العونيون وحقوق المسيحيين بمواجهة ’الحريرية السياسية’
موقع العهد الإخباري ـ
حمزة الخنسا:
لا تسكُن حركة الجنرال ميشال عون. لا يمل سيّد الرابية من محاولات ابتداع الوسائل والطرق التي يرى أنها تساعده في تحقيق هدف نضاله السياسي، مذ عاد من باريس، على الأقل. السجال الحاصل اليوم حول تحديد أسباب المشكلة وهوية المتسبّب بها يتفاقم. العونيون لهم قراءتهم الخاصة حيال الأمر. يعتبرون أن ما يشهده لبنان من أزمات سياسية متتالية ليس ناتجاً عن “أزمة عونية” كما يحاول أن يروّج الآخرون، بل عن خلل بنيوي يصيب النظام ومؤسسات الدولة “الحديثة”.. من عُمر الطائف.
يخوض العونيون اليوم مواجهة شاملة مع “الحريرية السياسية” التي يحمّلونها أسباب ضمور فعالية الدور المسيحي في مطبخ القرار السياسي اللبناني. “بروفة” الشارع الأخيرة عيّنة لما ستكون عليه الصورة فيما إذا مضى “الشركاء” في الحكومة والوطن، في سياسة التهميش والاستئثار، والتمديد لهذه السياسة. هنا يكمن لبّ المشكلة بالنسبة للعونيين، لا في قشور الأسماء وشاغليها.
ينطلق العونيون في مواجهتهم التي يرونها مصيرية، من قراءة موضوعية للواقع الوطني أولاً والمسيحي ثانياً. تستند قراءتهم على ركنين أساسيين: الأول تاريخي يتعلّق باستخلاص العبر من المرحلة التي تلت الحرب الأهلية، عنوانها اتفاق الطائف ولعبة نقل الصلاحيات من رئيس البلاد الى رئيس حكومتها القادم من السعودية كنتيجة لتداعيات الحرب الأهلية. والثاني واقعي يتعلّق بانتشار الإرهاب التكفيري، والأثمان التي دفعها المسيحيون من وجودهم ودورهم في المجتمعات التي غزاها التكفير، خصوصاً في سوريا والعراق.
الهمّ العوني منصب على تحصين الوجود المسيحي في لبنان والحفاظ على فعالية دوره، في ظل الخطر الوجودي الذي يتهدّده، لا على تعيين شامل روكز أو وصول عون للرئاسة. وبالتالي، يأتي الإصرار على اسم من هنا أو منصب من هناك، كترجمة عملية لمعنى “الحفاظ على فعالية الدور المسيحي في الدولة ومؤسساتها“.
الإصرار بدل الحوار، له تبريره عند العونيين. لا ثقة في وعود الفريق الآخر. هذه الثقة فقدت تدريجياً، ذهب آخر آثر لها مع نقض تيّار المستقبل وعوده التي قطعها للجنرال، والمتعلقّة ببعض التعيينات، وبالتالي فشل المحاولات العونية للانفتاح على التيار الحريري والتقرّب منه. ثم أتى نقض فريق الرابع عشر من آذار للاتفاق بين مكونات الحكومة على آلية عملها وتجيير صلاحيات رئيس الجمهورية لأعضائها مجتمعين، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس البرتقالية.
الجنرال عون … يتهم
لم تعد الكأس العونية تتسع للمزيد من القطرات. يتحرّك العونيون اليوم في فضاء مضطرب، كانوا يأملون لو ساهم في حثّ الأحزاب المسيحية الأخرى لتتحرّك على “موودهم”، ما يجعل الإجماع الوطني على المطالب المحقة للمسيحيين، في متناول اليد. غير أن الواقع أتى مغايراً. الاستئثار والتهميش “شغّال” على قدم وساق. غياب رئيس الجمهورية شكلت فرصة لمصادرة صلاحياته من قبل رئيس الحكومة وفريقه. الفراغ الرئاسي ممتد حيث لا أفق للحل.
أما الأفرقاء المسيحيون، فيبدو أن لكل منهم “ليلى” يغني عليها. فالقوات مثلاً، عملت على عرقلة القانون الأورثوذكسي للإنتخابات النيابية، والذي كان من شأنه تحسين الحضور المسيحي كماً ونوعاً، لا لشيء سوى لأن التيار الوطني الحر تبنّاه. في حين، أصبح التمديد للمجلس النيابي ولبعض المواقع الحسّاسة في إدارة الدولة، شكلاً من أشكال التمديد للوضع القائم، الذي يراه العونيون واقعاً منحدراً على الصعيد الوطني أولاً والمسيحي ثانياً.
إنطلاقاً مما تقدّم، يرى العونيون أنفسهم اليوم في خضم معركة أساسية لحماية آخر خطوط الدفاع عن الوجود المسيحي في المشرق عموماً وفي لبنان خصوصاً. المعركة هذه يخوضها العونيون في لحظة تحولات مصيرية تعيشها المنطقة، لذا يعتبرون أن واجبهم يقضي تثبيت الوجود المسيحي في الدولة اللبنانية، وتدعيم هذا الوجود كي لا تأتي التحوّلات المرتقبة على حسابهم باعتبارهم الحلقة الأضعف.
استباقاً لهذه التحوّلات، يستعجل العونيون التحرّك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي هذا السياق، ينتظر العونيون، بجهوزية تامة، الجلسة الحكومية المقبلة، لتحديد شكل موقفهم ومسار تحركاتهم، إنْ في الشارع أو غيره.
القرار العوني اتُخذ. الأزمة التي يلعب بطولتها تيار المستقبل ذاهبة الى مرحلة الرقص على حافة الهاوية. جميع الملفات ستقف “على رِجْل ونصف” بفعل المواجهة بين العونيين بإرثهم السياسي والنضالي، و”الحريرية السياسية” بالارث السياسي ـ الإقتصادي الذي خلّفه الرئيس الراحل رفيق الحريري.
وعليه، إما أن يتم فتح حوار وتفاوض جدّي يخرق جدار الإصطفاف الحاصل ويفتح باباً لتسويات جديدة وجدّية مستفيداً من غطاء الاستقرار الذي لا زال يظلّل لبنان بفعل قرار دولي، والنهاية السعيدة للملف النووي الإيراني. أو تذهب الأمور الى المجهول حيث ستصبح الكلمة للشارع حيث حسابات الربح والخسارة لا تخضع لأية معايير تقليدية