الطموح السعودي و الإنتصار الحتمي للجغرافيا السورية ؟
موقع العهد الإخباري-
حيّان نيّوف:
في خطوة مهمة تمثل تحولاً جديدا على صعيد العلاقات السورية العربية عموماً والسورية السعودية خصوصاً، وصل إلى الرياض بالأمس القنصل السوري “إحسان رمان” يرافقه فريق العمل الدبلوماسي وأعيد افتتاح السفارة السورية في العاصمة السعودية الرياض واستئناف نشاطها المتوقف منذ ما يقارب عقدا من الزمن، في حين تحدثت مصادر أخرى عن أن المرحلة المقبلة ستشهد تعيين سفير لسورية لدى المملكة.
تشكّل هذه الخطوة انعكاساً للتطور في العلاقات بين دمشق والرياض بعد الزخم الذي شهدته التحركات الإقليمية والإندفاعة العربية نحو دمشق في أعقاب القمة العربية التي عقدت في جدة وحضرها الرئيس “بشار الأسد”، وتشكيل ما سمّي بلجنة الإتصال العربية مع دمشق والتي ضمت كلاً من السعودية ومصر إلى جانب الأردن ولبنان والعراق.
أشهر عدة مضت منذ تشكيل تلك اللجنة التي عقدت عدة اجتماعات وتمحور نشاطها وفقّا للتصريحات والتسريبات المرافقة حول سياسة الخطوة مقابل خطوة التي طرحتها لجنة الإتصال العربية والتي تعني أن تتقدم دمشق بخطوة مقابل تقدم الدول العربية بخطوة مقابلة نحوها، وتركزت المطالب العربية من دمشق حول أمن الحدود والتعاون في محاربة تجارة المخدرات وقضية عودة اللاجئين في مقابل الإنفتاح العربي على دمشق والعمل لرفع الحصار عن سورية والمساهمة في إعادة الإعمار ضمن خطة متدرجة للحل السياسي.
غير أن المرحلة الاخيرة شهدت فتورا في الإندفاعة العربية نحو دمشق، وهذا الفتور تعزى اسبابه الحقيقية للموقف الاميركي الضاغط على الدول العربية وخاصة السعودية ومصر والاردن، وفي أكثر من مناسبة كانت تعليقات المسؤولين الأميركيين واضحة لجهة عرقلة التوجه العربي نحو دمشق ولجهة اتهام دمشق بعدم تنفيذ ما هو مطلوب منها عربيا.
وحقيقة الأمر هو أن عمل اللجنة العربية والقرار العربي مرهون بشكل رئيسي بالموقف السعودي في ظل غياب الدور المصري لأسباب عدة منها ما هو متعلق بتماهي السياسات المصرية مع الرغبات الامريكية، ومنها ما هو متعلق بالإستثمار المصري بالأزمة السورية لتحقيق مكاسب آنية، وكذلك تراجع الدور الإماراتي وانضواؤه تحت مظلة المواقف السعودية بعد أن شهد تفردا في السنوات الاخيرة، وأغلب الظن بأن الإمارات خشيت من استبعادها من مشروع الممر الإقتصادي “الهندي السعودي الاوروبي” لصالح سلطنة عمان مما اضطرها لتقديم تنازلات إقليمية كان من ضمنها الموقف من سورية.
في هذا الإطار نذكّر بموقفين صادرين عن كل من مصر والإمارات بهذا الخصوص. الموقف المصري عبر عنه وزير الخارجية “سامح شكري” الذي قال أن عودة سورية للجامعة لا تعني الإرتقاء بمستوى التمثيل مع حكومة دمشق، والموقف الإماراتي عبر عنه مؤخرا المستشار السياسي للرئيس الإماراتي “أنور قرقاش” الذي قال بأن بلاده شريك في التعاون العربي وتبادر في العديد من الملفات منها مثلاً الملف السوري وغيرها وتقوم بأدوار سباقة ولكن سرعان ما تعود إلى التكتل العربي.
يتضح من ذلك أن الرياض ترغب في حصر التعاطي العربي مع الملف السوري بها دون غيرها، أو بالحد الادنى ان يكون أي تحرك عربي نحو دمشق بإشرافها، وربما لا يقتصر الأمر على الصيغة العربية للملف السوري بل ربما تتعداه إلى رغبة سعودية بمنافسة منصات الحل الإقليمية والدولية وتحديدا جنيف وآستانة.
وفيما يخص صيغة جنيف فقد شهدت الفترة الاخيرة زيادة في التواصل السعودي مع المبعوث الاممي “جير بيدرسون”، وبما يخص صيغة آستانة فقد لا يكون من المصادفة ما أعلنه نائب وزير خارجية كازخستان خلال الإجتماع الذي عقد في حزيران الفائت لدول صيغة آستانة التي تضم “روسيا و إيران وتركيا” بقوله إن هذا الإجتماع هو الإجتماع الاخير الذي يعقد في آستانة لهذه الصيغة ، وهذا الإعلان كان مفاجئا واستدعى ردا من نظيره الروسي الذي قال بأن صيغة آستانة مستمرة حتى لو في مكان آخر.
موقف كازخستان التي تتعرض لضغوط غربية شديدة وتتلقى عروضا استثمارية تشجيعية من الرياض مؤخرا، لم يكن مصادفة حتى لو كان مفاجئا وخاصة أنه تزامن مع تشكيل لجنة الإتصال العربية الخاصة بدمشق، وهو ربما ياتي في ذات الإطار المتعلق بمحاولات السعودية للفوز بحصرية قيادة الجهود المتعلقة بالملف السوري يؤكد ذلك ما قاله المستشار الإماراتي “انور قرقاش” بقوله: “لا يمكن أن القرار في سورية تؤثر عليه دول مثل إيران أو تركيا أو روسيا، ولا يكون هناك صوت عربي، فهذا من الاستراتيجية”.
لا شكّ بأن دول صيغة آستانة ليست في وارد التخلي عن الملف السوري مطلقاً، وهي الدول الفاعلة على على الأرض، وفي ذات الوقت فهي لم تظهر ممانعة للدور العربي الذي تقوده السعودية التي تمتلك هامشّا واسعا لذلك خاصة لجهة قدرتها على التحرك والمناورة مع الأميركي، خاصة في هذه المرحلة التي تضغط فيها إدارة بايدن للوصول إلى تطبيع سعودي ــ اسرائيلي.
المؤكد هو أن دمشق تدرك جيدا كل ما يجري على جميع المسارات، وتمتلك القدرة للمناورة بينها وتحقيق المكاسب التي تتطلع إليها، ولعل التشبيك مع الصين مؤخرا كان مهما للغاية في هذا التوقيت، وفي ظل التنافس الحاصل كقوة عظمى يمكن الزج بورقة العلاقة معها وهي التي تتبنى استراتيجية جديدة في الشرق الاوسط، ونجحت في تحقيق أهم مصالحة إقليمية بين الرياض وطهران يمكن البناء عليها في الإقليم الذي عاد إلى الواجهة كأهم جغرافيا سياسية واقتصادية عالمية، والخطوة الاخرى التي لجأت إليها دمشق بالتنسيق مع طهران تمثلت بالمبادرة التي طرحها وزير الخارجية الإيراني “حسين امير عبد اللهيان” لانسحاب تركيا من الشمال السوري مقابل ضمان دمشق لأمن الحدود.
أخيرا؛ فإنه من الخطأ قراءة كل ذلك من زاوية نظر قاصرة توحي بأن الجغرافيا السورية باتت مرتعا للكبار، بل إن الحقيقة التي تفرضها التحولات الجيوسياسية والجغرافيا المتحركة والصراع الدولي على الممرات والمعابر، والرغبة الملحة في تأمينها، تؤكد بأن الجغرافيا السورية في القلب ولا يمكن القفز فوقها، وأنها ستفرض نفسها بالنهاية وفقاً لشروط ترضى بها دمشق أولاً.