الفعل السياسي الأميركي بين الزهايمر والعجز
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
في ظلّ الفشل الأميركي المتكرّر في المنطقة، تحاول الإدارة الأميركية فرض مواجهة عسكرية بضرورة تعزيز قواتها في العراق وسورية، ومسؤول في البنتاغون ينفي ذلك؟ هل واشنطن بالفعل أرسلت هذة القوات أم تريد إخفاء ذلك كنوع من عنصر المفاجأة لمباغتة الخصوم؟
تقول شبكة «سي بي أس» الأميركية بأنّ واشنطن ستعزز قواتها في العراق وسورية ومسؤول في البنتاغون ينفي الخبر بعدم وجود خطط للإعلان عن إرسال قوات أميركية أو نشرها في سورية والعراق، بات من الواضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية في تخبّط استراتيجي منفصل عن الواقع تماماً، إذ أنها تجهل الكثير من أدوات اللعبة السياسية في المنطقة في خضمّ المواجهة المفتوحة على حدّ سواء في البحر الأحمر، وما حدث بالأمس من تعرّض المواقع العسكرية الأميركية في العراق وسورية لقصف وهذا بشكل يومي منذ البداية، وأدركت ذلك الإدارة الأميركية بأنّ هذا الاستهداف ضرب عمق الهيبة الأميركية ونسف قوتها في العالم، وبذات الوقت هي غير قادرة على السيطرة الذهنية أو العقلية السياسية على إيقاف الحرب على غزة في ظلّ عدم قدرة «إسرائيل» على تحقيق أيّ من أهدافها.
هذا أصبح واضحاً للعالم قاطبة بأنّ هزيمة «إسرائيل» بالقراءة السياسية الأميركية تعني هزيمة المشروع الذي يقوده الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة التي تمدّ الكيان الإسرائيلي بالأسلحة الذكية الفتاكة لقتل الأبرياء المدنيين في غزة وفي المنطقة بالعموم، وإلا لما رأينا الجسور الجوية التي تنقل هذه الأسلحة ومحتواها العسكري الضخم، ومع ذلك فشلت في كلّ الخطط التي ساقتها، ما يجعلها تضطر إلى إدارة الأمور بصورة مباشرة، وبالتالي تجد نفسها في مواجهة قد تكون لها عدة سيناريوات جديدة في المنطقة، وأولها ربما هو أن لا تكشف عن النية المبيّتة عسكرياً أو لا تريد الإفصاح عن هذه التعزيزات العسكرية كنوع من عنصر المفاجأة، وذلك لمباغتة الخصوم، كما أنها تستند لقرارات أو خيارات استراتيجية كما تزعم، إلا أنّ الحقيقة تقول في هذه الجزئية بأنّ الفعل السياسي الأميركي بين مطرقة الزهايمر الاستراتيجي وسندان العمى الجيوبولتيكي الكامل، وليس الجزئي استناداً لتصرفاتها المراهقة سياسياً وعسكرياً وتقدر في الجيو سياسة بأخطاء كارثية بعيداً عن منطق الجيوبولتيك السياسي والواقع وهي بمعزل عنه في المنطقة على اعتبار أنها تتبنّى في كلّ مرة نبش سياسة الماضي، لذلك الخطط الأميركية واردة لطالما ترتكز على سياسة الغدر والكمائن، أيّ ربما تكون هناك نية لإرسال قوات إضافية إلى هناك، وذلك لأمرين…
إما أنّ واشنطن اتخذت قرار إرسال قوات لكن ليس الآن، أو أنّ الخطوة جرت لكن واشنطن تخفيها للإبقاء كعنصر مفاجأة ومن خلفه سردية عسكرية خطرة؟
بطبيعة الحال هناك من يتخذ القرار بمعزل عن الاستشارات القانونية في الحكومة الاميركية، كما هناك من يجمع المعلومات الاستخبارية، والبيت الأبيض يقول شيئاً فيما تقول وزارة الدفاع شيئاً آخر، ولكن دون ذلك، هناك تخبّط كبير في السياسة الأميركية وكلّ الإجراءات العسكرية التي تتقدّم بها نحو المنطقة هي ردود فعل لاستعادة هيبتها، ورأينا هذا الإرباك والتخبّط منذ اليوم الأول في السابع من أكتوبر في مساندة «إسرائيل» وإعطائها كامل الدعم في «الدفاع عن نفسها» وإلى ما هنالك من تداعيات نتيجة معركة طوان الأقصى، إذ تبيّن في حقيقة الأمر بأنّ كلّ مَن في البيت الأبيض من الإدارة وغيرها جميعهم لا يمتلكون نظرة سياسية سليمة ولا يوجد لديهم نظرة تاريخية لما يحصل في منطقة الشرق الأوسط، وهذا في الصلف السياسي يُعتبر ضياعاً، كما أن من لائحة التناقضات السياسية الأميركية ولا سيما النفي الذي صدر من مسؤول في البنتاغون حول إرسال هذة التعزيزات إلى العراق وسورية،
ولكن أيضا في التحليل هناك فرضية سياسية أخرى على اعتبار أنّ واشنطن قامت بربط الخطوات التي اتخذتها واشنطن بعسكرة البحر الأحمر والقصف الهمجي البريطاني الاميركي على اليمن، نجد بأنّ كلّ الردود السياسية الأميركية لدى الإدارة هي ردود فعل عكسية نتيجة لتداعيات الموقف الأميركي بحد ذاته، وخير دليل تلك الأصوات التي تعلو في المنظومة السياسية الأمنية في «إسرائيل»، التي تقول بأنّ هناك طمأنة أميركية بأنها حصلت على مواقف من قوى المنطقة بأن لا يكون هناك أيّ تدخل وفي حال تدخل تلك القوى، فالجيش الأميركي وحاملات طائراته وبوارجه التي حضرت إلى المنطقة ستواجه ذلك، هذا أيضاً ضمن سياسة التخبّط الأميركي، وبالتالي هذا التخبّط سوف يعكس حالة الانكسار الأميركي على المستويات كافة، لأنّ محور المقاومة في المنطقة أذكى وأثبت بجدارة قراءاته للواقع وهو أساساً قارئ جيد للواقع يدير استراتيجية المعارك بشكل سليم ودقيق وبإبداع محكم، ويعرف كيف يوجّه ضرباته العسكرية في تحقيق أهدافه من خلال الأهداف السياسية والاستراتيجية…
ومن خلال إدارة المعركة بذكاء واضح أنها قد تكون محسومة عسكرياً نظراً للحسم السياسي والإعلامي وهي لصالح المقاومة في مقابل التموضع الأميركي والعمى الاستراتيجي، عدا عما يصول ويجول في الداخل الأميركي من انتقادات لاذعة عن الرئيس بايدن وإدارته التي أصبحت بمعزل عن العالم في خضمّ العامل الانتخابي، وبالتالي لو فرضت أميركا قواعد اشتباك جدية فالجبهات المساندة لن تقف مكتوفة الأيدي وإنما ستواجه كلّ أطراف محور المقاومة الخطط الأميركية بلا سقف وبلا حدود…