اللاجئون السوريون في لبنان استثمار سياسي وتشويه إنساني!
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
لا شك بأنّ ما يعانيه اللاجئون السوريون في دول اللجوء، يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية، خاصة أنّ اللاجئين باتوا في تلك الدول، أداة للاستثمار السياسي يُزجّ بها عند أيّ استحقاق سياسي أو اجتماعي، ورغم مطالبة الدولة السورية مراراً وتكراراً بعودة اللاجئين، إلا أنّ التدخلات الإقليمية والدولية منعت تلك العودة لأسباب عديدة، ورغم ذلك فإنّ الدولة السورية طالبت على الدوام بتحييد ملف اللجوء عن أيّ سياق سياسي مرتبط بالأزمة لاعتبارات إنسانية، لكن بات واضحاً أنّ الكثير من دول اللجوء لا سيما لبنان وساسته يعتمدون مسارين، أحدهما المطالبة بطرد اللاجئين، والآخر يمنعون عودتهم رغبة منهم في استثمارهم سياسياً ومالياً.
من المؤسف أن نقول بأنّ شوارع لبنان وبعض مناطقه، باتت مساحة للتحريض ضدّ اللاجئين السوريين، إذ تجتاح شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار، «تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان»، تستهدف اللاجئين السوريين، وتطالب اللبنانيين بالاتحاد والتحرك بمسؤولية لتصحيح الوضع بشكل عاجل.
بحسب مواقع لبنانبة فإنّ الحملة التي أعدّتها شركة «Phenomena» للإعلانات، ودعمتها قناة «أم تي في» اللبنانية وغرفة التجارة والصناعة والتجارة اللبنانية والمنظمات الاقتصادية اللبنانية ومؤسسة «بيت لبنان العالم» غير الحكومية، لا تقتصر على اللوحات الإعلانية، بل اتخذت من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للترويج لها، وتستند الحملة على أربع مقاطع فيديو، أحدها يسلط الضوء على ولادات اللاجئين من خلال قصة لاجئ قيل إنّ اسمه إبراهيم لديه سبعة أطفال وزوجته حامل، سيسمّي مولوده بشار إنْ كان ذكراً وأسماء إنْ كانت فتاة، للإيحاء بأنه مؤيد للدولة السورية، والفيديو يستند على صور مركبة وأصوات مسجلة.
وفي إطار التشويه والتضليل المتعمّد لقضية اللاجئين السوريين في لبنان، فإنّ قيام بعض اللبنانيين بتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمرّ بها لبنان، هو تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام، خاصة أنّ الأوضاع الاقتصادية في لبنان وما آلت إليه الوقائع الاقتصادية، إنما تكمن في الفساد المتراكم منذ عقود، والذي اعتمد كأجندة أساسية من قبل من يصلون إلى الحكم، خاصة من قبل الأحزاب التي حكمت البلاد منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم، ومن المهمّ التنويه إلى أنّ الوضع الاقتصادي في لبنان لا يتزامن مع بداية أزمة السوريين وطفرتهم إلى لبنان، بل بالعكس، فقد استدرج وجود هؤلاء أموالاً ومنحاً كثيرة خلقت فرص عمل وزادت من نسبة الاستهلاك المحلي وشغلت حيّزاً يصل إلى ربع السوق العقاري.
وللتأكيد على ما سبق، فإنه ومنذ عام 2005، حذّر صندوق النقد الدولي لبنان من المخاطر الاقتصادية، في ذلك الوقت، لم يكن هناك لاجئون سوريون، وعلى مدى سنوات أظهر القطاع المصرفي أنه سالم معافى رغم أنه كان خلف الكواليس يعاني من ضغوطات متزايدة، وفي عام 2011، بدأت بوادر الخطر تلوح في الأفق بالتزامن مع اندلاع الحرب في سورية، لكن لم يعلن عن ذلك صراحة ولم يصبح الخطر جلياً للعيان حتى عام 2016، وربطاً بذلك فهل يمكن تحميل اللاجئين مسؤولية الانهيار؟ بالقطع لا، فالأرقام والنسب تُثبت أنّ الأزمة الاقتصادية لها أسباب عدة، منها: خلل الميزان التجاري، حيث كانت واردات لبنان أكبر بكثير من صادراته، والفساد المستشري في مختلف القطاعات، وقروض السلطة من المصارف اللبنانية والأجنبية وخاصة بالعملة الأجنبية.
وبالتالي، فإنّ الأزمة الإنسانية التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون في لبنان، والحملات التحريضية التي تستهدف وجودهم بشكل مباشر يجب أن تنتهي، وبناءً على ذلك يجب أن تتضافر كلّ لإيجاد حلّ مشرّف، إنساني وقانوني، لملف النازحين، فمن يجب أن يعود إلى وطنه عليه القيام بذلك، ومن لا يمكنه العودة كون لديه حالة معينة يجب إيجاد حلّ له، لأنّ الوضع أصبح خطيراً، والأهمّ هناك مسؤولية إقليمية ودولية تفترض الكف عن التدخلات في الشأن السوري، وتسهيل عملية إعادة الأعمار في سورية، ورفع العقوبات، تسهيلاً لعودة اللاجئين.
ختاماً فإنّ المقاربات التحريضية وتحميل السوريين مسؤولية الأزمات في لبنان لا يؤدّيان سوى إلى زيادة العنف والصراعات، والمؤسف أنّ هناك جهات لبنانية تقود تلك المقاربات، وهذا يعني زيادة العنف بكلّ أشكاله ضدّ السوريين، وعليه فإنّ هذا الملف يجب أن يُحلّ، وفي المقابل فإنه من الضروري تحييد أزمة السوريين عن أيّ سجال سياسي في لبنان.