المزاعم “الكيماوية” هل هي تمهيد للتدخل؟
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
بعد فترة قصيرة من الصمت، أعادت القوى الغربية المتدخلة في الشأن الداخلي السوري أسطوانتها المشروخة والممجوجة حول الأسلحة الكيماوية السورية المزعومة، مكررة لغة الوعيد والتهديد السابقة ضد دمشق، فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة فيما يخص الأزمة السورية يوظف فيها ملف الأسلحة الكيماوية المزعومة لتبرير التدخل العسكري المباشر هذه المرة، على النحو الذي رأيناه في العراق؟
يبدو أن هناك استعجالًا للتدخل للإطاحة بالحكومة السورية لدى الولايات المتحدة وحلفائها الساعين إلى تفتيت سوريا وتفكيك منظومة المجتمع السوري متعدد الألوان والطوائف والأعراق والأديان، وخلخلة ذلك الطيف، وضرب السلم الأهلي، وغسل الأدمغة السورية التي لا يزال فكرها ينبض بالعروبة والوحدة، ويستشعر مخاطر التدخل الغربي المسنود من بعض العرب في الشأن الداخلي السوري، ويعلم تمام العلم الأجندات التي تقف خلف هذا التدخل السافر. هذا الاستعجال بدا واضحًا في اللهجة التي استخدمها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتلويح بالرد الفوري في حال أقدمت الحكومة السورية استخدام الأسلحة الكيماوية المزعومة في الصراع الدائر، حاثًّا على سرعة إرسال منظومات صواريخ باتريوت إلى تركيا.
إن لهجة أوباما ومن قبله وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون والببغاوات التي تردد من خلفهما اللهجة ذاتها تذكرنا بلهجة سلفه جورج بوش “الصغير” حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، اللهجة القائمة على إثارة الهلع بداية لدى الرأي العام العالمي عبر سلسلة طويلة من الكذب وتزييف الحقائق، لتبرير أي تصرف أحمق فيما بعد، فالغزو الأنجلو ـ أميركي للعراق بدأ بإثارة الهلع ونسج الأكاذيب بأن الرئيس العراقي صدام حسين قادر على استهداف أوروبا بتلك الأسلحة في غضون خمس وأربعين دقيقة، وذلك لتهيئة الرأي العام البريطاني والأميركي بصورة خاصة، والرأي العام العالمي بصورة عامة، حيث أعقب هذه الأكاذيب الغزو العسكري المباشر. واليوم نرى من خلال المزاعم والأكاذيب التي بدأ المسؤولون الأميركيون وببغاواتهم بترديدها، أن السيناريو العراقي يراد تكراره ضد سوريا. ويبدو أن هذه العودة القوية لبث الأكاذيب والمزاعم المغلوطة عن الأسلحة الكيماوية السورية المزعومة لها علاقة بما يجري على الأرض، فالملوحون بالتدخل الفوري ضد سوريا يعتقدون أن الوضع الميداني بات في صالح المعارضة السورية المسلحة وبقية العصابات الإرهابية طالما أن المواجهات وصلت إلى مطار دمشق، وأن الجيش العربي السوري لم يعد قادرًا على دحر هذه العصابات واستعادة المناطق المسيطر عليها من قبل هذه العصابات المسلحة، ما بات يمثل سهولة في تنفيذ عملية برية خاطفة، وبالتالي مطلوب إثارة البلبلة وهذه المزاعم من أجل إرباك الحكومة السورية وكذلك استفزازها لجرها إلى ردات فعل تعطي المتدخلين مبررًا. ولذلك فإنه وفي ظل هذا الاستعجال الأميركي من الوارد أن يتم إيجاد مبررات تحققه من خلال العصابات الإرهابية داخل سوريا، بحيث تقوم استخبارات غربية أو الاستخبارات الصهيونية بتزويدها بسلاح كيماوي والإيعاز إليها لاستخدامه لتبرير التدخل العسكري المباشر، كما أن من السهل اليوم تصنيع مواد كيماوية لا سيما من قبل تلك العصابات الإرهابية المتمرسة على صناعة متفجرات تستخدمها في تنفيذ عملياتها الإرهابية.
لا ريب إذا ما أقدم الساعون إلى التدخل العسكري المباشر في سوريا على خطوة حمقاء باستخدام سلاح كيماوي أو القيام باجتياح بري فإن الشعب السوري سوف يدفع ثمن هذا التدخل أكثر مما يدفعه الآن، حيث سيأتي ـ لا قدر الله ـ على الشعب السوري نهار وليل سرمديان من العنف والقتل والتشرد والتشرذم وعدم الاستقرار والصراع الطائفي، مثلما يسدلان الآن سدولهما على الشعب العراقي.