“الفيحاء” طرابلس أم.. “قندهار دي سي” ترحب بكم؟!
موقع العهد الإخباري ـ
نيفين كنعان:
لم تكن عملية إطلاق النار على موكب الوزير فيصل كرامي،الا حلقة في سلسلة احداث شمالية تذهب باتجاه تصاعدي .الشمال يتعرض لـ”عزل ديموغرافي” إذ تم إحراق المنازل والمحال التجارية التابعة للعلويين والمسيحيين في طرابلس. أما السنة “غير الموالين” للنهج السائد في الزاهرية والقبة، فتم تأديبهم بالطريقة نفسها. وبعد إغلاق مكتب الحزب السوري القومي الإجتماعي في الجميزات (طرابلس)، وتهجير المسيحيين من الميناء والزاهرية، “غدا سيأتي دور الرئيس كرامي، وهذا ما نرى ملامحه في الإشتباكات اليومية المفتعلة مع مناصريه في التبانة والتل”. بعدها “سيأتي دور الرئيس ميقاتي”…
أن تجري تحقيقا عن طرابلس والشمال، هو حلم صغير وجميل. فالمدينة المعجونة بعبق التاريخ وسحر البحر مغرية كحلوياتها الشهية. ولكن أين نحن من طرابلس؟! كيف تتجول في شمال بات “حلب البديلة” أو ثكنة مترامية الأطراف لمقاتلي الجيش السوري الحر؟ فكيف تحلم إذا بكتابة تحقيق عن طرابلس والشمال؟
منذ بضعة سنوات فقط، كانت الرحلة إلى شمال لبنان “مشوار بيحرز”. كيف لا، وعلى الطريق إلى الشمال يطالعك نصف لبنان، لا بل أكثر. لبنان بـ”موزاييكه” الديني والمذهبي والسياسي. كيف لا، ومشوار الشمال يعني كنافة وحلاوة بجبن طرابلسيتين. مشوار الشمال يعني خضار السهل العكاري الـ”Bio”، والعنب الطيب كطيبة العكاريين. مشوار الشمال يعني المياه الصافية المتدفقة من عين ماء احتجبت عن عيون الكون كله إلا عن عيون السهل الممتد إلى آخر لبنان.
يمكنك التفكير بالتنكر.. نعم: التنكر! لكنها فكرة دونها الكثير من المخاطر. ومن البديهي أن الحل البديل هو الإعتماد على أسلوب “شبه إستخباراتي” أي إجراء المقابلات عبر الهاتف والركون إلى مصادر خاصة، واستطلاع أحوال المنطقة من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء. فماذا في جعبة المصادر الأمنية وأين تذهب عاصمة الشمال اللبناني؟
تفيد المصادر الأمنية أن الشمال ليس عصيا على القوى الأمنية، بل إن ما يجري هو بقرار من قيادة قوى الأمن الداخلي المغطاة سياسيا. ويحاول البعض الزج بالجيش في مواجهة مباشرة مع المسلحين، لذا تشن عليه أبشع الحملات الإعلامية.
في طرابلس، يتواجد آلاف المقاتلين الأجانب، وهو أمر يراه السكان بالأعين المجردة. وهناك عمليات “عزل ديموغرافي” في محاولة لإغلاق طرابلس من كل الإتجاهات تمهيدا لتحويلها إلى إمارة سلفية معزولة خارج سلطة الدولة. خنق طرابلس تؤكده تصفية كل القوى السياسية الأخرى كالقومي وحركة التوحيد، إذ تم اغتيال الشيخ عبد الرزاق الأسمر وهو أحد قادة الحركة، إضافة إلى إغلاق معظم مكاتب ومراكز حركة التوحيد. أما من ناحية جبل محسن، فمحاصرته تتم عبر الإعتداءات والتوترات شبه اليومية. وقد أتى دور الرئيس كرامي، و”بعد الإنتهاء من كل هذه الأطراف سيأتي دور الرئيس ميقاتي.
وإزاء نمو “قندهار دي سي الطرابلسية”، كيف يمكن مواجهة المد السلفي؟ هنا تعتبر المصادر الأمنية أن الحل يكمن في تبني خطة أمنية شاملة، تترافق مع تغييرات جذرية على صعيد القوى الأمنية. عندها يتم سحب السلاح وملاحقة المتسللين والمقاتلين الأجانب مع رفع الغطاء والحصانة عن كل المقاتلين وكل من يغطيهم. ومع ذلك تعتبر هذه المصادر أنه بدون تسوية دولية-إقليمية في سورية لا قيمة للخطة الأمنية. فالستاتيكو الموجود في الشمال قد ينفجر إذا ما حاول أحد تغييره قبل إيجاد تسوية في سوريا. و”يبقى جبل محسن صندوق البريد الأقل تكلفة” في ظل هذا الستاتيكو لأنه “الجبهة الأكثر ضبطا بيد محركيها”.
يأتي السلاح من عدة قنوات، في طرابلس المعركة عابرة للقارات. “عديد المقاتلين الليبيين والضباط الأتراك” يعكس تدويل المواجهات الطرابلسية. نواب المستقبل وكوادره (خالد الضاهر، أبو العبد كبارة، مصطفى علوش، العقيد حمود) يستثمرون “الجهادولار” السعودي لتسليح المقاتلين. ويلعب ربيع الضاهر (شقيق النائب خالد الضاهر) دورا عملانيا بارزا. ربيع الضاهر، هو المسؤول العسكري في تيار المستقبل، وهو ضابط سابق يملك خبرة واسعة في مجال التنصت والإتصالات، تلقى تدريبات أمنية عالية بإشراف جهات سعودية، ويدير غرفة تنصت في ببنين (عكار).
في طرابلس، الأطراف كثر، ولكن تبقى السعودية الطرف الأقوى، إلى جانب تركيا وقطر في مواجهة الجهات المدعومة من سوريا. ولتعبئة “الجهاديين” دينيا، ينشط أكثر من 50 جامعا ومركزا دينيا أنشؤوا في العامين المنصرمين. المصادر الأمنية تؤكد وجود مراكز تدريب للعناصر الجهادية، إضافة إلى إنشاء مستشفيات ميدانية على الحدود مع سوريا.
تدفق هؤلاء “الجهاديين” يؤمنه الغطاء السياسي المستقبلي و”غض نظر” القوى الطرابلسية الحكومية. هذه القوى الحكومية “تغض النظر لمصالح ضيقة ولكن ستكون هي أول من سيدفع الثمن” بحسب المصادر الأمنية.
وعن تمدد السلفية الجهادية، يعتبر عضو هيئة العلماء المسلمين، الشيخ نبيل رحيم أن “التطرف غير موجود إلا في حالات قليلة جدا جدا جدا”. يرى رحيم أن للسلاح المنتشر في الشمال مصدرين، مخلفات الحرب الأهلية . أما عن تورط السعودية وقطر في تسليح الجهاديين، فـ”لا يمكنه اتهام قطر والسعودية بدون بينات”. برأي الشيخ رحيم “السلاح موجود في الشمال، ولا يحتاج إلى تمويل دولي”، والإشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة “ليست حربا، بل إن أهالي باب التبانة يدافعون عن أنفسهم فقط”. ففي الشمال “لا توجد ترسانة أسلحة”، “إنه الإعلام يضخم الوقائع”!
وبالنسبة للإعتداء على موكب الوزير فيصل كرامي، لا يريد الشيخ رحيم الدخول في التفاصيل فـ”الحادثة صارت وراءهم”، إذ أن الإشكال هو “إشكال شخصي”. كيف يكون الإشكال شخصيا وصغيرا والمستهدف هو موكب وزير؟ هنا يجيب رحيم أن المعتدين “لم يكونوا على علم بأنه موكب الوزير كرامي”، والمهم هو أمن المنطقة.
لرئيس الحزب الديمقراطي العربي رفعت عيد رأي آخر، فهو يعتبر أن ما يجري في الشمال “نتيجة للتمدد الإسلامي السلفي الناتج عن الصراع الدائر في الشرق الأوسط”. يؤكد عيد أن الأقليات مستهدفة، و”الآن جاء دور العلويين”. وكل ما جرى، ويجري هو “محاولة لكسر قوى 8 آذار والأقليات”. وعن تمويل السلاح، يشدد عيد على تورط السعودية، قطر، وتركيا.
إذن، بحسب عيد، تحول الشمال إلى “إمارة إسلامية”، إمارة كان يحذر من إنشائها الحزب العربي الديمقراطي منذ عام 2008.
وحين تستطلع الشماليين عن حال منطقتهم، يبدأون بطمأنتك إلى أنهم يختلفون سياسيا ولكن “منحب بعضنا”. صحيح أن الشمال يعج بوجوه الغرباء، والجهاديين “اللي ما عليهن هيئة الله”، ولكن “الحمد لله عايشين”. أما أهالي المناطق المجاورة لطرابلس فيؤكدون أنها “ملجأ الفقير والغني”، وأنهم ما زالوا يعشقون بحرها. تقتصر الإشتباكات على جبل محسن وباب التبانة، لكن الشمال كله يرتعش من أزيز الرصاص البشع. إذ تعيش أقضية عكار، بشري، البترون، الكورة وزغرتا حالا من الحذر والترقب. يخبىء الشماليون غصة الحرمان في قلوبهم، يحاولون طمأنة أنفسهم “ما في شي، إنتوا مفكرينها كبيرة”، بعدها تفضحهم عبارات كـ “حرام يصير هيك بالشمال”، و”فشروا ياخدوا طرابلس”. هنا يطالعك أبو محمد (سلفي الإنتماء) بـ”مش حرام هالشباب متل الوردة تموت؟، نواب طرابلس ما بدن إنها تهدا.. لو كان بدن تهدا ما كانوا بيعطوا الشب بارودة و50 دولار”.
في وسط هذه المعمعة، ما بقي من طرابلس هو كل طرابلس، ما بقي من الشمال هو كل الشمال، هو صفاء القلوب الطيبة، وغصة الحرمان الموجعة، والكثير الكثير من التاريخ والثقافة والجمال. وبالرغم من كل “التلوين” الطالباني الهوى. في أحشاء البحر الشمالي، يصرخ الموج: هنا طرابلس وستبقى..