القدس والحرب الإقليمية
صحيفة الوطن السورية-
رفعت إبراهيم البدوي:
يقول الرئيس سليم الحص: القدس هي أصل القضية وقطب الرحى فإن ضاعت القدس ضاعت فلسطين وإن ضاعت فلسطين ضاعت الأمة العربية.
لم يأت قول الرئيس الحص من زاوية ترف سياسي أو بغرض تسجيل موقف بعينه، بيد أن الرئيس الحص الأكاديمي القومي العربي ونتيجة فكره المتعمق بتفاصيل القضية الفلسطينية كقضية قومية، توصّل إلى قناعة مطلقة نابعة من يقين حاسم بأن القدس برمزيتها الدينية والسياسية تشكل المفصل الأساسي للقضية الفلسطينية وللأمة العربية، ونظراً لأهمية القدس يرى الرئيس الحص ضرورة العمل على توفير كل السبل للإطاحة بمفاعيل احتلال القدس الأمر الذي يؤدي تلقائياً إلى انهيار الكيان الصهيوني وبالتالي إلغاء مشروع تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
في العام 1967 لم يقتصر الهجوم الإسرائيلي على مصر جمال عبد الناصر بل إن الصهاينة تقصدوا احتلال كامل مدينة القدس نظراً لمكانتها الدينية والسياسية، ومن جهة أخرى لأن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وطمس قضيتها لا يمكن اكتماله إلا بعد احتلال القدس وإعلانها عاصمة للكيان الغاصب.
اكتشف الرئيس الحص أن القدس تشكل كلمة السر في القضية الفلسطينية وهي الشيفرة المعقدة الواجب تفكيكها وخصوصاً إذا ما أردنا إحباط مشروعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وذلك نظراً لما تكتنزه القدس من قيمة ورمزية دينية وسياسية ليس لفلسطين وحسب بل للأمة العربية برمتها.
في سياق متصل أطلق سماحة الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه إستراتيجية جديدة لمحور المقاومة تمحورت حول وقف الاعتداءات الإسرائيلية على القدس مطلقاً شعاره الإستراتيجي «المساس بالقدس ومقدساتها يعني الحرب الإقليمية».
أمام معادلة نصر اللـه توقف الكثير من المراقبين والباحثين وحتى العدو الإسرائيلي بإعلامه وقادته العسكريين متفاجئاً بشعار السيد نظراً لمصداقية الرجل المبنية على معطيات ودراسات تفيد بأن تطوراً نوعياً وإستراتيجياً تم حصوله في عمل المقاومة ما يمكنها من خوض حرب إقليمية وذلك نتاج التخطيط والتقدم التقني والعسكري في مجمل محور المقاومة.
لم يطلق نصر اللـه شعار القدس مقابل الحرب الإقليمية عن عبث بيد أنه يعلم علم اليقين أهمية القدس دينياً وسياسياً وهو الخبير بخبايا ونيات العدو الإسرائيلي تجاه القدس، ولأن يقين السيد بأن المعادلة الجديدة التي طرحها لا تعني المحافظة على الوضع القائم في القدس بل إن شعاره يعني البدء بالعد التنازلي لزوال الكيان الصهيوني ومفتاحاً لفك اللغز وإنه شعار فيه حتمية زوال الاحتلال عن فلسطين كل فلسطين.
المعروف عن نصر اللـه أنه لا يطلق شعارات طنانة رنانة في الهواء أو لمجرد التهديد فهو يعني ما يقول وبكل ثقة وبعد دراسة معمقة ومشبعة وهو رجل يحترم كل حرف وكلمة وكل جملة يتفوه بها، ودليل ذلك أن العدو نفسه يصدّق ما يقوله نصر اللـه ويبني على كلامه وشعاراته.
وللتأكيد على حتمية معادلة نصر اللـه عقد مؤخراً في لبنان المؤتمر الإعلامي الوطني لتطوير الخطاب المقاوم ما يتماشى ومرحلة تطور قدرات محور المقاومة وللبحث عن سبل ملازمة هذا التطور إعلامياً.
لم يبخل سماحة السيد بالتكرم علينا بكلمة الافتتاح للمؤتمر التي أكد فيها على شعار القدس مقابل حرب إقليمية، مشدداً على ضرورة الوصول إلى مرحلة تحقيق هذا الشعار وجعله نافذاً إعلامياً وعسكرياً،
نصر اللـه أكد بأن «التطور التاريخي الذي حصل يكمن في معركة «سيف القدس» وبأن غزة دخلت الحرب لتحمي القدس وأهلها وليس لحماية غزة فقط وهذا ما يجب على محور المقاومة البناء عليه.
فصائل المقاومة في غزة هبت لنجدة أخوتهم الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس بهدف ردع العدو الصهيوني عن التهجير القسري لأهل القدس، الأمر الذي منع سلطات الاحتلال من استكمال عملية التهجير واحتلال منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح تحت قوة النار ما اعتبر تحولاً إستراتيجياً ومقدمة ضرورية للوصول إلى تفكيك وجود الكيان الصهيوني، وعلى هذا الأساس كان التحول الإستراتيجي الإيجابي في الدفاع عن القدس الأمر الذي يترجم شعار نصر اللـه: القدس مقابل الحرب الإقليمية، بما يعنيه.
لقاءات وندوات إعلامية عدة عقدت في بيروت للبحث في الأطر الواجبة لتثبيت مفاعيل مواجهة «سيف القدس» التي أدت إلى انتصار فصائل المقاومة ولتثبيت ومواءمة شعار القدس مقابل الحرب الإقليمية، لكن اللقاءات والندوات بقيت في إطار التشاور ولم تسفر عن خطة عمل إعلامية واضحة وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لأن الإعلام هو وسيلة لتوصيل فكرة والترويج للعوامل المساعدة، لكن الإعلام يعتبر ناقلاً لنتائج الحدث الذي يبنى عليه وليس العكس، وبهذا الصدد لاحظنا أن الإعلام المقاوم أظهّر النتائج الباهرة التي تحققت بحرب «سيف القدس»، لكن الإعلام المقاوم ما لبث أن انكفأ عن الترويج للمعادلة التي أفرزتها مواجهة «سيف القدس» بعد توقفها.
ثانياً: عودة العدو الإسرائيلي إلى محاصرة سكان حي الشيخ جراح وإجبارهم على الإخلاء أو على هدم منازلهم ترافقت مع عودة اعتداءات الصهاينة على الأقصى، وكل ذلك حصل في ظل غياب أي رد عسكري رادع للإسرائيلي من فصائل المقاومة، وهذا ما أدى إلى تآكل انتصار «سيف القدس» إن لم نقل إفراغه من مضمونه الأمر الذي عطّل الإعلام المقاوم عن مواصلة الترويج للانتصار أو الاستمرار في البناء عليه.
ثالثاً: إن تثبيت شعار الدفاع عن القدس يحب ألا يختصر بالدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية بل إنه يجب الاستمرار في عملية الردع لإفهام العدو الصهيوني أن ما بعد واقعة «سيف القدس» لن يكون كما قبلها وأن أي عملية تهجير لسكان القدس أو العبث بجغرافيتها وبديموغرافيتها سيؤدي حتماً إلى حرب إقليمية.
وبما أن الثابتة الوحيدة في صراعنا مع العدو بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وجب على محور المقاومة وبالقوة العسكرية الصاروخية ردع العدو عن أي أعمال هادفة إلى مصادرة الأراضي أو تهجير للسكان أو تهديم لمنازل القدس.
إن عملية الردع يجب مطابقتها بما حصل في جنوب لبنان مؤخراً عندما حاول العدو الإسرائيلي كسر قواعد الاشتباك التي كانت سائدة منذ 2006، بيد أن رد المقاومة الصاروخي أدى إلى ردع العدو وإعادته إلى ما كان عليه، وبما أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة كان من المفترض تثبيت معادلة «سيف القدس» بصلية صواريخ من غزة كرسالة رادعة لممارسات العدو، ولا يفوتنا بأن مهمة الردع يجب ألا تقتصر على فصائل المقاومة في غزة بل إن الواجب الجهادي هو مشاركة كل محور المقاومة من غزة إلى جنوب لبنان وسورية والعراق وحتى اليمن في مهمة الردع وذلك لجعل العدو متهيباً ومردوعاً من حاضر محور المقاومة، ومن أجل الوصول إلى تثبيت المعادلة الإستراتيجية لنصر اللـه وجعلها معادلة ثابتة فاعلة في أي زمان ومكان لإفهام المطبعين مع العدو بأن محور المقاومة بات يمتلك الأرضية الصلبة والعزيمة والقوة التي تخوله خوض حرب إقليمية دفاعاً عن القدس وفلسطين في أي مواجهة مقبلة مع العدو.