الظاهر ديني والمضمون سياسي !
25 أيار عيد تحرير الجنوب من احتلال المستعمرين الإسرائيليين. 6 أيار عيد الشهداء. 7 أيار 2008 تاريخ الانتفاضة ضد قرارات حكومة فؤاد السنيورة الذي أراد ومعه حلفاؤه، تقليم أظافر حزب الله. في 14 أيار 1948 أعلن المستعمرون الإسرائيليون عن قيام دولتهم على أرض فلسطين. أما في 17 أيار 1983 فكانت الطامة الكبرى. وقّعت الحكومة اللبنانية في هذا التاريخ مع المستعمرين الإسرائيليين إتفاقية «تـُطبع» بموجبها علاقاتها مع الأخيرين الذين كانوا يحتلون البلاد. ولكن انتفاضة حالت دون المضي في تنفيذ بنودها. حدث مثله في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية.
كم هو غني شهر ايار بالأحداث التي تدلل على حقيقة الأوضاع الراهنة، وعلى الإحتمالات المرتقبة على المدى المنظور. أن فاتورة التحرير مسجلة في مدافن قرى الجنوب والبقاع. جل الأبناء أمضوا شهورا في مخيم أنصار. هنا تكمن عقدة المسألة. أي أنها في ثنايا الموقف من المستعمر. هل نقاوم وكيف؟ هل نتراخى ونترك المستعمر يصول ويجول كما يحلو له؟ هل نتسابق إلى الدخول في خدمته؟!
ما يزيد الطين بلة من وجهة نظري أنه توكل، بقدرة قادر، موقتا، قيادتـَنا رجالٌ استحوذوا في شخوصهم على جميع السلطات. يشرعون ويأمرون ويقضون فيُحرِمون ما يرونه منكرا ويحللون ما يريدون تبريره وتمريره! انهم رجال الدين الذين اقتحموا ميدان السياسة. هذا يشمل جميع رجال الدين في الشرق، إلا ما ندر!
أن الوطن لا يكون وطنا بالقوة أو بالفعل، الا إذا خلا من المستعمرين. لا فرق بين الذي يساكن المستعمر في وطنه من جهة وبين الذي يوقع اتفاقية صلح أو تطبيع مع المستعمر من جهة ثانية. فهو كمثل الذي ارتهن شريرٌ منزله واستلب عقله.
يتوجب القول في السياق نفسه، أنه تنعدم مصداقية المؤمن في تعبدِه في المكان المقدس إذا كان هذا الأخير تحت سلطة طاغِ أو مستعمر غاصب. فوجود هذين الأخيرين إنتهاك لقدسية المكان، وأنقاص للطهر أو أبطال له بحسب مصطلح رجال الدين. أن المكان المقدس يكون سقفه السماء. أي لا سلطة عليه الا للخالق. فهو قربان له.
ما أود قوله، هنا بصراحة ووضوح، هو ان المؤمن الصادق، يتقدم ولا يمشي القهرى. لا يرضى المؤمن أن يطأ المستعمرون أرض مقدساته. أما إذا احتلها هؤلاء الأخيرون، فهذا يعني ان العبادات» غلبت على «المعاملات»! من البديهي أن هذا يناقض جوهر الرسالة الدينية. كون الخالق بغنى عن العبادات، في حين أن تنظيم العيش الجمعي، والتقدم، يتطلبان من الإنسان، بحسب مضمون الرسالات السماوية، أن يحسن معاملة الآخرين! أي ان يكون مهذبا ومتخلقا بخلق الأمة والوطن.
أصل بعد هذه التوطئة، إلى السؤال عن الأسس التي يرتكز عليها رجل الدين عندما يمارس العمل السياسي. لا سيما ان كونه رجل دين، في بلاد تتعدد فيها الديانات والمذاهب، يجعل تواجده في ميدان السياسة، في حد ذاته، مشكلة. يدعي رجل الدين أنه يتأبط حقائق ثابتة ومثبتة. كيف يستوي الأمر عندما يتزايد عدد رجال الدين العاملين في السياسة، إذا كان في محفظة كل واحد منهم نوعا مختلفا من الحقائق التي لا تقبل النقاش!
في سياق مغاير، نظرا للظروف التي تمر بها بلادنا، لا مفر من التساؤل أيضا عن دور رجل الدين ـ السياسي، في ظل احتلال المستعمرين لأرض الوطن، أو في مواجهة الخطورة التي يمثلها المستعمرون، على أمن الناس ومستقبلهم ووجودهم! أي بكلام آخر، هل لدى رجل الدين، اي رجل دين، حقائق وحلول وخطط حيال مسألة الإستعمار؟
استنادا إليه، إذا كان طبيعيا أن يشارك رجل الدين الناس في البحث عن حلول لأزماتهم الداخلية، لا أن يفرض حلولا هي بالقطع منتهية الفعالية، فإن الأزمات الداخلية ليست مناسبات لعقد حورات «أديان» بين رجال دين الذين يتزعمون المعذبين في الأرض من جهة وقادة المستعمرين من جهة ثانية! كما أنه ليس منطقيا، أن يذهب رجل الدين للصلاة، بمفرده، إلى القدس، في الوقت الذين يمنع فيه الفلسطيني، المقدسي، من الصلاة في مدينته.
مجمل القول، ان شيخ الأزهر الذي ظهر أمام الملأ وهو يصافح، شيمون بيريز، احد قادة المستعمرين الإسرائيليين، إنما كان يؤدي دورا سياسيا بامتياز. أي أن تصرفه، كان من نوعية تصرف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. لولا زيارة هذا الأخير، لما زار مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة القدس.
السؤال المحوري في هذا الموضوع، هو هل يكفي أن يحج رجل الدين بمفرده، الى المكان المقدس، إذا تعذر على الناس الحج إليه، لان المستعمر يمنعهم من ذلك؟ لماذا يسمح المستعمرون الإسرائيليون لمفتي الجمهورية في مصر، بالصلاة في القدس، ولا يسمح للمصريين؟ لو كان المفتي، أو رجل الدين، الذي يأتي إلى القدس، يشكل إزعاجا للمستعمرين، ودعما للمقاومين ضد الإحتلال، لما استطاع المفتي أو رجل الدين، دخول القدس والصلاة في المكان المقدس. ما معنى أن يطلب الإنسان إذنا من حاكم غاشم أو من مستعمر عنصري، حتى يدخل للصلاة في المعبد!.. وأخيرا لا بد من القول أن هذه الازدواجية التي ظاهرها ديني ومضمونها سياسي، مثلت ولا تزال تمثل عاملا هاما من العوامل التي أهلكت الناس وخربت الأوطان. أن الأماكن المقدسة هي أمانة في أعناق المؤمنين. أن المحافظة على قدسيتها تقضي بوجوب تحريرها، حتى لا تبقى رهينة بين أيدي المستعمرين الاسرائيليين. لأن الاستعمار ظلم وكراهية وتغول وإجرام. أن المؤمن الصادق لا يصلي في ظل الظالم، بل هو يكافح الظلم حتى إذا فرغ وقف للصلاة.
ثريا عاصي – صحيفة الديار اللبنانية