الشيخ قاسم في لقاء مع “موقع المنار”: الاتفاق الايراني نقطة تحول في مسار المنطقة
هل تهتز ثوابت ايران تجاه القضية الفلسطينية؟ أثمة تنازلات إيرانية وفق مقتضى اتفاق النووي؟ هل يموت شعار “الموت لأمريكا”؟ “غزوة السفارة”… ماذا ينتظر حزبُ الله؟ ماذا عن سورية؟ وكيف أمست العلاقة مع “حماس”؟ وماذا عن “القاعدة” وأخواتها؟… كانت هذه الأسئلة حاضرة بقوة في لقاء فريق “موقع قناة المنار ” مع نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في أجواء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني كانت القضية الفلسطينية.
“انتصار كبير” و”انجاز عظيم لمصلحة العرب والمسلمين وكل أحرار هذا العالم”. هكذا وصّف الشيخ نعيم قاسم “الاعتراف الذي انتزعته الجمهورية الاسلامية بعد فشل الحصار والعقوبات المفروضة عليها منذ أكثر من 15 عاماً”، والذي تحقق بفعل “صمود القيادة والشعب في ايران” الذي يجتمع على أي خيار يحقق نمو بلاده ونجاحها.
“لا خاسر من الاتفاق إلا أصحاب المشاريع المختلفة المرتبطة بالأجنبي” يقول نائب أمين عام حزب الله، مستغرباً كيف يشعر البعض “بألم ومرارة لحصول الاتفاق وكأنه يريد أن تُضرب ايران لتبقى الأولوية لحضوره في المنطقة”. ويلفت إلى أن قيمة الاتفاق يُبيّنها رد الفعل الاسرائيلي، الذي في تصاعد غضبه دلالة على أهمية ما تم تحقيقه، خصوصاً بعد سعي رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الدؤوب لتوريط الأميركيين في حرب ضد إيران، ليس بمقدور جيش خوضها منفرداً.
ويرى أن الاتفاق، الذي جنب المنطقة حرباً سعت لها “اسرائيل”، أدخل الجمهورية الاسلامية إلى النادي النووي العالمي ووضعها في مصاف القوى الكبرى، وأنه يشكل نقطة تحوّل في مسار المنطقة ككل، كون تداعياته ستنعكس على خارطة الوضع السياسي لأنه “يفتح الباب أمام اتفاقات أخرى مرحلية كانت أم شاملة”.
“الموت لأمريكا”
ومقابل صورة الانجاز الايراني، يرى الشيخ قاسم أن الاتفاق كشف الضعف الأميركي بعد خسائره المتتالية وفشل سياساته في المنطقة، ما استدعى منه البحث عن حلول جديدة بعد إدراكه أنه لم يعد بالامكان تمرير مشاريعه في المنطقة بسهولة. ويوضح قاسم أن الاعتراف الأميركي بحقوق ايران النووية جاء كحل على قاعدة أهون الشرور، بعد أن وجدت الادارة الأميركية نفسها أمام خيارين: حرب مجهولة النتائج أو استمرار الوضع على ما هو عليه بعد أن فرض الحصار على الايرانيين البحث في حلول بديلة ساهمت في إبراز قوة إيران.
ورغم وصفه ما تحقق بـ “الانجاز”، حذر الشيخ نعيم قاسم من مغبة “الزهو بالاتفاق”، مشدداً على أنه طوى مرحلة من مراحل الصراع، إلا أنه لم يقفله ولم ينه المشاكل العالقة بين الجانبين في ملفات عدة، أبرزها القضية الفلسطينية. وجزم أن شعار “الموت لأمريكا” باقٍ فيما المفاوضات ستسير معه بالتوازي. “نحن أمام حقيقة بأن ايران انتصرت بقيادتها وشعبها.. ويمكن استثمار قوتها لمصلحة المنطقة والعالم الاسلامي”.
القضية الفلسطينية
يجزم نائب أمين عام حزب الله أن الاتفاق الايراني مع القوى الكبرى تناول المسألة النووية حصراً، ويوضح أن الولايات المتحدة كانت تريد عبر الاتفاق أن تعبر إلى ملفات المنطقة التي تؤثر فيها طهران إلا أن توجيهات الامام الخامنئي كانت مُعلنة وواضحة بعدم الخوض في أي ملف غير النووي. لذلك فلا مجال للحديث عن تنازلات فيما يتعلق بثوابت الجمهورية لناحية موقفها من القضية الفلسطينية، او دعمها لحركات المقاومة ووقوفها إلى جانب سورية.
ورغم استبعاده أي معالجة قريبة للقضية الفلسطينية، يقرّ الشيخ قاسم بوجود رغبة أميركية بمعالجة الملف مع فقدان القدرة على فرض حل. ويفسر الاهتمام الأميركي بالخشية على مصلحة واستقرار كيان الاحتلال الاسرائيلي جراء الفوضى التي تشهدها المنطقة نتيجة الأزمات المتفجرة، وهو منطق لا يقتنع به الاسرائيليون أنفسهم، فيجدون أن تعنتهم واثارة المشاكل في البلدان المحيطة، يضعف هذه البلدان، وبالتالي يمكن “اسرائيل” من تحقيق مكتسبات أخرى على صعيد الاستيطان والاحتلال لتملي على الفلسطينيين ما تريد.
“إسرائيل ليست مستعدة لتقديم شيء للفلسطينيين، وتعتقد ان القوة والدعم الدولي سيتيحان لها أن تأخذ ما تشاء من الفلسطينيين مع الوقت، وهو خلاف وجهة النظر الأميركية”.
أما “الجانب العربي فقد باع القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين، وكل المؤتمرات التي انعقدت تحت عنوان القضية شكلت غطاءً لتسوية تربح فيها اسرائيل، لأنهم خارج دائرة اعادة فلسطين، وهم حاضرون للقبول بذهاب فلسطين بالكامل”، يقول الشيخ .
العلاقة مع “حماس”
ويؤكد أن المقاومة حاضرة في فلسطين، سواء من خلال حركة “حماس” أو الجهاد الاسلامي إضافة إلى فصائل أخرى، “هناك تصميم على استمرار المقاومة ونحن مطمئنون لهذا الخيار”. ويشير الشيخ قاسم إلى أنه لابد من التمييز “بين استمرارية المقاومة كخط وقرار وبين وجود عمليات للمقاومة في هذه المرحلة او عدم وجودها.. ما يهمنا بقاء خط المقاومة والتصميم عليه، اما العمليات فلها علاقة بتقدير المقاومين وبحسب الظروف”.
ويجزم نائب أمين عام حزب الله أن تحرير فلسطين لا يتحقق بدون البندقية والمقاومة الفلسطينيتين.
أما “حماس”، فيصفها الشيخ نعيم قاسم بأنها “رأس حربة المقاومة في فلسطين”، وأحد أركان محور المقاومة الذي لم يضيّع بوصلته في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
يقول الشيخ قاسم إن الخلافات في مقاربة ملف الأزمة السورية أُخضعت لنقاشات مشتركة بين حزب الله وحماس، نقاش لم يطال”المبادئ أو الأسس، انما تناول التفاصيل وبعض المواقف السياسية التي لها علاقة بتطورات المنطقة”، مؤكداً أن الحركة تبقى”طليعة من طلائع المقاومة في فلسطين.. ونحن في حزب الله مصرون على استمرارية العلاقة معها ودعمها والتأكيد على دورها في المقاومة الفلسطينية”.
وفي حديثه، يشدد على رفض حزب الله ان يتسبب اي خلاف في وجهات النظر بوقف دعم المقاومة الفلسطينية. ويكرر أن موقف الحزب من سورية نابع من قناعاته بأن ما يجري فيها يهدف إلى نقلها من موقع المقاومة إلى موقع مضاد، داعياً الآخرين لعدم الانجرار وراء العصبيات، “فليفكروا بمصلحة القضية الفلسطينية. فليفكروا بماضي هذه القضية..من وقف مع فلسطين في السابق ومن وقف ضدها؟ من وقفوا ضد فلسطين نفسهم يقفون اليوم ضد سورية”.
القاعدة وأخواتها
وبرأي الشيخ نعيم قاسم فإن العلاقة بين الولايات المتحدة بالتيار التكفيري هي علاقة تقاطع مصالح وليس فيها إدارة وإمرة. لأن هذا التيار لا يقف مع أحد. يوضح أن مجيء هذا التيار إلى سورية كان مطلوباً، إذ أن تماسك الجيش السوري فرض على الدول المتآمرة على سورية خيار عسكرة المعارضة الضعيفة داخلياً، ففُتحت الأبواب أمام الراغبين بالقتال ليتوافد مقاتلون من نحو 80 دولة أجنبية.
وبموازاة عملهم ضد سورية عمل الأميركيون على “تجميع القاعدة في سورية بهدف تصفية الحسابات معها على الأرض السورية، ليتخلصوا منها بعد تأدية وظيفتها”. وحصل ما أراده الأميركيون، توافد مقاتلو القاعدة من كل أنحاء العالم لتصبح أقوى مما كان يتوقعه الاميركي.
ووفقاً لتصوره، يقول الشيخ قاسم إن الولايات المتحدة تدرك أن “القاعدة وأخواتها” لا يمكن أن تكون مشروعاً سياسياً بيدها، لكنها تصلح لأن تكون مشروعاً تخريبياً يُستخدم لخلق مناخ سياسي تريده أميركا، لتزيح بعدها القاعدة جانباً.
يؤكد نائب أمين عام حزب الله أن ما خدم هذه التوجهات في سورية، هو “استغلال المشاعر المذهبية والتدليس الذي يمارسه بعض القيادات العلمائية”.
“نحن مسؤولون لأن نطمئن الطرف الآخر وان نقدم له تجربتنا ورؤيتنا، ومن يقرأ مواقفنا وتصريحاتنا يجد اننا في كل مراحل الاستفزاز المذهبي، كنا نرفض ذلك ونتجه للدعوة الى الوحدة… الحملة التي تجري لمذهبة الصراع تُرعى من قبل دوائر اميركية واسرائيلية وجهات عربية متضررة من أي حل يخدم الأمة والشعب وفلسطين”.
ويتابع الشيخ قاسم: “نحن نقوم بما علينا وسنبقى كذلك. لازلنا ندعو الى الوحدة الاسلامية ونقبل بحوار حول النتائج.. نسأل الآخرين ماذا قدموا للقضية الفلسطينية؟ ونعرض ما قدمنا. ماذا قدموا لاستقلال البلاد العربية والاسلامية وماذا قدمنا؟ وإن ارادوا نقاشاً موضوعياً فسيصلون الى نتائج حتماً، أما أن تبقى الأمور ضمن دائرة العصبية التي تقفل أي باب للحوار… فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها”.
“غزوة” السفارة
وعن التفجيرين الارهابيين الذين طالا محيط السفارة الايرانية في بيروت علق الشيخ قاسم مذكراً بما قاله حزب الله إبان تقديمه المساندة للجيش السوري يوم وصّف مشاركة الحزب على أنها “عمل استباقي من أجل تخفيف انعكاس الأحداث السورية على لبنان. وما نراه اليوم هو جزء لا يتجزأ من المشروع الذي يستهدف كل محور المقاومة، ومن ضمنه حزب الله في لبنان”.
ويكشف أن الاحتياطات الأمنية تحسباً لتفجيرات، كان ينفذها حزب الله منذ العام 2006، “كانت المعلومات لدينا منذ ذلك الوقت، أن هناك من يستعد، ولكن كانت توجد عقبات وقد كُشف عن بعض الأمور التي أُفشلت”.
“اليوم كبرت الأزمة السورية، وبات لبنان مكشوفاً بعدد كبير من النازحين وبإدارة سياسية مرتبكة يوازيها خطاب تحريضي يعتمده البعض، ما خلق بيئة حاضنة لهذه الأعمال، التي كان يعد لها ولم تكن مرتاحة في حركتها”.
ويتابع الشيخ قاسم بأن لبنان يعيش “فلتاناً سياسياً، وبنسبة ما أمني. وهناك حماية سياسية للمجرمين، بل توجد مناطق هي أقرب الى بؤر تخرّج وترعى مثل هذه الأعمال الإجرامية الإرهابية”.
ويشير إلى أن ما حصل في تفجير السفارة هو نتيجة هذه التطورات الميدانية والسياسية، ورد على صمود المقاومة وإنجازاتها ونجاحات محور المقاومة. ويضيف: “عملنا مع الأجهزة الأمنية لمحاولة التخفيف من هذه الأعمال وإيجاد مناخ سياسي مساعد ليخفف من الإحتقان، ولكن لم يكن هناك استجابة من الطرف الآخر لأن هناك قرار إقليمي”.
سورية.. و”جنيف 2″
وفي سورية، فإن غلبة الجيش السوري واضحة بدليل الانجازات الميدانية، التي دفعت بالأميركيين للتحرك باتجاه عقد “جنيف”. إن الغلبة في الميدان وتماسك الجيش إضافة إلى تفكك المعارضة وتقاتلها يعززان من موقف الحكومة السورية في اي تفاوض، وهذا ما يقتنع به الاميركيون. وهي نظرة يعارضها الخليجيون الذي يرفضون أي تسوية كونها ستصب حتماً لمصلحة نظام يسعون إلى اقتلاعه بأي صورة.
يكمل سماحته حديثه، مشيراً إلى مهل طلبها الخليجيون من الأميركيين للتمكن من تغيير المعادلة على الارض وفشلوا.” ومعلوماتنا تؤكد انه طُلب مهلة أخرى مدتها شهرين، انقضى الأول ولازال شهر آخر. والعمدة في المهلة الجديدة ليس التغيير العسكري – الميداني فقط، بل المراهنة على عدم قدرة صمود النظام اقتصادياً. وسيكتشفون بعد مرور الشهر الاضافي ان المراهنتين فاشلتان”.
ويتحدث عن نقطة ضعف أخرى يواجهها المعسكر المواجه لسورية، إذ أن التكفيريين هم اقوى المعارضين على الأرض والاكثر انتشاراً، وطرف لن يجلس على طاولة “جنيف2″، معنى ذلك ان من سيجلس على طاولة المفاوضات من طرف المعارضة لن يستطيع ان يقدم التزامات.
ويرى الشيخ قاسم أن أحد اسباب القتال بين الجيش الحر وداعش وجبهة النصرة يتعلق بالتزام خليجي أمام الأميركيين بتمكين “الجيش الحر” بفرض سيطرته مقابل داعش ليثبتوا أن هؤلاء يستطيعون أن يكونوا في جنيف 2 ممثلين.
“اذا انعقد جنيف 2 فأعتقد أنه سيتأخر وسيكون ضعيفاً، يركز فيه المعنيون على الشكل الفارغ من المضمون.. لكن الغرب محتاج لهذا المؤتمر كقطار يحمل الحل ولو كان فارغاَ وبلا مقومات كافية”.
ويقول نائب أمين عام حزب الله إن الأميركي يراعي الخليجيين طالما أنه لا يشعر بتهديد ولا يخسر، فالشعب السوري يدفع الثمن والتمويل يأتي من الخليج، إلا أنه سيستشعرون الخطر مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في سورية، لأن فوز الرئيس الاسد سيضطرهم للتحاور معه كرئيس غير مشكوك بشرعيته، وعندها ستخرج الرئاسة عن دائرة النقاش. وأردف قاسم مستعرضاً مواقف أظهرت قناعة اميركية بشرعية للرئيس يرفضون إقرارها لفظاً… مشيراً إلى اتفاق الكيميائي لا يمكن إبرامه إلا “مع من يملك سلطة القرار وقد عقده الرئيس الأسد والتزم به تفصيلاً ، وهذا ما يعترف به كيري نفسه. بالمقابل فإن مشهد ضعف المعارضة وضع الأميركي أمام مأزق حقيقي لأنه موقن أنها غير مؤهلة وغير مجتمعة ولا رأس قيادي فيها”.
“هناك وجهة نظر أميركية أصبحت سائدة أنه لا يمكن إجراء تغيير في سورية من دون أن تكون الحماية متوفرة من قبل الجيش السوري… هم يعضون أصابعهم من تجربة العراق حين حلّوا الجيش”، يقول الشيخ قاسم مؤكداً أن الجيش لا يحمي نظاما أو رئيسا بل هو جزء من الدولة ومن جهاز الحكم.