الملك الإسرائيلي وولي عهده الجديد
د. مصطفى يوسف اللداوي
يتطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية زعيم حزب الليكود الحاكم بنيامين نتنياهو أن يكون ملك “إسرائيل”، الحاكم بأمره والمتصرف في شؤونها وحده، ويحلم أن يعيد أطماع ممالك بني “إسرائيل” البائدة، وأمجاد ملوكها وأنبيائها، وقد أثلج صدره وأرضى غروره إطلاق صفة “الملك” عليه، فمضى وكأن أحداً لا ينافسه، ولا حزب أو زعيم يهدده، ولا معارضة تقوى على تهديد ملكه وزعزعة عرشه، معتقداً أن كل من حوله باتوا صغاراً في مملكته، ورعايا لعرشه، ومواطنين تحت حكمه، يبايعونه ملكاً، ويؤدون إليه فروض الطاعة حاكماً، ويتطلعون إلى رضاه، فهو أملهم في الأمن والاستقرار، بل في الوجود والبقاء.
تلك هي أحلام بيبي الصغير الذي غدا بنيامين، متربعاً على كرسي رئيس الحكومة للمرة الثالثة، ويخطط بيقينٍ للرابعة، دون خوفٍ من فقدانها، أو قلقٍ على ذهابها، إلا أن بعض الإسرائيليين يرون أنها أضغاثُ أحلام، وأماني مهووسٍ بالسلطة، ورجلٍ يعيش خارج الواقع، ويرون أنه لا يقوى على المضي وحده، ولا المسير بمفرده، ما يضطره إلى استعراض القوة، والتظاهر بالقدرة، إلا أنه خالف ظنونهم وصدم أحلامهم، وسمى حليفه الدب الروسي زعيم حزب “إسرائيل” بيتنا أفيغودور ليبرمان ولياً للعهد، وحاكماً من بعده، ونادى في أتباعه ومريديه ليبايعوه ولياً للعهد، ورئيساً للحكومة الإسرائيلية بالإنابة وفي الغياب وفي حال التنحي والتنازل.
أما العرب والفلسطينيون فقد أصابتهم السكرة وأربكتهم الصدمة، وهالتهم الإعلانات الانتخابية المتوالية، وهم يتابعون قرارات نتنياهو ويرون نتائجها، ويتابعون مختلف المؤسسات الإسرائيلية ومراكز البحث والاستطلاع والرصد والتنبؤ، التي تتنبأ بترسيخ أقدام ملك “إسرائيل” الجديد وولي عهده، فقد راهن بعضهم على نتنياهو الذي بكر يالانتخابات التشريعية فراراً من تصويتٍ على سياسته وميزانيته، التي بدت وكأنها محاكمة أو محاسبة، أنه سيغير من سياسته، وأنه سيبدل من تحالفاته، مخافة أن يصل بسببهم إلى طريقٍ مسدود، ومقاطعة دولية حقيقية، وهو يعلم أن عقول حلفائه خشبية، وسياستهم عدمية، وأنهم ينفرون الحلفاء، ويفرقون الأصدقاء، ويفضون من حولهم المريدين والأتباع، ومع ذلك فقد أعاد التحالف معهم، وثبت أسس التكتل بولايةِ عهدٍ جديدة وغريبة، يكون بموجبها “الحمال العتال” القادم من روسيا إلى أرضٍ ليست أرضه، رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وفق إعلاناتٍ سياسية لا يخجل منها ولا يخاف.
سياسات ولي العهد الإسرائيلي الجديد أشد عنفاً وتطرفاً من سياسات الملك العتيد، فهو يعلن صراحةً أنه لا وجود لشعبٍ فلسطيني داخل فلسطين، وأنه يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تطردهم من أرض المملكة، كما لا اعتراف بزعيمٍ فلسطيني مهما بالغ في التنازل، وأمعن في الاستخذاء وتقديم فروض الطاعة والولاء، فلا اعتراف بهذا الشريك وإن استحال عبداً مملوكاً، أو أجيراً أميناً، فهو بزعمه لم يقم بما يجب، ولم ينفذ الأوامر المطلوبة، وما زال عليه الكثير لبنفذه حتى يفنى، فهو لا يصلح للشراكة ولا ينفع للخدمة.
ويعلن ولي العهد أن كل الأهداف مشروعة من أجل سلامة نفس “إسرائيل” وراحتها، فالسد العالي يمكن تدميره، وصحراء سيناء يجب اعادتها إلى السيادة الإسرائيلية، وقطاع غزة يجب إخضاعه وإعادة تقليم أظافره عبر عمليات تصفيةٍ ممنهجة، تطال القادة والأفراد، العسكريين والأمنيين، والسياسيين والشعبيين، المعلنيين والسريين في الداخل والخارج، ويجب ضرب كل هدفٍ بعيدٍ أو قريب يشكل خطراً على كيانهم، فدائرة أعداء “إسرائيل” تتسع، ولكن ذراعها يجب أن يطال طهران والخرطوم والقاهرة ودمشق وبيروت وإسلام آباد.
ولسلامة أمن “إسرائيل” وراحة مواطنيها، ينبغي على دول أوروبا وقف الدعم للسلطة الفلسطينية، والامتناع عن تمويل المشاريع الاقتصادية، أو تقديم المساعدات لها، والقيام بالزيارات أو استقبال الوفود الفلسطينية، فالمال الذي تقدمه دول أوروبا للفلسطينيين إنما يستخدم في تمويل الإرهاب ضد مواطنيهم، وشراء السلاح لحرب كيانهم، وعلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أن يمارسوا ضغوطهم على المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ليمتنعوا بدورهم عن الامويل والإسناد.
إنه فرحٌ مختالٌ ببرامج العزلة، وشعارات الكراهية، وطبول الحرب، ومفردات العداء، وسيايات التشدد والتطرف، فهي شعاراته الانتخابية وبرامجه السياسية، وعلى أساسها يبني تحالفاته، ويشارك في تشكيل الحكومات، ولا يخجل من تردادها في كل المناسبات والمحافل، وهو أمرٌ يعجب نتنياهو، إذ هو بحاجةٍ إلى ثورٍ هائج، وبوقٍ إعلامي فاضح، يكشف الحقائق، ويظهر النوايا، ويعبر بلا خوف، ضماناً للأصوات المتطرفة والأحزاب الدينية المتشددة، في الوقت الذي يحاول أن يسوق نفسه بأنه معتدلٌ وساعٍ للسلام، فلا طبول للحرب يدقها، ولا تهدياتٌ يطلقها، ولا اعتداءاتٍ على الجوار ينفذها، وأنه وحده الذي يعبر عن سياسة الحكومة التي يرأسها.
مراسمُ تتويج الملك الإسرائيلي وولي عهده، يجب أن تكون إعلاناً لعزل كيانهم، وفضح سياساتهم، وإيذاناً بالوحدة لقتالهم، والاتفاق لمواجهتهم، لأن شروط التتويج والتعيين هي السياسيات الإسرائيلية الحقيقية، وما سواها ليس إلا سرابٌ وخيال، ومكرٌ وخداع، فلا سلام مع هذا العدو، ولا تعايش معه، ولا اطمئنان إلى سياساته وسولوكياته، وسيبقى كما عرفناه، محتلاً غاصباً، عدوانياً خائناً، لا يبالي بقتلنا ولا يتأخر عن حربنا، ولعل خير ما نواجه به هذا الحلف الغادر المحترف للقتل، وحدةُ الشعب واتفاق القوى، وإنكار كل ادعاءات السلام، وشعارات الوفاق، ورفض خيارات المفاوضات واعتماد خيار المقاومة، إذ لا احترام لضعيف ولا تقدير لمتسول.