المرحلة التي ستلي الرئيس محمود عباس، في ضوء عدم حسم قضية خلافته، الأمر الذي يفتح الباب أمام عدد من السيناريوهات. منها تفكك السلطة، وتحول الضفة الغربية إلى بيئة مواتية للمقاومة العسكرية، وهو ما سيفرض معادلة صفرية بين حكومة فاشية تهدف لضم الضفة الغربية، ومقاومة مسلحة تواجه قوات الاحتلال والمستوطنين بهدف اقتلاعهم وتفكيك مستوطناتهم وثكناتهم العسكرية.
التهديدات التي برزت مع حكومة العدو الفاشية، جعلت الموقف الميداني في قطاع غزة على المحك، ورغم أن اقتحام الإرهابي بن غفير لباحات المسجد الأقصى، لم يؤد إلى رد فعل عسكري من المقاومة في قطاع غزة، في هذه المرحلة، إلا أن استمرار استفزاز مشاعر المسلمين بمزيد من الاقتحامات وأداء الطقوس التلمودية داخل الحرم القدسي. والتي نقدّر بأنها ستتضاعف في فترات الأعياد، ولا سيما في عيد الفصح اليهودي، الذي يتزامن مع شهر رمضان المبارك، ستقابل بردود شعبية مقدسية قد تتطور إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة في قطاع غزة، وقد تتدحرج إلى مواجهة إقليمية، في ضوء المواقف الصادرة من السيد حسن نصر الله، والتحذيرات الأردنية الصادرة عن عدد من البرلمانيين والتي سبقها تحذير لافت لملك الأردن.
السلوك المتوقع لحكومة العدو تجاه ملفي الأسرى، وفلسطيني الداخل، سيصب مزيداً من الزيت على النار التي قد تشتعل في أي لحظة، على نحو باتت مختلف الأطراف لا تسأل: هل ستشعل حكومة نتنياهو الفاشية الحرب؟ بل تسأل: متى ستشتعل؟
كشفت ردود الفعل العالمية على اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، مستوى مرتفعاً من التنديد والإدانة، على نحو عكس خشية المجتمع الدولي من التهديد الذي تشكّله حكومة نتنياهو الفاشية على الهدوء والاستقرار في المنطقة. في وقت تسعى الإدارة الأميركية إلى خفض الصراع في الشرق الأوسط، والتفرّغ بشكل أكبر للأزمات الاقتصادية والعسكرية التي خلّفها الصراع في أوكرانيا، وإلى التفرّغ للمنافس الصيني والتهديد الروسي. إلا أن فشل مجلس الأمن في إصدار إدانة ضد السلوك الإسرائيلي، يؤكد عجز المجتمع الدولي عن ردع حكومة العدو والحد من جرائمها وعدوانها على الشعب الفلسطيني ومقدساته.
رغم عديد التهديدات التي تفرضها الحكومة الفاشية، فإن فرص مواجهتها قائمة من خلال القيام بعدة خطوات على المستوى الفلسطيني. أبرزها، تنسيق الموقف الفلسطيني، ولو بالحد الأدنى، على نحو يؤدي إلى دعم الأدوات الدبلوماسية والقانونية التي تمتلكها السلطة الفلسطينية وتفعيلها في مواجهة الحكومة الفاشية، ودعم حركات المقاطعة للعدو، وتفعيل أكبر للسفارات والجاليات الفلسطينية والعربية في الغرب، واستثمار كل أدوات القوة الناعمة الفلسطينية – إعلام، فن، رياضة -بما يؤدي إلى تشكيل رأي عام عالمي يعزل حكومة العدو وينتزع الشرعية عنها.
إن نجاح تفعيل أدوات القوة الناعمة في مواجهة العدو، مرهون بتوسيع الحراك الشعبي الفلسطيني على الجبهات كافة، ولا سيما في القدس والضفة وفلسطينيي الداخل المحتل، ومرهون كذلك بتطوير الفعل العسكري للخلايا المسلحة في الضفة الغربية ورفع مستوى الجاهزية العسكرية للغرفة المشتركة للمقاومة في قطاع غزة، ومحور المقاومة في المنطقة. وهو ما يتطلب ترتيب البيت الفلسطيني على الأقل مرحلياً لمواجهة التحدي الصهيوني الفاشي، فليس المطلوب حل كل القضايا العالقة، بل السعي لتثبيت قاعدة عمل مشترك بهدف واحد متفق عليه وهو مواجهة حكومة غلاة المستوطنين.
وهو الأمر الذي يستوجب تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، للاتفاق على خطة وطنية شاملة تحدد مهام القوى الفاعلة كافة وتفجر طاقات الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم. فتتركّز مهمة السلطة الفلسطينية، باعتبارها المؤسسة المعترف بها دولياً، على تفعيل الأداتين السياسية والقانونية واستنهاض السفارات الفلسطينية في الخارج، بينما تبدأ الفصائل وقوى المقاومة بتطوير أدوات المقاومة الشعبية والعسكرية على الأرض، لتتناغم القوتان الرئيسيتان على الساحة الفلسطينية –حركتا حماس وفتح- في توزيع وتكامل الأدوار والمهام وتقليص مساحات الخلاف إلى الحد الأدنى وتعظيم مساحات الوفاق إلى الحد الأقصى.
رغم أن مسؤولية نجاح توحيد وتنسيق جهود مواجهة العدو تقع على عاتق كل المكونات الوطنية، إلا أن المسؤولية الأكبر بالمبادرة يتحملها رئيس السلطة السيد محمود عباس، بينما يناط بحركة حماس مسؤولية الاستجابة، فهل ستحدث المبادرة وتقابل بالاستجابة؟
نقدّر بأن التحديات ستفرض على الطرفين المبادرة والاستجابة، ولكن يبقى الاختبار ليس في البدايات، بل في النهايات، وإلى أي حد ستنفذ البرامج والتوافقات على الأرض.
قد تكون التجارب السابقة لا تدعو إلى التفاؤل، إلا أن تعقيدات المرحلة الراهنة يجب أن تدعونا لنتفاءل أكثر من أي وقت مضى.