القنبلة الديموغرافية داخل الكيان الإسرائيلي
موقع قناة الميادين-
موفق محادين:
العمليات الفدائية الصغيرة في قلب الكيان الإسرائيلي تربك كل حساباته وأجهزته، والعدو يفقد ميزة التفوق الجوي مع تطور القوة الصاروخية عند حزب الله ومحور المقاومة عموماً.
بحسب حوار أجراه شين بيرلي مع سمدار لافي في الآونة الأخيرة، ثمة مؤشرات قوية على أنَّ التفسخ داخل الكيان الصهيوني يتعدى حدود اللعبة في القشرة إلى البنية نفسها.
سمدار لافي، باحثة أنثروبولوجيا مزراحية أميركية لديها كتاب بعنوان “ملفوفة بعلم إسرائيل”، ومحاورها بيرلي كاتب يلاحق “معاداة السامية” وينشر في مواقع أميركية، وذلك وفق ترجمة في جريدة “الغد” الأردنية الصادرة بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2023.
بحسب سمدار، فإن حركة الاحتجاجات الأخيرة داخل الكيان تعكس مصالح النخبة الأشكنازية التي تقدم نفسها نخبة علمانية وليبرالية، إلى جانب مجاميع صغيرة، مثل التجمع المدني المزراحي الذي لا يعكس المزاج المزراحي العام، ومثل حركة نسوية صغيرة تركز على قضايا النساء ومجتمع الميم، هي الحركة المعروفة باسم “شوفروت كيروت” أو “كسر الجدران”.
بهذا المعنى، ثمة انشقاق عمودي لا تقلّل منه اصطفافات استثنائية خارج القوى السائدة (أشكنازيم يخشون أن تتقلص مكاسبهم التقليدية مع تقلّص نسبتهم السكانية)، وشرقيون يتقدمون بالاتكاء على التيار الأكثر إجراماً من الأشكنازيم، كما يمثله الليكود، فماذا عن هذه التحولات؟ وما حدودها وآفاقها؟ وهل تشكل قيمة سياسية مختلفة، سواء في ضوء المراهنة عليه لمزيد من التصدع داخل الكيان أو في ضوء استعادة مراهنات قديمة على تصدع الكيان في مواجهة أزماته الداخلية، كما كتب الباحث الفلسطيني، نزيه قورة، عام 1976؟
تنبع الإشكالية الأساسية من المفاهيم نفسها السامية. والمقصود أيضاً باليهود الشرقيين والغربيين على حد سواء:
– السامية: مصطلح غير علمي وغير تاريخي، لكنه استقر عند الباحثين بصيغته الشائعة. وإذا أخذناه بهذه الصيغة نفسها أو بأي صيغة، فغالبية اليهود في الخطاب الصهيوني غير ساميين، إذ يربط هذا الخطاب الأشكنازيم بالغرب، فيما هم ليسوا ساميين في الحقيقة، فقد برهنت دراسات يهودية على أنهم ليسوا غربيين أصلاً، وأن لا صلة لهم بكذبة الأرض الموعودة في فلسطين.
ومن هذه الدراسات التي تردهم إلى الخزر الأتراك، دراسة بينامين فريدمان، وآرثر كوستلر في كتابه “إمبراطورية الخزر”، وكذلك ما جاء في رحلة ابن فضلان وإرساله من الخليفة في بغداد لدعم البلغار ضد مملكة الخزر التركية المتهودة آنذاك. ومن المعروف أنَّ هذه المملكة التي ازدهرت بسبب تحول طرق التجارة سرعان ما جرى تدميرها على يد أمراء روسيا وغزوات المغول، فتشتّت في أوروبا الوسطى والشرقية.
واللافت للانتباه أن حكومة الاتحاد السوفياتي، رداً على مطالب اليهود في فلسطين، أقامت لهم عام 1928 حكماً ذاتياً في بيرو أبيدجان شمال بحر الخزر (أرض أجدادهم الحقيقية).
– من الشائع أيضاً، إضافة إلى اليهود الغربيين الأشكنازيم، أن اليهود قُسموا أيضاً بين يهود سفارديم من شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) ويهود البلقان، وبين يهود مزراحيم شرقيين، يشملون شمال أفريقيا وبقية اليهود العرب، وكذلك يهود آسيا الوسطى.
في التعقيب على ذلك:
– إنّ اليهود السفارديم بعد سقوط الأندلس التي كانوا من أركان سلطتها المالية، لم يذهبوا إلى تركيا فقط، إذ شكلوا القوة المالية فيها، وصولاً إلى دورهم في تأسيس البنك العثماني في القرن التاسع عشر، بل ذهب قسم منهم إلى شمال أفريقيا، ما يطرح تساؤلات حول دقة المفهوم الخاص بالسفارديم، فيما يدرج يهود شمال أفريقيا مع اليهود المزراحيم الشرقيين.
– كل ذلك يشكّك في الدراسات الشائعة التي استقر عليها باحثون كثيرون، وبينهم باحثون عرب وفلسطينيون، الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة يمكن أن تتم بعناوين جديدة تدحض الرواية الصهيونية من أساسها. ومن العناوين المطروحة برسم النقاش بدل الأشكنازيم والسفارديم والمزراحيين: الخزريون والأيبيريون والعرب والآسيويون.
* أيضاً لغايات متابعة ما يجري، وتجنباً للاشتباك المفاهيمي، سنحافظ على المصطلحات الشائعة مع التأكيد على دلالاتها ومضامينها المختلفة.
يشكل اليهود الشرقيون، السفارديم والمزراحيم، 16% من يهود العالم، والأغلبية اليوم من اليهود الذين يحتلون فلسطين. وقد ظل تمثيلهم في الكنيست الصهيوني في العقود الأولى من إنشاء الكيان ضعيفاً جداً، كما تولوا حقيبة رئاسة الكيان مرة واحدة عبر إسحاق نافون. أما مشاركتهم في الكنيست، فكانت إما كملحقين في الأحزاب القوية آنذاك مثل العمل (الماباي) والعمال (المابام) أو حزب حيروت، وإما عبر قوائم شرقية، مثل اتحاد يهود اليمن.
إضافة إلى موجات السفارديم المباشرة بعد سقوط الأندلس أو عبر شمال أفريقيا، ثم الكيان الصهيوني، سنستعرض الموجات الخاصة باليهود العرب، وكيف طُردت أوساط منهم بالقوة والتآمر، في مقابل أوساط أخرى هاجرت طوعاً وتورطت في أعمال تخريبية في بلادها قبل هجرتها.
يهود العراق
كان يهود العراق يشكلون 25% من سكان العاصمة سنة 1920 (يوسف رزق الله، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق، صفحة 210)، وكانوا يسيطرون على غرفة تجارة بغداد (9 أعضاء من أصل 18 عضواً، بحسب حنا بطاطو في كتابه الطبقات الاجتماعية القديمة في العراق)، كما كانوا يسيطرون على 35 مكتب صرافة من أصل 39 مكتباً (خيرية قاسمية، يهود البلاد العربية، صفحة 105).
وكانوا يسيطرون على معظم الوكالات التجارية والمصارف (كريديت بنك وعبودي وزلخة، بحسب حسام عبد الكريم، هجرة اليهود من البلاد العربية، صفحة 270). وقد برز منهم في العراق الملكي، وزير المالية ساسون حسقيل، وسليم ترزي مفتش البريد والبرق، وهارون شوحيط أول مدير ضريبة للدخل، ومير بصري سكرتير الخارجية، وعائلات تجارية مثل لاوي، وخضوري، وساسون (مأمون كيوان، اليهود في الشرق الأوسط، صفحة 30).
في مقابل نشاطات صهيونية إجرامية ظهرت في أوساطهم، بما في ذلك فروع للهاغاناه والبيتار (حسام عبد الكريم، صفحة 70 – 71)، انخرط بعضهم في الحزب الشيوعي العراقي، واندمجوا في الحياة العراقية، وظلت أوساط واسعة منهم تتصرف كأوساط عراقية، ما جعلهم عرضة لعمل مدبر لإجبارهم على الهجرة بدأ بإصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عنهم في آذار/مارس 1950، وانتهى بهجمات بالقنابل على أحيائهم، ثبت لاحقاً أنها مدبرة بين حكومة نوري السعيد في العهد الملكي وجهاز الاستخبارات الصهيونية والاستخبارات البريطانية تحت عنوان عملية “علي بابا” (حسام عبد الكريم، صفحات 79 – 83).
ومن الحيثيات الأخرى لتلك العملية أنها جرت باتفاق مع شركة نقل أميركية باسم شركة الشرق الأدنى للنقل، وفق اقتراح للتبادل السكاني تقدم به نوري السعيد، وذلك وفق ما ورد في كتابين: “بغداد أمس” لليهودي العراقي ساسون صوميح (2007)، و”ذكريات من عدن” لليهودية العراقية فيوليت شماش (2008).
يهود مصر
يعود يهود مصر إلى مصدرين، الأول هم المصريون الذين يشكلون 15%، ومعظمهم في القاهرة. أما المصدر الثاني فهم مزدوجو الجنسية وخاصة من أوروبا ومعظمهم كان يعيش في الإسكندرية مثل: ساسون، نجار، سويرس، مينشة، قطاوي، وكانوا يعيشون في حي الجمارك وحي محرم بك (حسام عبد الكريم، صفحة 135)، ومن العائلات اليهودية الأخرى في مصر، موصيري، عدس، شيكوريل، باروخ، صنوع.
ومثل غالبية اليهود في العالم كانوا يسيطرون على الوكالات التجارية والبنوك وصناعة الورق والصحف، وقد انخرط قسم منهم في الحركة السياسية المصرية، مثل حزب الوفد والحركة الشيوعية، كما انخرطوا في الحركة الأدبية والفنية، مثل داوود حسني وليلى مراد ونجمة وراقية إبراهيم، كما احتلوا مكانة هامة في البلاط الملكي مثل يوسف قطاوي وزير المالية ونظموا لقاءات للملك مع الوكالة اليهودية (حسام عبد الكريم، صفحة 137 وصفحة 145).
حافظت فئة من اليهود على هويتها المصرية، لكن غالبيتهم أظهرت تعاطفاً مع الصهيونية وانخرط بعضهم في النشاطات الصهيونية، مثل جمعية “الشبان العبرانيين” التي تزامن تأسيسها مع تأسيس جمعية “الإخوان المسلمين” وكانت تتلقى دعماً من شركة قناة السويس أيضاً، وجمعية “مكابي”، بالإضافة إلى نشاطات تجسسية انتهت إلى تفجيرات 1954 والتي عرفت بفضيحة لافون ضد مصالح أوروبية وأميركية لاتهام حكم جمال عبد الناصر (كيوان، صفحات 115 – 123).
ويشار هنا إلى تعاطفهم مع محمد نجيب ضد جمال عبد الناصر (خيرية قاسمية، صفحة 264).
يهود سوريا ولبنان
انحاز يهود سوريا للجهد البريطاني ضد وجود القوات المصرية في سوريا خلال حملة محمد علي لتوحيد مصر وبلاد الشام، وهو الجهد الذي انتهى بمؤتمر لندن 1840 بدعم روتشيلد وأجبر محمد علي على سحب قواته من سوريا، وقد تزامنت تلك الفترة مع ما عرف بجريمة قتل الطبيب ورجل الدين المسيحي الأب توما التي نسبت إلى اليهود ضمن الطقس اليهودي المعروف بفطير صهيون (كيون، صفحات 39 – 41).
بالمجمل، لم يشكل اليهود حضوراً ملموساً أو مؤثراً في سوريا وظلوا يعيشون في حي خاص بهم، بالإضافة إلى بعض العائلات التجارية والحرفية مقابل الحضور القوي لتجار وصناع دمشق وحلب، ومن العائلات اليهودية في سوريا وفق كتاب نهاد نعيسة، يهود دمشق، صفحة 129، ووفق كتاب خيرية قاسمية، يهود البلاد العربية: حاصباني، ساعاتي، شناعة، اللاطي، هراري، فارحي، كباريتي، ابو العافية، فتال، إسلامبولي، شمعة، شلاح، عطار، قواص، ترك، سلمون، بغدادي، صايغ، بقاعي، خضر، سلامة، صبان، حكيم، طوطح، لوزة، شامية، جليلاتي، داوود، نجار، دبدوب.
أما يهود لبنان، فكانوا مجموعة صغيرة في وادي أبو جميل، وحول كنيس ماغن أبراهام (رممته حكومة الحريري الأب)، وخرج منهم يساريون ضد “إسرائيل” كما خرج منهم جواسيس لها، ومن عائلاتهم: معتوق، خياط، مزراحي، مغربي، شماس (خيرية قاسمية، صفحة 178).
يهود اليمن والجزيرة
ظهر يهود اليمن على مسرح الأحداث عندما طلب حاخام اليهود هناك من موسى بن ميمون، طبيب صلاح الدين الأيوبي ومستشاره، التدخل لدعمهم ضد المملكة الزيدية، وهو ما جرى فعلاً بحسب ما جاء في الرسالة اليمنية للحاخام ابن ميمون.
شكل اليهود 20% من سكان صنعاء أواخر القرن التاسع عشر، وكانوا يسيطرون على مفاتيح التجارة فيها، وخلال أحداث 1948 نشطت الوكالة اليهودية في صفوفهم وأحدثت انشقاقاً بينهم، بين من ظل يتصرف كيمني وبين من انخرط في الحركة الصهيونية.
بسبب أعدادهم الكبيرة، نظمت الحركة الصهيونية على غرار ما فعلته في العراق وبالتنسيق مع المخابرات البريطانية مجموعة هجمات ضد اليهود الرافضين للهجرة إلى فلسطين، وكان اسم العملية “بساط الريح”، ويهود اليمن في فلسطين اليوم يشكلون نحو ربع مليون شخص يعمل معظمهم في قطاعات البناء والزراعة (كيوان، صفحات 142 – 143).
أما يهود شبه الجزيرة العربية (السعودية) الذين كانوا يعيشون في يثرب وخيبر وتيماء وفدك، وتعود مصادرهم إلى قبائل يمنية متهودة، فتوزعوا مبكراً على المناطق المجاورة.
يهود شمال أفريقيا
يشكل يهود شمال أفريقيا بين 20 – 25% من سكان الكيان نصفهم من المغرب، وقد استقر معظمهم في بيسان وعسقلان وآشدود وبئر السبع، ومنهم عدد من الوزراء السابقين مثل ديفيد ليفي، شمعون شكريت، وفي تفاصيل أكثر حولهم:
– يهود المغرب وهم من مصدرين: الأول يهود دولة المخزن المغربية وهم مقربون من البلاط الملكي وخاصة الإدارة المالية، أما المصدر الثاني فهو يهود السيبة الفقراء، وباستثناءات قليلة من اليهود اليساريين، يجمع يهود المغرب بين الولاء للبلاط الملكي وللكيان الصهيوني، وقد مرت هجراتهم إلى الكيان بأكثر من مرحلة، الأولى بدعم الاحتلال الفرنسي وبلغت 100 ألف مهاجر، والثانية في عهد الحسن الثاني حين شهدت العلاقة مع الكيان درجات غير مسبوقة من التنسيق (حسام عبد الكريم، صفحات 180 – 203، صفحة 206، صفحة 217).
– يهود الجزائر وهم من مصدرين: جزائريون أصليون (توباشيم) وسفارديم إسبان (ميغوراشيم) وكانوا يتركزون في العاصمة الجزائر ومدن وهران وقسنطينة ومنطقة غرداية (حسام عبد الكريم، صفحات 250 – 251).
– يهود تونس وهم من مصدرين: توانسة أصليون وخاصة في القيروان، ووافدون من إيطاليا وإسبانيا، وباستثناءات قليلة انخرطت مع اليسار التونسي، انخرط بعضهم في النشاطات الصهيونية مثل جمعية صهيون والبيتار ومزراحي والتنظيم الصهيوني المسلح (حسام عبد الكريم، صفحات 227 -228).
اليهود الشرقيون الآخرون
من اليهود الآخرين غير الأشكنازيم وغير العرب:
– اليهود الأكراد ويتركزون في المستوطنات اليهودية حول القدس، ومستوطنات زخروف يعقوب وزخروف يوسف وعجور (كيوان، صفحات 151 – 152).
– اليهود الأفغان وكان عددهم حتى نهاية عام 2000 يقدر بـ 10 آلاف يهودي.
– اليهود الأحباش وكانوا ضمن 15 ألف يهودي جرى تهجيرهم باسم يهود الفلاشا بدعم الرئيس السوداني الأسبق، جعفر النميري، منذ انضمامه إلى الانقلاب الساداتي على الناصرية.
– يهود بخارى ويتركزون في حي البخارية في القدس.
– يهود إيران وقد هاجر معظمهم من شيراز وبرز منهم موشي كاتساف الرئيس الأسبق للكيان.
المتدينون
المقصود بالمتدينين الذين يجاهرون بأفكارهم التوراتية بخلاف الطائفيين الذين يستخدمون الدين ويوظفونه سياسياً من دون أن يكونوا مؤمنين، أمثال: هرتزل وبيريز ومعظم قادة أحزاب العمل والعمال وميريتس وتجمع المعراخ عموماً.
يبلغ عدد المتدينين في الكيان نحو مليون ونصف بينهم أكثر من 300 ألف طالب في المدارس الدينية (يشكلون خمس الطلبة في الكيان)، وينقسم المتدينون بين جماعات دينية صرفة مثل ناطوري كارتا والقرائين الذين يؤمنون فقط بالأسفار الخمسة، أو ما يُعرف بـ”أسفار موسى”، ويتركزون في الرملة وأسدود وبئر السبع، بالإضافة إلى نحو ألف من السامريين الذين يؤمنون بالأسفار الخمسة مضافاً إليها سفر يهشوع، ويتركزون في جبل جرزيم في نابلس وحولون قرب “تل أبيب” (خيرية قاسمية، صفحة 357).
أما الكتل الأكبر من الجماعات الدينية فأبرزها:
– الحريديم، وهم يهود متعصبون هاجروا من ليتوانيا ويعرفون بلباسهم الأسود والأبيض ولحاهم الطويلة كما برفضهم الخدمة العسكرية وأية أفكار مستمدة من الهساكالا (المتنورون الذين دعوا إلى دمج اليهود في أوروبا)، كما عرفوا بخلافاتهم مع الفرقة اليهودية التي تنسب نفسها إلى التصوف وتعرف بالحسيديم.
يشكل الحريديم 13% من اليهود ويمتازون بمعدل إخصاب كبير داخل العائلة الواحدة.
– الحسيديم، جماعة يهودية تنسب نفسها إلى حركة تصوف تعود أصلاً إلى مصدر سرياني هي (القابالاه) والشائعة خطأ بـ الكابالا، وقد ظهرت هذه الجماعة اليهودية في القرن السابع عشر على يد الرابي موسى بن نحمان في جبال الكاربات، ولا يأكلون إلا من جزار حسيدي.
– حركة غوش ايمونيم، التي أسسها الحاخام موشي ليفينغر 1974، وتدعو إلى يهودية الأرض والدولة، وهي شديدة الصلة بالمركز أو المعهد الديني، هراف، الذي أسسه الحاخام افراهام يتسحاق كوك 1924.
– الصهيونية الروحية، كما أسسها أحدهاعام (أحد العوام).
اليهود الشرقيون والكنسيت
مقابل تمثيل ضئيل لليهود الشرقيين في دورات الكنيست الأولى (9 نواب عام 1949) بدأ تمثيل اليهود الشرقيين بالارتفاع، سواء عبر أحزاب وتكتلات مثل الليكود، أو مثل أحزاب وروابط شرقية إلى درجة أصبح اليهود الشرقيون فيها عاملاً حاسماً في رسم خارطة الكنيست، وقد ارتبط هذا الارتفاع بزيادة نسبة اليهود الشرقيين في الكيان الناجمة عن عدة عوامل بينها انخفاض نسبة الإنجاب وسط ما يُعرف باليهود الغربيين.
قبل الذهاب إلى خارطة القوى الشرقية، نذكر أولاً بالجماعات الأشكنازية مثل “إسرائيل بيتنا” وهي من مهاجري مولدافيا، وثانياً بأن القوى السياسية التي توصف بأنها غير دينية (لا ينفى البعد الطائفي السياسي عنها) تتركز في القوى التقليدية المتآكلة مثل العمل وتجمعه الانتخابي القديم (المعراخ) ومثل حركة ميرتس وشينوى، وكذلك تجربة كاديما التي جمعت خليطاً من سياسيين سابقين من العمل أو الليكود، مثل ليفني، أولمرت، بيريز، موفاز، رامون.
وهناك من يصنف الليكود ضمن (قوى اليمين الطائفي المتشدد غير الديني)، وهو تحالف من حيروت والليبرالي وهاتحيا وتسومت وموليدت وجماعة أبو حصيرة، ومن قادته بيغن، شامير، شارون، ونتنياهو.
بالعودة إلى اليهود الشرقيين وتعبيراتهم السياسية، فمن أبرزها:
– المفدال، الحزب القومي الديني (سفارديم) الذي تشكل أصلاً من اتحاد همزراحي وهبوعيل مزراحي وانتقل من التحالف مع حزب العمال (المابام) إلى التحالف مع الليكود ومن قادته السابقين، يورغ، يستحاق ليفيل (خيرية قاسمية، صفحة 410).
– حركة شاس (حراس التوراة) السفارديمية، تأسست عام 1984 على يد عوفاديا يوسف، من قادتها السابقين، إيلي يشائي، ومعروفة بنزاعاتها مع اليهود الروس (خيرية قاسمية، صفحة 418).
– حركة كاخ، مؤسسها مائير كاهانا ومن قادتها الوزير الحالي إيتمار بن غفير، وهو من أصول كردية.
– بوعالي إسرائيل وأغودات إسرائيل وحركة موريا.
القوى العربية المشاركة في انتخابات الكنيست
يشكل العرب الفلسطينيون بعد الاحتلال الصهيوني لأرضهم نحو 25% من سكان منطقة 1948، ويقيمون على أقل من 4% من أرضهم التاريخية، وتقيّد مشاركتهم في الكنيست بنسبة معينة لا يسمح بتجاوزها، ويتوزعون على القوى التالية:
– حداش أو الجبهة الديمقراطية للسلام (الحزب الشيوعي)، ومن ممثليها محمد بن بركة، حنا سويد، ودوف حنين.
– التجمع الوطني الديمقراطي، أسسه نائب الكنيست الأسبق، عزمي بشارة.
– الحركة التقدمية للسلام.
– القائمة العربية الموحدة، وتتشكل من عدة أحزاب منها الحزب العربي الديمقراطي، ومن ممثليه طلب الصانع ودراوشة.
– الحركة العربية للتغيير، ومن ممثليها أحمد الطيبي.
– الجماعات الإسلامية ومنها ما يعرف بالجماعة الإسلامية الجنوبية التي شاركت في حكومات الكيان.
حجم التحول وحدوده في الكيان
على الصعيد الاجتماعي
فشل فكرة بوروخوف الذي سبق ولاحظ ما سمّاه بنظرية الهرم المقلوب (قاعدة ضيقة ورأس متسع من غير المنتجين)، فدعا إلى عكس ذلك عبر خلق بروليتاريا يهودية منتجة، فالكيان الصهيوني اليوم لا يزال خاضعاً للهرم المقلوب والمكوّن من: رأس تقني – عسكري – أمني متضخم وقدمين من خشب بالنظر إلى قاعدة اجتماعية من خارج الأشكنازيم (مصدره الحيوي وفق فلسفته)، وهو ما يؤكد خلاصات تاريخية حول السمة الربوية والارتزاقية غير المنتجة لليهود مقابل مجاميع محدودة في الصناعة والزراعة.
وتكمن “خطورة” ذلك على الكيان اليوم في أن ضعف القوى اليهودية المنتجة لصالح قوى تقنية وبيروقراطية وأوساط دينية يتزامن مع دور متزايد للعرب الفلسطينيين واليهود الشرقيين في حقول البناء والعمل المنتج.
على الصعيد الديموغرافي
إذا كان الخزان البشري للمهاجرين والمهجرين من يهود العالم هو أساس الكيان الصهيوني وصمام أمانه، فإن هذا الخزان دخل حالة من الاستنفاد التاريخي، فضلاً عن تداعيات ذلك على تركيبته الاجتماعية الداخلية.
وإذا كانت اتفاقيات السلام المزعوم مثل “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”وادي عربة” و”السلام الإبراهيمي”، قد خدمت العدو في تهدئة مؤقتة تضع حداً للهجرة المضادة، فإن هذه الاتفاقيات استنفدت أكاذيبها السلمية بالنظر إلى السياسات الاستيطانية المتواصلة والقتل اليومي المبرمج للفلسطينيين، كما بالنظر إلى انعكاساتها المدمرة على الأطراف المتورطة فيها، فوعود السمن والعسل تحولت إلى دمار وجوع غير مسبوقين.
إلى ذلك، ثمة معطيات شديدة الأهمية فيما يخص البعد الديموغرافي المذكور، مثل:
– تزايد معدلات النمو السكاني عند الفلسطينيين وارتفاعها بما في ذلك داخل الأراضي المحتلة 1948.
– تزايد معدلات النمو السكاني عند اليهود الشرقيين وارتفاعها، مقابل تناقص واضح عند اليهود الغربيين (المادة السياسية والثقافية الأساسية للمشروع الصهيوني).
– استقرار التموضع اليهودي في البلدان التي لم تشهد هجرات يهودية كبيرة، وهي على التوالي من حيث الكتل اليهودية فيها: أميركا الشمالية، كندا، فرنسا، بريطانيا، وكذلك الأرجنتين التي لا تزال تشهد محاولات حثيثة بطيئة لتحريك الهجرة.
– مقابل زواج مختلط ملحوظ بين اليهود الشرقيين والغربيين في العقود الأولى لنشأة الكيان، ثمة تراجع ملحوظ في العقود الأخيرة، ولا سيما في أوساط الحريديم والحسيديم.
على الصعيد العسكري
استنفاد أوهام النصر السريع على العرب، مرة تلو مرة، فبعد حربي 1948 و1967، كاد الكيان أن يغادر التاريخ في حرب تشرين 1973 أمام الجيشين المصري والسوري لولا التدخل الأميركي والتواطؤ الساداتي، ولم يتمكن العدو من إلحاق هزيمة واحدة بالمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله عامي 2000 و2006 وكذلك في غزة.
وها هي العمليات الفدائية الصغيرة في قلب الكيان تربك كل حساباته وأجهزته، كما يشار إلى فقدان العدو لميزة التفوق الجوي مع تطور القوة الصاروخية عند حزب الله ومحور المقاومة عموماً.
على الصعيد الأيديولوجي
إذا كان الكيان الصهيوني قد نجح في بدايات احتلاله لفلسطين منذ 1948 في تسويق أوهام أيديولوجية حول صهيونية بقناع علماني، فإن تراجع القوى التي تصنف زوراً وبهتاناً باليسار أمام القوى الأكثر انكشافاً وتعبيراً عن خطابها العنصري التوراتي، أنهى هذه الأوهام وأظهر الكيان الصهيوني بكل تياراته على حقيقته الرجعية العنصرية.
تداعيات وتساؤلات
في ضوء ما سبق، يتأكد أولاً سقوط كذبة التمثيل الحضاري الليبرالي اليهودي للغرب في الشرق، وتتداعى تساؤلات حول قدرة الكيان على الاستمرار في دوره الإقليمي والوظيفي ضمن شبكة اجتماعية جديدة لا تقل طفيلية عن الشبكة الأشكنازية، وتتضاعف قيمة هذه التساؤلات مع تآكل الدور الإقليمي نفسه، بالتزامن مع استنفاد الكيان قدرته على تحقيق انتصارات عسكرية على غرار عدوان حزيران 1967، ومع الحضور العسكري الأميركي الأطلسي المباشر نفسه، بل إن ما حدث إبان العدوان الأطلسي على العراق ثم فشل عدوان 2006 والعدوان على غزة يضع الدور المذكور في مهب الريح، ويدخل الكيان في المعادلة الخاسرة على المدى الاستراتيجي (عائدات أقل للأطلسي والإمبريالية مقابل نفقات أعلى).