الفاتيكان: ضرورة الحوار مع حزب الله، والحياد ليس وقته الآن!
موقع الخنادق:
بعكس الكثير من مواقف الأطراف السياسية اللبنانية، ومن ضمنهم البطريركية المارونية، المتماهين مع موقف الإدارة الأمريكية من حزب الله. والمحرضين عليه ليل نهار لفرض إجراءات الحصار عليه حيناً، أو لفرض وضع خاص يتيح لهم إقامة فيدرالية ما أو تقسيم أو حتى فرض الحياد أحياناً كثيرة.
جاءت مواقف أمين سر الفاتيكان للعلاقات مع الدول (ما يوازي موقع وزارة الخارجية) المونسنيور “ريتشارد بول غالاغر”، لتؤكد مرةً أخرى، أن الفاتيكان يملك نظرة واقعية للأوضاع في لبنان والمنطقة، تختلف جذرياً عن نظرة هؤلاء الأطراف. وهذا ما أكدّه غياب حقيقة ما أعلنه من مواقف، في الوسائل الإعلامية التابعة لهذه الأطراف.
فخلال زيارة المونسنيور “غالاغر”، التي عقد خلالها العديد من اللقاءات الكنسية والسياسية في بيروت، تناول موضوع حزب الله بما يشمل علاقاته المحلية والإقليمية، بطريقة مختلفة وإيجابية وصفت بالجديدة، وتفتح الآفاق أمام تطور للعلاقة مع الحزب، تؤسس لحوار شامل معه. خاصة وأنه بعد عودته إلى الكرسي الرسولي، حرص على الإشارة إلى دور الحزب في إعمار لبنان.
وفي أجواء الزيارة اللبنانية، ركزّ الموفد الفاتيكاني على أهمية إقامة الحوار مع الحزب، في كل ما يتعلق بالشأن الداخلي. بل دعا القوى المسيحية الى تصحيح العلاقة معه، لما يمثله من جزء أساسي في الفريق الشيعي، وبالتالي مكوناً أساسياً من لبنان واللبنانيين. وعليه فإن من الضرورة تطمين الحزب داخلياً ودولياً، من خلال بعض الإجراءات التي ستساهم في تحسين العلاقة معه، من خلال رفعه عن لوائح الإرهاب الدولية والأميركية. حتى أن “غالاغر” قد ميّز بين موقع الحزب إقليمياً وبين اتهامه بالإرهاب، مبدياً موقفاً هو الأقرب إلى تبرير دور الحزب الخارجي، مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية وتدخلاتها في الكثير من الدول.
كما كان لافتاً أن المونسنيور “غالاغر” خلال جميع محطات زيارته، لا سيما خلال مشاركته في المؤتمر حول “البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة”، أنه لم يتطرق مطلقاً لموضوع الحياد (مشروع البطريرك الراعي)، وهذا ما يفتح المجال أمام إثارة الكثير من علامات الاستفهام، حول مدى اقتناع الفاتيكان بهذا المشروع، وما يمكن له أن يساهم جدياً في حل الأزمة اللبنانية؟ بل وربما تدرك دوائر الفاتيكان أيضاً، أن هذا المشروع يستحيل تطبيقه في لبنان، نظراً للواقع الجيوستراتيجي الذي يمتلكه.
ثوابت الفاتيكان
لذلك يمكننا بعد التعمق في أبعاد المواقف والمبادرات للفاتيكان، سواء كانت علنية ورسمية أو تلك البعيدة عن الإعلام، استنتاج أبرز الثوابت التي ينطلق منها:
1)التشديد والتأكيد على أن الحوار بين المكونات اللبنانية، هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلد من أزماته. وهذا ما ينسجم مع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني إلى كلّ الأساقفة الكاثوليك في العالم، في الـ7 من أيلول للعام 1989، حينما وصف لبنان بأنه أكثر من بلد، “إنّه رسالة حريّة ونموذج للتنوّع للشرق كما للغرب”.
كما أن البابا فرنسيس قد رفض في هذا الإطار، محاولات بعض المسؤولين الفرنسيين في العام 2013 تقريباً – إبّان الحرب على سوريا – تشجيع المسيحيين على الهجرة الى أوروبا، عوضاً عن اللاجئين من سوريا (فيكون لبنان وطناً بديلاً)، وبذلك يمنعوا التغيير الديمغرافي لقارتهم.
وكان سبب رفض البابا، أن هذا المشروع سوف يلغي النموذج الوحيد (في الشرق والغرب)، الذي يمكن من خلاله إثبات فكرة التعايش بين أتباع الديانات المختلفة.
2)ومن هذا المنطلق أيضاً، يرفض الفاتيكان بشكل قاطع مشاريع التقسيم في لبنان. وهذا ما أكدّه البابا فرنسيس خلال لقاءه بالبطاركة الشرقيين في تموز العام 2021، حينما قال: “لبنان بلد صغير كبير، وهو أكثر من ذلك: هو رسالة عالمية، رسالة سلام وأخوّة ترتفع من الشرق الأوسط”.
كما دعا غالاغر في زيارته لأن “يبقى لبنان مشروع سلام ووطناً للتسامح والتعددية حيث تلتقي كل الطوائف والأديان”.
3)تقدير الجهود التي ساهمت في هزيمة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة، وهذا ما عناه البابا فرنسيس يعد لقاءه بالمرجع السيد علي السيستاني، حينما قدم له الشكر وللطائفة الشيعية (حزب الله من ضمنها)، لأنهم رفعوا صوتهم إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين.
4)التأكيد على أن التغيير آت الى لبنان، والذي قد يكون من خلال مبادرة حوار لبنانية برعاية دولية، يكون للفاتيكان دور مركزي فيها، تسفر عن شكل جديد للحياة السياسية في البلد.