المقاومة .. معادلة الوطن
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
قد يكون الخشب هو الأثمن في حياة الإنسان الذي لا يرى من حوله إلا كرسياً خشبياً يشكل له كل البداية والنهاية، وقد يكون الخشب أيضاً هو المثال الأعلى لمن لا يرى في الوطن إلا ملعباً يحاول أن يحجز لنفسه مكاناً فيه حتى ولو كان هذا المكان على دكة الإحتياط، وقد يكون الخشب هو نقلة نوعية في حياة الإنسان الذي ما زال حتى الساعة يعيش في دائرة العصور الحجرية ولم يعِ بأن مفاهيم الحياة قد تغيرت وأن المجتمعات قد تطورت وأن الإنسان قد انتقل من مفهوم الإنسان العددي الى مفهوم الإنسان القيمة، وأن الوطن قد انتقل من مفهوم البداوة وترحالها الى مفهوم الإستقرار والأمان ووحدة المجتمع وارتقائه وحمايته . وقد يكون ، ويكون ، ويكون …
ولكن هذه المفاهيم لا تلامس إلا من باع نفسه للوطن، أما من باع الوطن بمليارات ثلاث لآل مرخان فإنه حكماً لن يرى في كل ما من شأنه حماية الوطن والعمل على وحدته إلا عملاً خشبياً يقضي على تطلعاته الخاصة ومصالحه الفردية المكشوفة.
ليس من الغرابة بمكان هذا التوصيف لمعادلة المقاومة عندما يخرج عن اللسان نفسه الذي طلب يوماً من المقاومة الإعتذار من جلاديها، وليس غريب أيضاً عندما يخرج ممن كان دوماً عراباً للهجمات السياسية والإعلامية التي ما كلّت ولا ملّت من محاولاتها الدائمة للنيل من المقاومة وجمهورها.
ولكن الغريب أن يعتقد صاحب النظرية الخشبية بأن نظريته هذه قد تؤثر ولو بنسبة ضئيلة جداً على نفوس المقاومين وجمهور المقاومة، فهو لا يدري أن أمتنا قد أنجبت رجالاً عاهدوا الله فصدقوا في عهدهم، وبايعوا الحق فأخلصوا في بيعتهم ، وكيف له أن يدرك ذلك وهو الذي لا يرى في حدود الوطن سوى حدود القصر وخط هاتفه الخارجي.
كيف له أن يدري بأن هؤلاء الرجال المرابطين في ثغورهم لم يلتفتوا مرة الى التلفاز إلا ليستمعوا لكلام حفيد الأنبياء، وانهم وحتى لو فكروا (ولن يفكروا) أن يمروا يوماً على خطاب خشبي لصاحب القصر فستشغلهم كثرة أخطائه اللفظية عن أي مضمون لأي خطاب .
ليس … فنحن لسنا في موقع التشهير بأحد ، ووحده التاريخ هو الذي سيسجل الفارق بين من جعل من نفسه قرباناً لقيامة الوطن وبين من جعل من الوطن قرباناً لقيامة نفسه.
ولكننا هنا نقف في موقع المقاومين الذين نفضوا عن أنفسهم غبار التجارة والسياسات الرخيصة، واتخذوا من الوطن، كل الوطن، شعاراً للحياة ولنهضة الحياة بمجتمعها الموحد الأتم. هذه المقاومة التي دفعت بفلذات أكبادها وبخيرة شبابها ليكونوا شهداء على قيامة لبنان يوم كان الكثيرون من ساسة الوطن لا هم لهم سوى جمع الأموال وسوى تقسيم الحصص السياسية والمتاجرة بلقمة عيش المواطن على مساحة لبنان كله.
هذه المقاومة التي قدم سيدها إبنه البكر شهيداً على أرض الجنوب بينما كان صاحب النظرية الخشبية لا هم له سوى أن يصل بإبنه البكر إلى ميدان كرة السلة. هذه المقاومة التي حررت الجزء الأكبر من الوطن دون منّةٍ من أحد، عندما كان صاحب النظرية مشغولاً بمحاولاته ليحجز لنفسه مكاناً بين اللاهثين للوصول إلى كرسي الرئاسة.
هذه هي المقاومة التي يراها سيد القصر خشبية، هذه هي التي ولولاها لما بقي في لبنان لا حجر ولا بشر، ولولاها لرأينا اليهود قد حولوا قصر الرئاسة في لبنان إلى ملهى ليلي، يشربون فيه كأس الإنتصار على أمتنا كما حصل في العراق من زمنٍ ليس بالبعيد.
يا سيد القصر …
لك أن تصفنا كما تريد ، فوالله ما قولك هذا إلا لأنك تدرك بأنه لم يبقَ لك مكاناً في هذا القصر، ولأنك تعرف حق المعرفة بأن زمن الصدفة الذي أوصلك إلى كرسي الرئاسة قد ذهب إلى غير رجعة.
لك أن تصفنا كما تريد، ولنا أن لا نقف عند خطابك هذا، فنحن كما انت، نعرف حق المعرفة جوهر مقاومتنا ومضمونها، وندرك ظاهرها وباطنها. فما يعادل الخشبية في مفهومك البسيط، فإنما يعادل الروح في مفهومنا العميق، أتسمعني رعاك الله ؟؟؟؟
يعادل الروح وما من شيء في هذا الكون يعادل الروح إلا الوطن، فلا خشبك يعنينا، ولا المال المرخاني يعنينا، ولا ما تخفيه خزائنك من ذهب يعنينا، وحده الوطن هو الذي يعنينا، ووحده الوطن هو الذي له مكان في خزائننا.
هي أيام قليلة، سترحل بعدها، حاملاً معك كل خطاباتك الخشبية التي ما ضرّت بناً يوماً، وستحمل معها أموالك المرخانية والكثير من خيبات الأمل التي لن تنفعك عندما تجد نفسك وحيداً تتابع مباراة لكرة السلة لناديك المفضل.
ستحمل معك كل ما حاربتنا به من أجل نفسك ولكنك ستكون وحيداً ، بينما نحن، فإننا وكما آمنا دائماً، فإننا سنحمل الوطن والمقاومة، وسنرفع أرواحنا إلى السماء لتكون المشعل الذي ينير درب الحرية والسيادة.
سنحمل كل ما في أرضنا من حق وخير وجمال، وسنصل إلى يوم النصر برؤوس مرتفعة وجباه شامخة، وحينها سنترك للتاريخ أن يكون الحكم بيننا، سيكون التاريخ وحده هو الحكم بين سجلك الخشبي، وبين سجلنا النضالي، وحينها سنكون نحن صوت الحق الناطق، وستكون وحدك المستمع، لتسمع بأن معادلة المقاومة هي معادلة الوطن كل الوطن.