الصين في مواجهة استراتيجية ترامب: لا نريد المواجهة ولكننا لن نهرب منها
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
“الصين لا تريد المواجهة ولكنها لن تهرب منها”.
هذه خلاصة الرد الصيني على وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصين (وروسيا) في مرتبة “المنافس” الذي يهدد مكانة الولايات المتحدة في العالم، ويعمل على جعلها تتراجع عن موقعها الأول في الترتيب العالمي في مختلف المجالات.
“الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأميركي” التي أعلنها ترامب يوم الاثنين الماضي تعرضت لانتقادات كبيرة في أنحاء العالم، ولكن الصدى الأكبر لهذه الاستراتيجية كان في الصين التي وجدت في ما ورد عنها في صفحات الرؤية الأميركية الجديدة للعالم هجوماً مباشراً عليها، وافتئاتاً على واقع العلاقات بين الطرفين، والتي ينبغي أن تكون علاقات تعاون وتنمية متبادلة، بدل أن تكون علاقات تنافس وتناحر كما يصفها ترامب في استراتيجيته.
لذلك لم يخفِ “آي جون” في افتتاحية صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية ـ المؤثرة والفاعلة ـ دهشته حين قال إنه “في استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2015 كانت الصين توصف بأنها شريك لواشنطن، ولكن بعد سنتين فقط أصبحت الصين منافساً في استراتيجية ترامب” ويضيف المعلّق البارز في الصحيفة التي تعبّر عادة عن الاتجاهات الوطنية في الحزب الشيوعي الصيني: “إن كل الجهود التي بذلتها الصين خلال هاتين السنتين للتشجيع على قيام علاقة شراكة بنّاءة ووجهت في واشنطن بـ “عين باردة”: لم ترَ واشنطن في كل ذلك سوى نُذُر مواجهة”. ويختم “آي جون” هذه الفقرة من افتتاحية الصحيفة ليوم الأربعاء الماضي بالقول: “لقد آن الأوان لأن تبدأ الصين في مناقشة كيفية مواجهة المنافسة المباشرة مع الولايات المتحدة”.
هذا الموقف القوي من صحيفة “غلوبال تايمز” يعكس شعوراً كبيراً بالضيق في القيادة الصينية إزاء العنف الكلامي الوارد في الاستراتيجية الأميركية.
لقد جاء في وثيقة ترامب “أن الصين وروسيا تتحديان القوة والنفوذ والمصالح الأمريكية، في محاولة لتهديد الأمن والازدهار الأمريكيين.. إنهم مصممون على جعل الاقتصادات أقل حريةً وأقل عدلاً ويعملون على أن تنمو جيوشهم وأن يسيطروا على المعلومات والبيانات لقمع مجتمعاتهم وتوسيع نفوذهم”.
“هذه اللغة تبرّر الشعور بعدم الارتياح والقلق بين النخب الأميركية تجاه التغيير المستمر في الحكم العالمي والنظام السياسي العالمي.” يقول “دياو دامينغ” الباحث في معهد الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في مقالة نشرت في “بكين نيوز”، مضيفاً: “ولكن من خلال المبالغة في التهديدات الخارجية المتخيلة، ولا سيما التهديدات من القوى الأخرى، فإن الولايات المتحدة سوف تجعل من الصعب زيادة تطوير العلاقات التعاونية والمنفعة المتبادلة مع الدول الأخرى”.
هذا الرد الصيني القوي على استراتيجية ترامب لم يقتصر على المحللين والمعلقين في الصحافة الصينية، بل إنه برز بقوة في ردود الفعل الرسمية، فالمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية “هوا تشون يينغ” حثت الثلاثاء الولايات المتحدة على وقف التشويه المتعمد لنوايا الصين الاستراتيجية والامتناع عن عقلية الحرب الباردة ومفهوم اللعبة الصفرية الذي عفا عليه الزمن”. وأشارت إلى أن “الصين لن تسعى أبداً إلى التنمية على حساب مصالح الدول الأخرى. كما انها لن تتخلى مطلقاً عن حقوقها ومصالحها الشرعية.”
من جانبه دعا “رن قوه تشيانغ” المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية الولايات المتحدة إلى أن تكون موضوعية وعقلانية فيما يتعلق بتطوير الجيش الصيني، مضيفاً “إن التقرير (الأميركي)، بغض النظر عن الحقيقة، خلق ضجة مثيرة للقلق حول جهود الصين لتحديث دفاعها الوطني، وشكك في نية التنمية العسكرية الصينية”.
هذا من الجانبين السياسي والعسكري، أما من الجانب الاقتصادي، فإن رد “جاو فنغ” المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية حمل تعابير أكثر قسوة حين قال “إنه يتعين على الولايات المتحدة العمل مع الصين من أجل الحفاظ على علاقات ثنائية سليمة ومستقرة”، مضيفاً أنه “بالتخلي عن عقلية الحرب الباردة والهيمنة، سيكون لدى أكبر اقتصادين في العالم القدرة على الحفاظ على تعاون متبادل النفع وتنمية مشتركة وسيستطيعان دعم الرخاء في الاقتصاد العالمي”.
بهذه الثلاثية الرسمية العنيفة كانت الصين تحدد موقفها الواضح والقوي من الاستهداف الأميركي المتصاعد للبروز الصيني على مستوى العالم. وقد تلازم هذا الرد الصيني القوي مع محاولة تهدئة قام بها الدبلوماسي الصيني المخضرم “تسوي تيان كاي”، السفير الصيني في واشنطن، الذي أكد في تصريحات لقناة “سي أن أن” الأميركية أن الصين لا تسعى للهيمنة العالمية، مضيفاً: “نرى أنه لا توجد لعبة المحصلة الصفرية بين الصين والولايات المتحدة.” والمقصود باللعبة الصفرية هو أنّ ربح طرف يعني خسارة مماثلة وبالقيمة نفسها للطرف الآخر.
وشرح تسوي فكرته بالقول: “إن أي حرب تجارية أو حرب عملات ستلحق الضرر بكلا البلدين”، مؤكدا أنه يتعين على الصين والولايات المتحدة تنسيق مواقفهما “من أجل تحقيق تفهم كامل لبواعث قلق واحتياجات الطرف الآخر، والسعي لبناء موقف يراعي مصالح كلا البلدين”.
يتبيّن من هذا التعاطي الصيني المزدوج الأوجه مع استراتيجية ترامب العنيفة أن بكين تحسب جيداً مخاطر الدخول في مواجهة مع واشنطن، دون أن يعني ذلك انها متهيّبة من خوض هذه المواجهة في حال باتت لا يمكن تفاديها. إنها معادلة صينية جديدة، تُظهر ثقة بالنفس أكبر من كل ما عرفه العالم خلال العقود الماضية.