الكرامة الوطنية مسألة نسبية…
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
تعريف الكرامة هو «احترام المرء ذاته، وهو شعور بالشّرف والقيمة الشخصيّة يجعله يتأثّر ويتألّم إذا ما انتقص قَدْره». لذلك يتدحث عنها الإنسان بصيغة التملك فيقول عندي كرامة، وهي لا يمكن أن تنتزع، ولكن في الكثير من المواقع يعمل على سلبها، لذلك يتمّ استعمال تعبير إهانة الكرامة…
انّ كرامة الإنسان هي قيمته، وهي أيضاً منبع القوانين العادلة والكرامة الإنسانية والوطنية، إذ لا يمكن أن ينهض أيّ بلد يسعى لتعديل الأوضاع الاجتماعية والسياسية والحقوقية دون صيانة الكرامة الوطنية والإنسانية للجماعات والأفراد، اذ لا توجد قيمة لدى الإنسان أهمّ من كرامته. ونحن نستخدم هذه الكلمة للتعبير عن الاعتزاز بالنفس، وهي القيمة التي لو سقطت ربما سقط معها سائر القيم.
ويمكن للشخص أن يفقد حريته دون أن يفقد كرامته، وقد يتعرّض للتهميش وهضم حقوق وعدم المساواة دون أن يخسر كرامته، لأنه إنْ خسرها فلن تسعفه الحرية ولا المساواة…
والسؤال هنا هل مفهوم الكرامة الوطنية موحد او نسبي؟
عندما نتحدث عن احترام واعتزاز المرء بذاته او بمجتمعه وشعوره بالقيمة، فإننا نتحدث عن أمور نسبية تختلف من بيئات ومجتمعات بل وأفراد وآخرين. وهناك عناوين ومواقف عديدة تجعلنا نشعر بالإهانة، ويتفاوت هذا الإحساس والشعور من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى، بل ربما من شخص لآخر. والأمر يتعلق بالمعايير والخلفيات الوطنية التي لها علاقة بالتنشئة والتربية فضلاً عن المصالح الفردية والعامة التي تجعل معيار الكرامة متفاوتاً، بل يمكن ان يتحوّل لدى البعض الى مادة للارتزاق الرخيص والذي مهما غلا ثمنه لا يوازي مقدار سلب وإهانة الكرامة الإنسانية والوطنية.
وفي سياق الحديث عن الكرامة الوطنية والتعاطي النسبي مع مفرداتها أردت التعرج الى ثلاث نقاط:
1 ـ في قراءة للسلوك الأميركي اتجاه لبنان نجد انحيازه الدائم الى العدو الصهيوني، وقد كانت ذروته في 18 نيسان من العام 1996 عندما قصفت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» مقرّ الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة في لبنان، آنذاك بعد لجوء المدنيين إلى المقرّ هرباً من عملية «عناقيد الغضب». قدّ ظنَّ أهالي قانا، جبال البطم، صديقين، رشكنانيه وحاريص أنَّ اللجوء إلى معسكر للأمم المتحدة سيحميهم، على اعتبار أنَّ مراكز «اليونيفيل» لا تُقصف. فجاء الجواب سريعاً… قُصف المقرّ واستشهد ما يزيد عن 106 من المدنيين وأصيب العشرات بجروح. علت الصرخات المطالبة بشجبٍ واستنكارٍ دوليين ضدَّ هذه المجزرة التي استهدفت عن قصد مدنيين أبرياء، فاجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين «إسرائيل» ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض الفيتو… انّ هذه الحادثة فقط في ميزان الكرامة الوطنية تحتم التعاطي مع الولايات المتحدة، ان لم نقل كعدو، فعلى أنها الحريصة على المصالح الصهيونية، وبالتالي لا يمكن ان يؤتمن ممثلوها سواء في مسألة ترسيم الحدود مع الكيان الصهيوني او في الموقف من إرشادات وإملاءات سفارة عوكر.
2 ـ الخروقات «الإسرائيلية» اليومية
على الرغم من أنّ «الخروقات اليومية المتتالية والمتكرّرة للعدو «الإسرائيلي» للأجواء اللبنانية تستمرّ، حيث يحلق الطيران المعادي فوق الأجواء اللبنانية، فوق الجنوب وبيروت والبقاع وصولاً الى أعالي كسروان وجبيل وشكا في انتهاك صريح ليس فقط للسيادة الوطنية بل وبكل وضوح فإنها حين تستعمل أجواءنا للاعتداء على محيطنا العربي الأول، فإنها أول ما تصيب كرامتنا الوطنية التي للأسف لا تهتز لدى الكثيرين ولو كانت نتيجة ذلك سقوط ضحايا وتدمير ممتلكات، بينما تنخدش الكرامة لدى الكثيرين من أدعياء السيادة حين يمرّ عبر الحدود قوافل لإغاثة من أراد الإرهاب الأميركي إذلاله بالحصار الاقتصادي.
3 ـ الوزير قرداحي وإهانة الإعلام السعودي
في أبلغ ردّ على ما تعرّض له الوزير جورج قرداحي من الجانب السعودي على اثر انتشار فيديو لموقف أدلى به قبل أن يصبح وزيراً حيث قال إنّ «المسألة تحوّلت الى مسألة كرامة وطنية»، قائلاً: «لست متمسكاً لا بمنصب ولا بوظيفة، لكن المسألة تعدّت ذلك إلى الكرامات»، في المقابل وبالرغم من تمادي الإعلام السعودي في تحقير وإهانة الساسة اللبنانيين حتى جرى تشبيههم بـ «أوراق التواليت»، فإنّ ذلك لم يحرك كرامة أدعياء السيادة، بل كانت فرصة لتثبيت ولاءاتهم الخارجية والتي لطالما اتهموا الآخرين بها…
في الخلاصة فإنّ مسرى الحوادث المتتالية على جميع الأصعدة سواء منها الداخلية أو الخارجية وطريقة التعاطي المختلف معها يؤكد على أنّ الأزمة في لبنان هي مشكلة نظام بحاجة الى إعادة قراءة وفق معايير وطنية واحدة سواء على المستوى الداخلي او الخارجي.