المخاض كبير ولا استدارة للخلف
الدكتور عمر عبد الهادي ـ عمان
في العامين الأخيرين، انتقلت الأمة العربية من حالة السكون إلى حالة الحركة، من أجل الإلتحاق بركب الأمم التي سبقتها في النهضة الشعبية عبر العقود الماضية.
تحركت أمتنا لتنتج تغييراً شاملاً في حياة أبنائها التوّاقين للحرية والتقدم بجميع مستوياته، وتنتج أنظمة حكم شعبية تحتكم لآلية تداول السلطة سلمياً، ولتضع حداً لهيمنة الرجل الواحد والأسرة الواحدة أوالحزب الواحد على مقدراتها وحاضرها ومستقبلها .
لم ينجح غيرنا من أمم الأرض بضربة واحدة أو بالضربة القاضية، في تحرير أوطانهم المحتلة من قبل الغرباء أو تحرير أنفسهم من المهيمن عليها من قبل أفراد ينتمون لأبناء جلدتهم، ولم تحقق هذه الأمم أهدافها المشروعة وتنجح بانتزاع الولاية من المحتل أو من الفرد أو العائلة وتضعها بأيادي احرار الأمة بضربة سحرية، بل دفعت جميع الأمم الباحثة عن الحرية والتحرر، ثمناً باهظاً من دماء أبنائها وخاضت امتحاناً عسيراً تكلّل بالنجاح وقطف الثمار، بعد تقديم تضحيات كبيرة ويعد طول معاناة.
لا تشذ أو تبتعد أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية، أو أمتنا العربية الإسلامية إن شئتم، عن هذه الحقائق المشهودة. لقد دشنت امتنا الإسلامية صحوتها مع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979م ، لتلتحق بها صحوة عربية بعد عقود ثلاثة، لقد انطلقت صحوة العرب متأخرة ، وخير لك أن تبدأ متأخرا من أن لا تبدأ ابدا. ولا بد للصحوة من أن تأخذ الوقت الكافي كي تمحو آثار تراكمات العقود الغابرة المحملة بالإستبداد والعورات والنقائص. وبتقديري قد نحتاج من الزمن على الأقل لعقد إضافي كي نبلغ غايتنا.
يحرّم علينا أن نصاب بالرعب والجزع عندما نشاهد ما يحدث اليوم في أم العرب مصر التي ما زالت ثائرة أو في تونس وليبيا واليمن والبحرين التي تعيش جميعها مخاضا ثورياً، أو عندما نشاهد ما يحدث من اقتتال داخلي مسلح في سورية أم بلاد الشام، اقتتال أرادته وسعت إليه أطراف محلية وأخرى عربية وأجنبية معادية، لأجل أن تحوّل المسار من الإحتجاج السلمي المشروع الى المواجهة المسلحة المدمرة وغير المشروعة، وإلى القتل على الهوية والإنتماء المذهبي. لنا أن نحزن وليس لنا أن نرتعب ونيأس، فهذه طبيعة المرحلة التي تعيشها أمتنا العربية الممتدة أوطانها من المحيط الى الخليج، أو أمتنا العربية الإسلامية الأكبر الواقعة أراضيها وبحارها بين جاكرتا شرقاً وطنجة غرباً.
نحن في حالة ثورة ونعيش مخاضها العسير منذ عامين، حيث تختلط فيه كل المفاهيم وكل الأمور وتمتزج من خلاله جميع الألوان. والمخاض يحمل بداخله عوامل صراع متعددة ومختلفة، إنها صراعات وليست صراعاً واحداً تتداخل فيها الآراء والرؤى بين أبناء الأمة الواحدة، فما نراه اليوم صائباً قد نجده خاطئاً في اليوم التالي، لكن الأمة الثائرة لا تفقد بوصلتها، والخلاصة النهائية التي نتوق إليها قادمة في نهاية المطاف، والتقدم أو التغيير الإيجابي قادم لا محالة، فثورات الشعوب قد تتعثر لكنها ما تلبث أن تنهض، لأنها تحرّم على نفسها الإستدارة إلى الخلف.
أعداء الحرية والتحرر متعددو الأشكال أيضاً، فمنهم من يتسلل إلى داخلنا من داخلنا، ومنهم من يتربص بنا من خارجنا، وهؤلاء وأولئك بعضهم أولياء بعض، وكيفما نظرت إليهم تجدهم يحملون القبح والمكر، وتراهم يوالون الشيطان ويتسلحون بكيده ، أما نحن المستضعفون فنتخذ من الرحمن ولياً ونصيراً.
إن أمد هذا المخاض وهذه الصراعات طويل، وفي نهاية المشوار لن تكون الغلبة والعزة إلا للشعوب المقاومة والمضحية المتمسكة بحقوقها والمعتمدة على خالقها. وليس لأعداء الداخل والخارج سوى الهزيمة والخزي والعار، وما النصر إلا صبر ساعة وغداً لناظره قريب.