العلاقات الصينية الروسية وسط اضطرابات الغرب
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ محادثات عبر الفيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبادلا خلالها وجهات النظر حول العلاقات الثنائية بين الصين وروسيا، والمشكلات الإقليمية الأكثر إلحاحاً، الأمر الذي يشير إلى بداية جيدة في العلاقات بين بكين وموسكو خلال عام 2023.
لقد أصبح المشهد الجيوسياسي العالمي أكثر تعقيداً ويشهد تغييرات كبيرة، فبعد الصراع في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات شديدة على روسيا، حتى أنها هدّدت بفرض عقوبات على بكين في حال دعمها لموسكو. وفي غضون ذلك، واصلت واشنطن وحلفاؤها النظر إلى بكين على أنها تهديد متزايد لهم وزادوا عداءهم لها.
منذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، برزت آراء مختلفة حول كيفية تأثيره على العلاقات بين الصين وروسيا، وجادلت بعض الأصوات الخارجية بأن بكين وموسكو تتجهان نحو إقامة تحالف بينهما، بينما زعم البعض أن الشراكة “بلا حدود” بين البلدين فيها بعض القيود. علاوة على ذلك، حاول الغرب لسنوات عديدة عرقلة وتعطيل التطور الطبيعي للعلاقات الصينية الروسية، وقد تمّ تعزيز هذه الجهود بعد اندلاع الصراع بين موسكو وكييف، حيث ينتقد الرأي العام الغربي الصين لعدم إدانتها لروسيا بشكل مباشر، زاعماً أن دعم الصين لروسيا يقوّض مصالح بكين، ولذلك يحاول فصل الصين عن روسيا، لكن كل هذه المحاولات لم تعرقل شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا لعصر جديد.
بالنظر إلى تطور العلاقات الصينية الروسية في عام 2022، فقد تجلّى ذلك من خلال اللقاءات بين كبار قادة البلدين، والتحدث عدة مرات عبر وسائل مختلفة حول العلاقات الثنائية، وكذلك القضايا الإقليمية والدولية. كما عززت الصين وروسيا التعاون الثنائي البراغماتي بشكل مطرد، حيث حقق البلدان نجاحاً في مجالات مثل التعاون التجاري والاقتصادي، والتعاون في مجال الطاقة، وبناء البنية التحتية، فالتجارة الثنائية تقترب من 200 مليار دولار، والمشاريع الاستثمارية الكبرى قيد التنفيذ، وحجم تسوية العملة المحلية يتوسّع بشكل أكبر، كما أن جسر الطريق السريع وجسر سكة حديد تونغجيانغ مفتوحان أمام حركة المرور.
وفي إطار المنظمات متعدّدة الأطراف، بما في ذلك “بريكس”، و”منظمة شنغهاي” للتعاون، بذلت الصين وروسيا جهوداً كبيرة للدفع من أجل اقتران مبادرة “الحزام والطريق” التي اقترحتها الصين والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا. وفيما يتعلق بالأمن، أُجريت تدريبات عسكرية مشتركة بين الصين وروسيا كما هو مخطّط لها، على الرغم من الاتهامات والشكوك الغربية التي لا أساس لها من الصحة.
إن التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين هو نتاج طبيعي للتاريخ، فهو يلبي احتياجات البلدين والوضع الدولي الراهن، فبالنسبة للصين يعدّ تطوير علاقتها مع روسيا خياراً عملياً. بالإضافة إلى ذلك، تعارض الصين وروسيا إساءة استخدام الولايات المتحدة لهيمنتها، وإحياء عقلية الحرب الباردة في الغرب. وتضامناً مع الدول الأخرى، عزّز البلدان بثبات التعددية القطبية، وإضفاء المزيد من الديمقراطية على العلاقات الدولية، كما عارضوا بشدة الهيمنة ورفضوا الحرب الباردة الجديدة التي أثارها الغرب.
في عالم متغيّر، من المهمّ أن تمتلك القوى الكبرى الحكمة لحماية مصالحها الخاصة والمسؤولية عن تأمين مصالح البشرية، وبناءً على ذلك فإن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا ضرورية لتعزيز الاستقرار والسلام والأمن في العالم. وكبلدين رئيسيين، يمكن للصين وروسيا أيضاً لعب دور بنّاء للغاية في الحفاظ على النظام العالمي والعدالة.
وكما قال عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في 25 كانون الأول العام الماضي، خلال ندوة حول الوضع الدولي وعلاقات الصين الخارجية، فإن العلاقة بين الصين وروسيا، والتي تقوم على عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث، لا تزال صلبة لأنها علاقات خالية من التدخل أو أي محاولة لإثارة الفتنة، وهي محصّنة من التغيّرات في البيئة الدولية.