المعركة حول الحرمين الشريفين مُحِقَّة أم مَشبوهة؟
تُعبّر العربيّة السعوديّة، عن غَضبِها وامتعاضِها من تقرير الهيئة الدوليّة لمُراقبة إدارة السعوديّة للحرمين الشريفين، حيث أكّد التقرير أن هُناك انتهاكات من السلطات السعوديّة لحق المُسلمين في عباداتهم في الأماكن المُقدّسة، ومُمارسة الابتزاز السياسي بحِصص الحج، بالإضافة إلى استخدام منابر المساجد لأغراضٍ سياسيّة، واعتقال وترحيل مُعتمرين بطُرقٍ غير قانونيّة.
هذا التقرير الذي تعتبره السعوديّة “مَشبوهاً”، ويَسعى إلى انتزاع إدارة الحرمين من مَهامِها، وتدويل إدارته بين الدول، وعدم حصرها بسُلطات المملكة، صادِرٌ عن الهيئة التي أُعلن عن إنشائها هذا العام في ماليزيا، وبحسب بيان الهيئة، فإنّها تسعى أيضاً إلى وقف أعمال طَمس الهويّة الإسلاميّة في كُل من مكّة والمدينة، بحُجّة التوسّع العُمراني الذي تقوم به بلاد الحرمين.
السعوديّة إلى جانب دُولٍ خليجيّةٍ أُخرى، استعانت رموزها “الاستشاريين الإعلاميين”، بموقع التدوينات القصيرة “توتير”، وأطلقت العنان لحساباتها أن تُغرّد ضمن وسم “هاشتاق” حمل اسم “إلا الحرمين”، في مُقابل “هاشتاق” أطلقته قطر تحت عُنوان “تدويل الحرمين”، وهو ما تحوّل إلى معركة افتراضيّة، دافع فيها كُلٌّ عن وجهة نظره، كما “أفرط” الطرفان في استحضار إيجابيّات، وسلبيّات، إدارة السعوديّة لملف خدمة حُجاج بيت الله الحرام.
لا أحد يستطيع أن يُنكر أبداً، أن للسلطات السعوديّة خبرة طويلة في إدارة الحرمين، كما أنها تَحرص كل الحرص على خدمة الحُجّاج، فهو واجبها المفروض على حُكومتها، ولا يجوز أن تُمنّن فيه جميلاً على أحد، ولكن لا يستطيع أحد أيضاً أن ينفي تماماً ما ورد في تقرير “الهيئة الدوليّة” حتى لو مَشبوهاً، من تجاوزات، ألم “تحرم” المملكة مُواطني دُولٍ بعينها من حقها في الحج حين اختلفت مع نِظام بلادهم؟، وألم يَستغِل شيُوخ الحرم مِنبره للهُجوم على قائِمة أعداء “الأُمّة”، وليس أوّلهم الصهاينة للأسف، وألم يُوثّق نُشطاء اعتقالهم من قِبَل سُلطات الحرمين خلال الحج، وتَسفيرهم قسراً أو حتى اعتقالهم، لانتقادهم مثلاً قيادة البٍلاد؟
ثم ألم تفقد الكعبة “رهبتها”، وحُضورها كمكانٍ مُقدّس، ونحن نرى بأُم العين ذلك التطوّر العُمراني حولها، ولا يحتاج إلى تقرير، وطُمْس كل المعالِم التي قد تُبقي أثراً للنبيّ ورسالته السماويّة، في حين أن الدول المُتقدّمة تَحرِص كل الحِرص على حضارات وديانات غير سماويّة سبقتها، وتُسخّر كل إمكانيّاتها لترميم ما تبقّى من هذا الإرث العظيم، فكيف لو كان إرث خاتم الأنبياء والمُرسلين محمد الأكرم؟
بكُل الأحوال، سُلطات المملكة لن تَقبل، ولن تتنازل بأيِّ حالٍ من الأحوال عن سُلطتها الدينيّة تلك (إدارة الحرمين)، والتي تُنصّب من خلالها نفسها زعيمةً على العالم الإسلامي، وتستمد شرعيتها الدينيّة، ولن تسمح لمثل تلك الهيئات بالاستمرار، سواء كانت مُستقلّةً أو مَشبوهة الدَّعم كما تقول.
نحن لسنا في مَعرض التَّحقيق في حقيقة تلك الهيئة الدوليّة، ولكن كوننا عربا ومُسلمين، لنا الحق كل الحق ليس في مُصادرة حق العربيّة السعوديّة في إدارة الحرمين، وإنّما مُطالبتها التحلّي بالحِياد، واحترام المُسلمين بِغَض النَّظر عن تَوجّهاتِهم، وبُلدانِهم التي أتوا مِنها، على الأقل في حَضرة الحرمين، واحتراماً لربِّ الحرمين!
خالد الجيوسي/راي اليوم