الكيان المؤقت وأضغاث أحلام في لبنان
موقع الخنادق:
يبدو أن رئيس الكيان المؤقت دايفيد بن غوريون قد سكنته فكرة قيام دولة مارونية بعد سنوات قليلة على قيام الكيان اليهودي، حيث كتب رئيس الوزراء الاسرائيلي موشيه شاريت في 27 شباط /فبراير 1954 في مذكراته عن بن غوريون بأنه رأى “أن هذا الوقت الملائم للإثارة في لبنان – أي الموارنة فيه – لإعلان دولة مسيحية وقلت إن هذا حلم باطل. الموارنة منقسمون على أنفسهم. المنادون بالانفصال المسيحي أضعف من أن يجرؤوا على فعل شيء. لبنان مسيحي معناه تنازل عن منطقة صور، وطرابلس، عن سهل البقاع. لا توجد قوة مستعدة لإعادة لبنان إلى حجمه الذي كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى، ناهيك بأنه سيفقد بذلك حقه في الوجود من ناحية اقتصادية. ورد بن غوريون عليّ (على موشيه شاريت) بحدة. لم يقدم البرهان عن المبرر التاريخي للبنان مسيحي مصغر، وأضاف أنه إذا أصبح حقيقة قائمة فلن تجرؤ الدول العظمى المسيحية على الوقوف ضدها. قلت إنه لا توجد جهة قادرة على إيجاد هذه الحقيقة، وإذا بدأنا الإثارة والحث، فإننا سنتورط في مغامرة لن نظفر من ورائها إلا بالخزي. وهنا انفجر إعصار من اللوم على انعدام الجرأة وضيق الأفق. يجب إرسال موفدين وتوزيع الأموال. قلت إنه لا توجد أموال. وكان الجواب الموزون أن هذا هراء، وينبغي إيجاد المال، وإن لم يكن من الخزينة، فمن الوكالة اليهودية- من أجل هدف كهذا من المسموح المقامرة بمئة ألف دولار، نصف مليون، شرط أن يتحقق الأمر، وعندئذ ستحدث إعادة تنظيم حاسمة للشرق الأوسط، وتبدأ حقبة جديدة. وتعبت من مقاتلة طواحين الهواء” ختم شاريت حديثه.
يأتي رد بن غوريون في رسالة الى شاريت يقول فيها “من الواضح أن لبنان هو الحلقة الأضعف في سلسلة “الجامعة” (العربية). الأقليات الأخرى في الدول العربية مسلمة، باستثناء الاقباط، لكن مصر هي الدولة الأكثر تماسكاً ورسوخاً بين جميع الدول العربية، والأغلبية الحاسمة فيها هي كتلة صلبة جدا، من نسيج عرقي واحد (فعلاً)، من دين ومن لغة، ولا تُخلُّ الأقلية المسيحية جدياً بالوحدة السياسية وبوحدة الأمة. الأمر مختلف بالنسبة إلى المسيحيين في لبنان. إنهم الأغلبية في لبنان في لبنان التاريخي(…).
لذلك يطلب بن غوريون أن تكون إحدى المهمات المركزية لسياسة الكيان المؤقت الخارجية “يجب استثمار الإمكانات، الوقت، الجهد، والعمل بالوسائل كافة التي من الممكن أن تؤدي الى تغيير جذري في لبنان، يجب تجنيد (إلياهو ساسون) وباقي مستعربينا، وينبغي الانفاق بسخاء”.
في12 شباط 1955، كتب موشيه شاريت في مذكراته: علمت أن أحد المغامرين اللبنانيين ويدعى نجيب صفير – كنت أعرفه منذ العام 1952 – قد قام بزيارة السفير الاسرائيلي في روما “الياهو ساسون”، من الواضح أن تلك الزيارة تمت بناء على موافقة الرئيس كميل شمعون الذي أبدى استعداداً لعقد اتفاقية صلح منفرد مع إسرائيل في حال موافقتها على شروط ثلاثة هي:
أولاً: ضمان حدود لبنان.
ثانياً: الإسراع إلى نجدة لبنان في حال تعرضه لهجوم سوري.
ثالثاً: شراء فائض الانتاج الزراعي اللبناني.
اقترح ساسون عقد اجتماع بينه وبين كميل شمعون خلال زيارة الاخير المرتقبة الى روما.
في 16 أيار من العام نفسه وخلال اجتماع مشترك حضره كبار مسؤولي وزارتي الحرب والخارجية طالب بن غوريون مناقشة الاوضاع في لبنان والقيام بعمل ما. خاصة وان الظروف ملائمة للغاية بسبب تزايد التوتر بين العراق وسوريا، وتفاقم الأوضاع الداخلية التي تعاني منها سوريا. سارع موشي دايان الى تأييد موقف بن غوريون بحماس بالغ. كان أهم ما يشغل بال دايان هو العثور على ضابط لبناني، ولو برتبة رائد، للقيام بدور المنقذ للشعب المسيحي. وفي حال إيجاد مثل هذا الشخص يكون دور إسرائيل العمل على استمالته بإظهار المودة تجاهه أو إغرائه بالأموال، عندها سيتمكن الجيش الإسرائيلي من دخول لبنان واحتلال الاجزاء الضرورية، وأخيراً خلق كيان مسيحي يقيم علاقات وثيقة مع إسرائيل، أما بالنسبة للمناطق الواقعة جنوب الليطاني فسوف يتم ضمها إلى إسرائيل نهائيا”.
هذه مراجعة لمذكرات موشيه شاريت و دايفيد بن غوريون، في الخمسينيات، كان الوطن القومي المسيحي، حلماً وخططاً في العقل الاسرائيلي، ولقد شهدنا ملامح تشكله واقعاً، لكن المقاومة حوّلت أحلام الكيان المؤقت إلى كوابيس تلاحقه، وها هو الكيان يعيش أيامه الأخيرة، وسنشهد انهياره عاجلاً لا أجلاً.