المقرر الجامعي حول سلامة الصحفيين: لكي لا يمسي صانع الحدث هو الحدث
موقع إنباء الإخباري ـ
إيمان مصطفى:
في 13 نيسان من عام 2014 خرج حمزة الحاج حسن مراسل قناة “المنار” متوجهًا إلى سوريا لتغطية تحرير معلولا، ولم يعد…
لم يعلم محبو حمزة أن وداعهم له صباح ذلك اليوم سيكون الأخير، وأن مكتبه في “المنار” سيفتقد وجوده، فحمزة الذي خرج لصناعة ونقل الخبر أمسى هو الخبر.
عند الثالثة تقريبًا من بعد ظهر الاثنين في 14 نيسان 2014، كان حمزة الحاج حسن، محمد منتش، حليم علوه، محمد قصاص وجعفر حسن في موكب إعلامي لقناة “المنار” متوجه إلى نقطة داخل معلولا من أجل البث المباشر.
لكن الشهادة انتظرتهم في منتصف الطريق عندما كمن مسلحون إرهايبون للوفد الإعلامي وصبّوا جام رصاصهم على الوفد الذي كان يقود سيارات عليها إشارات الإعلام، فأصيب حمزة في صدره وخاصرته وقدميه وفارق الحياة على الفور، كما استشهد مسؤول النقل المباشر حليم علوه والمسؤول بإعلام المقاومة الاسلامية الحربي محمد منتش، وأيضاً اصيب المصوّر محمد قصاص وجعفر حسن إصابات متوسطة. هم مثال من مئات الصحافيين الكادحين وسط هذه الغابة الهوجاء، يدركون أن طريق الحقيقة مكلف ومكلف جداً، ولكنهم يتابعون التغطية ونقل الخبر، حتى يمسي صانع الحدث هو الحدث.
بحسب إحصاءات اليونسكو، فإن أكثر من 700 صحافي قتلوا في أداء واجبهم منذ عام 2006، تسعة من بين كل عشرة من هؤلاء الصحفيين الذين قتلوا هم مراسلون وصحفيون محليون.
في عام 2015 وحده، رصدت اليونسكو أكثر من 70 حالة قتل للعاملين في مجال الاعلام.
في المتوسط، صحفي واحد يموت كل خمسة أيام في السعي لتغطية الخبر، ويبلغ عدد الصحفيين الذكور حوالي 94٪ من بين الصحفيين الذين قتلوا.
من 2006 إلى 2014 ووسائل الإعلام المطبوعة لديها النصيب الاكبر من حالات القتل حيث بلغت نسبة الصحفيين الذين قتلوا 40٪ من الضحايا. يأتي التلفزيون ثانياً مع نسبة 28٪، في حين يمثل صحافيو الراديو 21٪ من الضحايا. المتبقي من الاحصاءات 6٪ للصحفيين على شبكة الإنترنت و 5٪ للصحفيين الناشطين في مواقع متعددة.
بدورها أشارت منظمة “صحفيون بلا حدود” إلى أن أكثر الدول التي شهدت مقتل صحفيين كانت العراق وسوريا وفرنسا، التي شهدت الهجوم على مقر صحيفة “تشارلي إيبدو” الساخرة في باريس، وفقا “لفرانس برس”. وبحسب التقرير السنوي للمنظمة، فإن العراق وسوريا هما أخطر دولتين للعمل الصحافي، تليهما فرنسا ثم اليمن وجنوب السودان والهند والمكسيك والفلبين. ويتبين من الإحصائيات أن مناطق النزاع في الدول العربية تمثل خطراً كبيراً على الصحفيين، خصوصاً الميدانيين منهم.
الثمن لممارسة مهنة الصحافة في مناطق النزاع: الخطف، القتل، الاعتقال، أو الموت بالسيارات المفخخة أو العبوات الناسفة. وتعد عمليات القتل، الاختطاف، والتهديد انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير… وما يزيد من حدتها إفلات المجرمين من العقاب، فطالما أن مرتكبي الجرائم يُدركون أنهم لن يتحملوا مسؤولية جرائمهم، سيبقى الصحفيون أهدافاً سهلة ومستمرة لهم.
في هذا الصدد يأتي السؤال: مَن المسؤول عن حماية الصحفيين؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى قواعد القانون الدولي الإنساني الذي هو المصدر الوحيد لهذه الحماية القانونية، فماذا يقول القانون في شأن حماية الصحفيين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة؟
على مدار أكثر من 60 عاما صدرت قوانين دولية عديدة لحماية الصحفيين وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم في حالات الحرب والنزاعات العسكرية، أبرزها المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية والتي نصّت على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين. بالإضافة الى القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي الذي نص على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، ومساواة سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين .
لكن سلامة الصحفيين الذين يكلفون بمهمات وتغطيات خطرة لا يمكن ضمانها دوماً، والعاملون في مجال جمع الأخبار لا يمكن أن يحصلوا على ضمانات من الأطراف المتحاربة بضمان سلامتهم بالكامل. وقد كشفت حوادث الاعتداء على الصحفيين في الحروب التي وقعت، وخصوصاً في الحرب السورية، عن ضعف الحماية الدولية للصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات.
وقد برز للعيان اهتمام الأطراف المتحاربة بإحراز النصر في المعركة الإعلامية أكثر من الاهتمام باحترام وحماية الصحفيين.
من هنا، وفي ظل ازدياد مخاطر التغطية الإعلامية للحروب وغياب الحماية، أصبح يتعين على الصحافي نفسه أن يكون مؤهلاً لحماية نفسه وأن يمتلك الكفايات المطلوبة التي تخوّله للقيام بهذا العمل. فنتيجة للمخاطر التي يواجهها الإعلاميون والصحفيون، خصوصاً في نزاعات منطقة الشرق الأوسط، نظم مكتب اليونسكو في بيروت مؤتمراً اقليمياً في شباط الماضي بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين ومديرية التعليم العالي في لبنان، لمناقشة “المقرر الجامعي حول سلامة الصحفيين”. جمع المؤتمر حوالي 40 مشاركاً يمثلون جامعات في لبنان والدول العربية المشاركة، بالإضافة إلى خبراء من اليونسكو والاتحاد الدولي للصحفيين، بهدف مناقشة وإقرار مسودة لمقرر تعليمي حول سلامة الصحفيين.
لمعرفة أهداف هذا المقرر كان لنا لقاء مع المسؤول الاعلامي في مكتب اليونسكو في بيروت جاد مرعي الذي أكد بدايةً على اهمية الاعتراف أن سلامة الصحفيين باتت معضلة ولا يجوز القول إنها مشكلة عرضية، فهناك استهداف مباشر لوسائل الاعلام، بالاحرى هناك صحافيون يجدون أنفسهم لا يستطيعون التعامل مع مواقف يتعرضون لها، وهذه المواقف إما بمناطق النزاع أو في الكوارث الطبيعية.
وأشار مرعي إلى الضعف في أداء الصحافي في مثل هذه المواقف، وإلى أن المقررات الصحافية والمناهج الصحافية الحالية في الجامعات وكليات الاعلام لا تتعامل مع مسألة السلامة بقدر ما تتعامل مع الأمور التقنية مثل الأداء العام والحقوق.
وتطرق إلى الحاجة للجانب العملي في هذا الإطار، فالصحافي المعني بتغطية أحداث شغب مثلا أو الحروب أو المظاهرات و الكوارث يجب أن يتحلى بقدرات و سلوكيات معينة، بل أكد أن عليه أن ياخذ إجراءات السلامة اللازمة.
من هنا أشار مرعي إلى دور اليونسكو من أجل العمل على حماية الصحفيين من خلال تحضير الصحافي عبر مقرر جامعي يتم من خلال تحديث المنهاج التعليمي الحالي في كليات الصحافة، وتطوير هذا المقرر من أجل خلق بيئة تمكّن الجيل الجديد من الصحفيين من تغطية مختلف الأحداث بشكل أكثر أماناً واحترافية، مع الأخذ بعين الاعتبار المعايير العالمية المعتمدة وخصوصاً في العالم العربي والذي يعتبر من أكثر المناطق خطراً للعمل الصحافي.
يأتي هذا الحدث في إطار مهام اليونسكو والاتحاد الدولي للصحفيين لتشجيع حرية التعبير ودعم استقلالية و تعددية الإعلام وحق الوصول إلى المعلومات. كما يأتي في سياق خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومنع وإدانة الجرائم المرتكبة ضدهم.
فهل تؤتي هذه الجهود أُكُلَها، وهل يحظى الصحافيون العاملون في مناطق النزاعات بشيء من الحماية والعناية، أم أن هؤلاء الصحافيين سيبقون دائماً الضحايا الأبرز لهذه النزاعات؟