المفاوضة لا تعني المصالحة.. ترامب يزجّ إيران في الانتخابات الأميركية؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. عصام نعمان:
دونالد ترامب مولع بالإثارة. فهي تسلّط الأضواء وتجتذب الدعاية، وترامب مولع بالدعاية لنفسه.
الإثارة قنبلة، صاعقها المفأجاة. ترامب فجّر قنبلته الدعاوية الأخيرة بالضغط على صاعق الإعلان عن استعداده لمفاوضة إيران بلا شروط مسبقة. الجميع أُخذ على حين غرة. صحيح أنّ للرجل سوابق من هذا الطراز ليس أقلّها مفاجأة لقاء ومفاوضة الرفيق كيم، رئيس كوريا الشمالية، لكن أحداً لم يتوقع أن يبلغ «الجنون» لدى الرئيس الأميركي المترع بعدائه للجمهورية الإسلامية حدّ دعوتها إلى التفاوض معه دونما شروط.
اللافت أنّ وزير خارجيته المتشدّد مايك بومبيو كان أعلن عن إثني عشر شرطاً يقتضي أن تفي بها طهران لتتقبّل واشنطن مبدأ التفاوض معها. بومبيو رحّب، بطبيعة الحال، بإعلان رئيسه المفاجئ حول مفاوضة إيران، لكنه لم يتخلّ عن شروطه المسبقة إزاءها ما يعني أنّ المفاوضة، في مفهومه كما في مفهوم رئيسه، لا تعني بالضرورة المصالحة.
لماذا فعلها ترامب؟
ثمة تفسيرات واجتهادات متعدّدة في أميركا وإيران والعالم حول هذه الأُحجية.
في الولايات المتحدة، التفسير الرائج أنّ ترامب فعلها لسببين: الأول، ليظهر أمام الرأي العام الأميركي، عشية الانتخابات النصفية في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بمظهر «رجل الدولة المسالم» الأمر الذي يعزّز فرص المرشحين من حزبه الجمهوري بالنجاح. الثاني، أنّ رفض إيران مصافحة يده الممدودة إليها – وهذا هو المرجّح – من شأنه أن يعزّز، في رأيه، موقف الولايات المتحدة عالمياً ويسيء إلى الجمهورية الإسلامية داخلياً وخارجياً.
في إيران، أطلق إعلان ترامب التفاوضي مباراة متمادية في ردود الفعل لدى قيادات الدولة والحرس الثوري. معظم ردود الفعل كان سلبياً، قاسمها المشترك عدم الثقة بالولايات المتحدة عموماً وبترامب خصوصاً، وأعنفها موقف قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، القائل: «إيران ليست كوريا الشمالية كي تقبل عرضك عقد اجتماع … حتى رؤساء الولايات المتحدة الذين سيأتون بعدك لن يروا هذا اليوم»!
في العالم، لم يُخفِ الساسة والإعلاميون المعنيون بملف العلاقات الأميركية – الإيرانية شعورهم بالمفاجأة، لكن أحداً لم يستهجن مبادرة ترامب وإنْ لم ينتظر لها نجاحاً. في عالم العرب والمسلمين، لا أصدقاء إيران ولا خصومها «قبضوا» مبادرة ترامب جدّياً، ولعلّ بين خصومها مَن استهجن فعلة الرئيس الأميركي وسَرّه أنها لم تلقَ ترحيباً في طهران.
ماذا في المحصلة؟
ثمة رأي في إيران، كما لدى المراقبين ومتابعي مشهد العلاقات الأميركية الإيرانية، مفاده انّ طهران لم ترفض مبدأ التفاوض مع أميركا إنما رفضت مبادرة ترامب المفتقرة إلى أيّ ضمانات بشأن استعداد واشنطن لتغيير موقفها العدائي من إيران عموماً ومن الاتفاق النووي، خصوصاً بعدما ألغته من جانب واحد بالرغم من كونه اتفاقاً متعدّد الأطراف وسبق لمجلس الأمن الدولي أن أقرّه بإجماع أعضائه.
في هذا المناخ المائل قليلاً نحو الإيجابية، تَرَدّد بقوة انّ سلطنة عُمان، بشخص السلطان قابوس، تنوي القيام بدور الوسيط النشيط بين واشنطن وطهران من أجل تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر بين الطرفين اللذين تربطهما بها علاقات ومصالح مشتركة.
أياً ما سيكون مصير الوساطة العُمانية، فإنّ كِلا الطرفين غير منزعج مما ستؤول إليه مبادرة ترامب. فالرئيس الأميركي وحزبه الجمهوري سيستغلانها لتعزيز حظوظ مرشحيهم في الانتخابات النصفية المقبلة، وإيران ستحرص على المضيّ في القول إنّ ترامب ما كان ليعلن استعداده لمفاوضتها لولا اقتناعه، بأنه أخطأ بإعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي ما أدّى الى إغضاب أصدقائه وحلفائه، ولا سيما الأوروبيّين منهم، الذين وجدوا ويجدون في إلغاء الاتفاق إساءة إلى التعاون بين الدول في ميداني السياسة والاقتصاد، كذلك إساءة الى العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف دول العالم وإيران، ولا سيما منها دول الاتحاد الأوروبي.
غير أنّ أهمّ ما يمكن أن ينجم عن مبادرة ترامب نشوء مناخ من التعاطي السياسي والدبلوماسي «السلمي» في العالم يساعد في جعل الحوار والتفاوض بديلاً من الشحن الإعلامي والعنف العسكري.
متى مفاجأة ترامب المقبلة؟
وزير سابق
[ad_2]