المنار.. القناة التي لا تلين
أقدمت إدارة “عرب سات” أمس على حجب بثّ قناة “المنار” عن قمرها. خطوةٌ لاقت استنكارًا واسعًا من المؤيدين للفكر المقاوم، فهي لا يمكن أن تُفسّر سوى أنها إجراء قمعي يرمي إلى إسكات صوت الإعلام المقاوم الذي بات يزعج أصحاب الأقمار الاصطناعية الذين يريدون فرض مشهد سياسي واحد على المحطات العربية والفضائية كافّة. الإجراء المتخذ بحقّ المنار ليس الأول، فمنذ انطلاقتها قبل 24 عامًا، وضعت القناة نُصب أعيُنها تحدياتٍ جمّة على رأسها مواجهة المخطّط الصهيوني المرسوم للبنان مهما بلغت الأثمان. تفرّعات هذا المخطّط تلاحقت، والمخاطر تنوّعت: تفجير وقصف وكمّ للأفواه.
في البداية، استطاعت “المنار” تجاوز كلّ محاولات إقصائها عن البثّ المحلي التجريبي.. نجحت في حجز مكانة لها على موجتي 8 و21 UHF في حزيران عام 1991. حينها، اتخذت من شقة صغيرة داخل مبنى بأحد أحياء حارة حريك وسط الضاحية الجنوبية لبيروت مقرًّا لها، ويومها حاولت بعض المجموعات المعادية للمقاومة إسكات هذا الصوت عبر سرقة الموجة 8. إصرار القيّمين آنذاك على المحطة أجهض تلك المحاولات. ومع ارتفاع نسبة الطلب على مشاهدتها، اقتنت المجموعة اللبنانية للإرسال مُرسلة “emetteur” صغيرة الحجم فنصبتها على مئذنة مسجد الرسول الأعظم (ص) وكانت الضاحية أولى المناطق التي شملتها تغطية “المنار”.
في تشرين الأول من العام 1991، خرجت “المنار” بأول نشرة إخبارية استمرّت على الهواء قرابة العشرين دقيقة، ومنذ ذلك الوقت اعتُمد موعد الثامنة إلّا ربعًا لنشرة الأخبار التفصيلية. بعدها استبُدلت تقنيات التصوير المتواضعة من صيغة VHS بتقنية SVHS، ثمّ UMATIC وBetacam SV المحترفة، وحصلت “المنار” على أول سيارة متواضعة للنقل الخارجي. في ذلك الحين كان التلفزيون عبارة عن استديوهين: واحد صغير للأخبار وآخر أكبر للبرامج المباشرة أو المسجّلة ومن غرفة تحكم واحدة، وكان البث من الخامسة عصرًا حتى منتصف الليل، كل ذلك قبل الحصول على الترخيص الرسمي، إذ تمّت معه تقوية البثّ لتغطية بيروت ثم كلّ الأراضي اللبنانية عبر المحطة الأرضية.
سلكت “المنار” طريقها الإعلامي، واكبت عمليات المقاومة الأولى.. ظلّت على المنوال نفسه حتى غطّت التحرير عام 2000. بعد 25 أيار من هذا العام، انتقلت “المنار” إلى البثّ الفضائي. أخبار المقاومة وما كرّسته بعد دحر الصهاينة عن الأراضي اللبنانية المحتلة وتحطيم “أسطورة الجيش الذي لا يُقهر” أزعج حلفاء “تل أبيب”. بدأ العداء الأميركي تجاه القناة، وتُرجم بشكل أوضح في 3 أيار/مايو 2003 عندما منع وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول خلال زيارته لدمشق مراسل القناة من حضور مؤتمره الصحفي. وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، احتجّت مصلحة الدولة الأمريكية لدى ممثليها السوريين واللبنانيين عندما تمّ الإعلان عن بث القناة لمسلسل “الشتات” بحجّة تأجيج معاداة السامية.
لم يقف الوضع عند هذا الحدّ، فمعهد “إعلام الشرق الأوسط والأبحاث” الذي يعتبر أحد اللوبيات الإسرائيلية في واشنطن شنّ حملة دولية لمنع بثّ قناة المنار. واستكمالًا لمسعى المعهد، قام المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا بإخطار المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي. مسعى أدّى في المحصلة إلى إيقاف فرنسا عام 2004 بثّ تلفزيون “المنار” وفق ما أعلنت حينها إدارة القمر الصناعي “يوتلسات” الذي يتّخذ من باريس مقرًا له.
في الفترة التي كان يدور الجدل فيها حول منع قناة المنار في فرنسا، كانت حملة أخرى تجري في أستراليا وذلك بمبادرة من النائب العمالي روبرت راي. وتم بموجبها حظر القناة من القمر الصناعي “تاربس” وبطلب من رئيس وزراء الاحتلال السابق أرييل شارون، تم إنشاء
خلية تنسيق بواشنطن لكي تطال الرقابة كل أنحاء العالم، وسميت “التحالف ضد الإعلام الإرهابي”، واتخذ هذا التحالف موضعا في مقرات مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وهي منظمة صهيونية فاعلة.
وفي تموز/يوليو عام 2004، أيضَا قامت اسبانيا بسحب إشارة المنار من القمر الصناعي العمومي إيسباسات الموجه صوب أمريكا اللاتينية. وتدخل مركز سايمون ويسنتال أمام الحكومة الفرنسية لكي يقطع غلوباست الموجه لآسيا ، وهو فرع آخر من فروع الاتصالات الفرنسية، إشارة القناة.
المُرسلة التي نصبتها المنار على مئذنة مسجد الرسول (ص) لتوسيع مجال تغطيتها للمناطق
وفي كانون الثاني/يناير 2006 أمر وزير العدل الهولندي بقطع إشارة القناة في نيو سكايز ساتيلايت الذي يبث هو بدوره في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي آذار/مارس 2006، قام قطاع الخزينة الأمريكية بتجميد عائدات المؤسسات المرتبطة بقناة المنار في البنوك الأمريكية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وضعت محافظة الدولة قناة المنار في قائمتها المتضمنة “منظمات إرهابية” . وكانت القناة أول مؤسسة إعلامية توضع ضمن هذه القائمة. كما قامت الشركتان المالكان لقمري أنتل سات وغلوبكاست، وهي فرع من فروع الاتصالات الفرنسية بمنع بث قناة المنار في أميركا الشمالية.
كلّ تلك الإجراءات المعادية لم تثنِ المنار عن متابعة واجبها الإعلامي المقاوم، ظلّت على المنوال نفسه حتى غطّت كلّ الانتهاكات الحقوقية والقصف الهمجي للبنان إبّان العدوان الصهيوني عام 2006. اليوم، حجبت إدارة “عرب سات” المنار عن البثّ على قمرها دون إخطار مسبق. رئيس مجلس إدارة قناة المنار ابراهيم فرحات أوضح في تصريحات صحافية أن القناة تلقّت بريدًا الكترونيًّا يعلمها بوقف البثّ، بسبب ما ورد على لسان أحد الضيوف في حلقة تلفزيونيّة مباشرة بُثّت في التاسع عشر من نيسان الماضي بالرغم من أنّ المذيع أشار في الحلقة المذكورة، إلى أنّ ما ورد على لسان الضيف لا يمثّل سياسة القناة”، لافتًا إلى أنّ القناة ستدرس الموقف لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتحتفظ بحقّها القانونيّ في الردّ.
وأكد فرحات أن حجب “المنار” عن أقمار الشركة لن يؤثّر عليها بشكل كبير، إذ أنّ نسبة 5 في المئة من مشاهديها فقط تتابعها عبر “عرب سات”، مشيرًا إلى أن الدولة اللبنانيّة لم تتخذ أيّ إجراء يمنع شركة “عرب سات” من التمادي في الاعتداء على حريّة الإعلام في لبنان، وعلى حقوقها السياديّة إذ لا يحقّ للشركة أن تبتّ بحجب قنوات لبنانيّة حيث أنّ الأمر يعود لـ “المجلس الوطني للإعلام” والحكومة اللبنانيّة.
بدوره، أبلغ رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفظ موقع “العهد الإخباري” أن المجلس بصدد دراسة سلسلة من التدابير ردًا على الوقف التعسّفي لـ”المنار”، وفق توصيفه، مضيفًا إن المجلس معنيّ بحماية إعلامه اللبناني ومن أجل ذلك سيشارك في اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات الذي سيعقد يوم الاثنين المقبل في المجلس النيابي، باعتبار أن الدولة مسؤولة عن صون وسائل الإعلام المحلية، ولذلك من المفترض اتخاذ تدابير ردًا على القرار الصادر.
كما تحدّث عن اجتماع آخر سيعقده مع إدارة قناة المنار للبحث في الاجراءات التي ستتخذ، واجتماع ثانٍ مع المؤسسات الإعلامية والمسموعة، موضحًا أن المجلس سيوجّه كتابًا الى الجامعة العربية لأن أي قرار كان يفترض أن يُتخذ عبر المجلس الوزاري العربي حسب ما تنصّ الوثيقة الإعلامية الصادرة عام 2008. وقال قد ندعو مديري الكابلات الى إنزال المؤسسات الإعلامية التي يتعامل معها عرب سات، خاتمًا بالتشديد على معاقبة إدارة عرب سات.
[ad_2]