السيد حسن نصرالله يشارك شخصياً باحتفال يوم القدس: إزالة إسرائيل مصلحة وطنية للمنطقة
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي ألقاها خلال مشاركته شخصياً في مهرجان يوم القدس العالمي في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية – كاملة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا، أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
في السابع من آب عام 1979، يعني في الأشهر الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، أصدر الإمام الخميني (قدّس سره) دعا فيه جميع الشعوب المستضعفة في العالم وخصوصا المسلمين إلى إعلان آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك كيوم عالمي للقدس، هذه الدعوة التي أكّد عليها بعد رحيله سماحة الإمام السيد علي الخامنئي دام ظلّه الشريف.
هدف الدعوة هو تذكير المسلمين والعالم بقضية القدس وفلسطين ومنعها من الدخول في دائرة النسيان والاستفادة من هذه المناسبة العظيمة في شهر الله للتوعية والتعبئة وحشد الطاقات، طاقات الأمة من أجل إنقاذ القدس وفلسطين من أيدي المحتلين الصهاينة، وهي مناسبة لتسليط الضوء على ما تتعرض له فلسطين وشعبها في الـ 48 أو في الـ 67 أو في الشتات أو في القدس الشرقية أو في صحراء النقب، ما يتعرض له هذا الشعب من حصار وتجويع وهذه الأرض من تهويد وهذه المقدسات من مخاطر.
اليوم في الثاني من آب 2013 نحن أحوج ما نكون إلى إحياء هذه المناسبة وإنّني أتوجه بالشكر إليكم جميعاً الذين شرفتمونا هذا اليوم في هذا الطقس الحار، ولبّيتم دعوة إمامكم الخميني (قُدّس سره الشريف). نحن أحوج ما نكون إلى إحياء هذه المناسبة للتأكيد على ثوابتها وقيمها ومعانيها:
أولاً: يجب التأكيد أنّ فلسطين التي نتحدث عنها هي فلسطين كل فلسطين، من البحر إلى النهر والتي يجب أن تعود كاملة إلى أهلها وإلى أصحابها الحقيقيّين ولا يملك أحدٌ في هذا العالم، لا ملك ولا أمير ولا رئيس ولا زعيم ولا شيخ ولا سيد ولا دولة ولا حكومة ولا منظمة أن تتخلّى أو أن تتنازل عن حبّة رمل واحدة من تراب فلسطين أو عن قطرة من مائها أو من نفطها أو قطعة من أرضها، ولا يملك أحد أي تفويض بذلك.
هذا الحق الغريب اليوم يجب أن يقال في شهر الحق في رمضان.
ثانياً : لقد وصف الإمام الخميني إسرائيل وصفاً واقعياً ودقيقاً جداً عندما سمّاها بالغدة السرطانية. هذا وجود سرطاني، وكلنا يعلم بأن السرطان طبيعته أن ينتشر في الجسد وأن يفتك، وأن الحل الوحيد للسرطان هو استئصاله وعدم الإستسلام له وعدم إعطاء الفرصة له.
إنّ إسرائيل التي هي قاعدة المشروع الصهيوني في المنطقة تمثل ـ أيّها الإخوة والأخوات ـ خطراً دائماً وهائلاً ـ وهنا علينا الإنتباه ـ فهي ليست خطراً على فلسطين وشعب فلسطين (فقط)، ونحن لا دخل لنا، ولبنان بخير وسوريا والأردن ومصر والعراق ودول الخليج وشمال أفريقيا وبقية الدول العربية والإسلامية نحن لا مشكلة لدينا، وإسرائيل هي مشكلة فلسطين والشعب الفلسطيني والفلسطينيين. هذا وهم وهذا تضليل وهذا جهل. إسرائيل هذه تمثل خطراً دائماً وهائلاً على جميع دول وشعوب هذه المنطقة ومقدّراتها وخيراتها وأمنها وكرامتها وسلامتها وسيادتها، ومن ينكر ذلك فهو مكابر. وبالتالي هي ليست تهديداً وجودياً لفلسطين وشعب فلسطين فقط، وإنما هي تهديد وجودي لكل دول وحكومات وكيانات وشعوب وحضارات هذه المنطقة.
ثالثاً : إنّ إزالة هذه الغدة السرطانية وهذا الكيان الغاصب، قد يظن البعض أنّه مصلحة فلسطينية. صحيح هو مصلحة فلسطينية ولكن ليس فقط (فلسطينية)، هو مصلحة العالم الإسلامي كله، وهو مصلحة العالم العربي كله، عندما نقول مصلحة قومية، وهي أيضا مصلحة وطنية لكل بلد من بلدان المنطقة. هنا لا يمكن التفكيك بين المصلحة القومية والمصلحة الوطنية. إسرائيل خطرٌ على الأردن، وزوالها مصلحة وطنية أردنية. إسرائيل خطرٌ على مصر، وزوالها مصلحة وطنية مصرية. إسرائيل خطرٌ على سوريا، وزوالها مصلحة وطنية سورية. وهكذا أيضا إسرائيل خطرٌ على لبنان، وإزالة إسرائيل مصلحة وطنية لبنانية.
رابعاً، وبناء على ما تقدم في ثانياً وثالثاً: إن كل من يقف في مواجهة المشروع الصهيوني ويقاومه في أي مكان في منطقتنا وفي العالم، وبأي وسيلة، فهو كما يدافع عن فلسطين وشعب فلسطين وعن القدس، هو يدافع عن وطنه هو، ويدافع عن شعبه هو، ويدافع عن كرامته هو، ويدافع عن مستقبل أولاده وأحفاده هو أيضاً.
خامساً: إن فلسطين والقدس ـ أيها الإخوة والأخوات ـ هي مسؤولية عامة وشاملة لكل فلسطيني، وأيضاً لكل عربي، مسلماً كان أو مسيحياً، ولكل مسلم في العالم، بل لكل إنسان في العالم، لأنها قضية حق، ولأنها مأساة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى.
نعم، مقدار المسؤولية وحجمها قد يتفاوت من دولة الى دولة ومن شعب الى شعب ومن جهة الى جهة ومن شخص الى شخص، هنا تدخل المقدرات والإمكانيات والظروف والجغرافيا، فهي بالدرجة الأولى مسؤولية الشعب الفلسطيني، ثم من يليه ومن يليه. ولكن هناك مقدار وهناك حد أدنى من المسؤولية على الجميع، ولا يستطيع أحد أن يتنصل من هذا الحد الأدنى من المسؤولية، الموقف السياسي هو حد أدنى من المسؤوليّة، الموقف الاعلامي، التضامن الشعبي، الدعم المالي للفلسطينيين. ومن الحدّ الادنى الذي سنسأل عنه يوم القيامة هو عدم الاعتراف بإسرائيل، بأصل وجود إسرائيل، بشرعية بقاء إسرائيل، هذا هو الحد الأدنى من المسؤولية الذي نتحمله جميعاً أمام الله يوم القيامة.
سادساً: التأكيد على أولوية هذا الصراع وهذه المواجهة مع المشروع الصهيوني المحتل لفلسطين والقدس ولأراضٍ عربية أخرى في لبنان وسورية. ولو أن منذ البداية عملت الأمة بهذه الأولوية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولما كانت كل هذه المعاناة وهذا المصائب التي يعيشها اليوم الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الشتات وتعيشها كل شعوب المنطقة، كل المجازر والويلات والآلام التي تحملناها في لبنان وتحملتها شعوب المنطقة بسبب هذا التخلي عن المسؤولية وهذا التخلي عن الأولوية.
أتمنى أن ننتبه هنا بالوضع الحالي، للأسف الشديد هناك اليوم في العالم العربي ومن خلفهم أميركا والغرب، دول وحكومات تمنع من هذه الأولوية وتصّد عن هذه الأولوية، ودائماً تريد أن تندفع الشعوب باتجاه أولوية أخرى، تصطنع له عدواً آخر، تخترع له حروباً أخرى.
منذ البدايات، المشروع الصهيوني يحتل فلسطين، وفي العالم العربي دول وحكومات ودعوات تقول: الأولوية هي لمواجهة المد الشيوعي، الخطر على الاسلام يأتي من المد الشيوعي، وبالتالي نسيت فلسطين. ومن أجل مواجهة المد الشيوعي خلال عقود من الزمن أنفقت مليارات من الدولارات وأسست تلفزيونات ووسائل إعلام، وكتب ومؤتمرات وشنّت حروب، وحتى الحرب في أفغانستان ذهب إليها مقاتلون من كل أنحاء العالم، من مصر وسورية والأردن والعراق ولبنان ومن فلسطين وهي أرض محتلة. حسناً يا أخي هذا إحتلال، لماذا تركتم فلسطين عشرات السنين وذهبتم لتقاتلوا في أفغانستان، وأنا لا أناقش في شرعية القتال في أفغانستان، وإنما أتحدّث بمنطق الاولويات.
حسناً، انتهى الاتحاد السوفياتي وهُزم في أفغانستان، وانتصرت الثورة الاسلامية في إيران وأعطت إضافة إستراتيجية للصراع مع العدو الاسرائيلي. مباشرة اصطنعوا لنا أولوية ثانية، صنعوا لنا حرباً واخترعوا عدواً جديداً اسمه المد الايراني والخطر المجوسي. في البداية لم يقولوا الشيعة. اليوم أريد أن أتكلم بالمسميات بأسمائها، لم يقولوا الشيعة، كان يقولون الإيرانيين والمجوس والفرس، ويهجمون على البوابة الشرقية للامة العربية، وخيضت حرب مع إيران 8 سنوات، وأنفقت فيها دول عربية مئات مليارات الدولارات، لو أُنفق ربعها أو خمسها أو عشرها لتحررت فلسطين، ولما كان الشعب الفلسطيني يعيش كل هذه المعاناة والمآسي
شُنّت حرب على إيران، هذه وقائع وهذه حقائق نحن عايشناها، وأُسست فضائيات لشن حرب على إيران، وانعقدت مؤتمرات وأُنفقت أموال وجُهزت جيوش لقتال إيران وليس لقتال إسرائيل.
كل دبابة تحصل عليها بعض الجيوش العربية وكل طائرة وكل صاروخ وكل سفينة حربية، هناك ضمانات لأميركا أن لا تُستخدم ضد إسرائيل، “إنعمل” عدو جديد، ثم وجدوا أن هذه اللغة، فرس ومجوس وكذا… لا تفيد مشروعهم، إخترعوا العدو وأعطوه إسماً آخر: المد الشيعي. بالله عليكم أين هو المد الشيعي؟ يقولون: يوجد في مصر مد شيعي وخائفون من المد الشيعي، أين هو المد الشيعي؟
إخترعوا عدواً والآن أتوا و”ركّبوا في رأس” الكثير من الجماعات الإسلامية أن العدو هو إيران، الأولوية هي مواجهة الخطر الشيعي والفكر الشيعي والمد الشيعي، وأن الخطر الشيعي هو أخطر على الأمة من إسرائيل ومن المشروع الصهيوني، ألا يُقال هذا الآن من على منابر العشرات والمئات من الفضائيات العربية الممولة خليجياً؟ ألا يُكتب هذا في الكتب وفي المقالات وفي صفحات الجرائد؟ ألا يُقال هذا في كل صباح ومساء ومن على منابر المساجد؟ بالنسبة إلى الكثيرين لم تعد إسرائيل عدواً ولم تعد إسرائيل خطراً، أتوا وركّبوا عدواً جديداً ومشروعاً جديداً، والأسوأ من هذا،أنهم ذهبوا إلى بعض الصراعات السياسية المحلية ليعطوها وليلبسوها لبوساً طائفياً ومذهبياً، وهذا تضليل أيضاً.
في مصر الآن يوجد صراع سياسي، يوجد انقسام حاد وكبير، هل هو صراع مذهبي؟ ليس مذهبياً بل سياسي، في ليبيا يوجد صراع سياسي كبير وإنقسامات حادة، هل هو مذهبي؟ في تونس يوجد صراع سياسي كبير، وفي اليمن يوجد صراع سياسي كبير.
نعم عندما نأتي إلى بلدان يوجد فيها تنوع ويوجد فيها تعدد، ولطالما عاشت من بركات هذا التنوع والتعدد، مثل سوريا ومثل لبنان ومثل العراق ومثل البحرين، يصبح الموضوع طائفياً ومذهبياً، وهو صراع سياسي ونزاع سياسي، ويدخل الخطاب الطائفي والخطاب المذهبي، وتُفتح ملفات التاريخ، يا أخي هذه المعركة سياسية فلماذا تأخذها إلى الطائفية والمذهبية؟ هذا يفعلونه عمداً وليس عن جهل، لأن هذا السلاح مدمر ولأن هذا هو من أكثر الأسلحة المدمرة في هذه المنطقة.
أيها الإخوة والأخوات وخطاب لكل من يسمع: ألم يئن لشعوب المنطقة أن تُدرك بعد كل الذي يجري من حولنا وعندنا،أنه يوجد هناك من يريد تدمير هذه المنطقة، تدمير دولها وتدمير جيوشها وتدمير شعوبها،ليس فقط تفكيك الدول والجيوش، وأيضاً تفتيت الشعوب، من مسيحيين ومسلمين وسنة وشيعة ودروز وزيدية وإسماعيلية وعرب وفرس وكرد وترك، ونتقاتل ونتخاصم؟ ألم يئن لشعوب المنطقة أن تعرف وتدل بإصبعها على الدول، من المؤسف أنه ليس لدينا إلى الآن قرار بأن ندل بإصبعنا ، ولكن كل هذه نفهمها، كلنا نفهمها، ألم يئن لشعوب المنطقة أن تعرف وتؤشر بإصبعها وأن تذكر بالأسماء من هي الدول التي ترعى هذا المشروع التدميري والحاقد، الذي هو أخطر مشروع يمر على منطقتنا.
أيها الإخوة والأخوات ، إن كل من يرعى التيارات والجماعات التكفيرية على إمتداد العالم الإسلامي فكرياً ومالياً وإعلامياً وتسليحياً، ويدفع بهم إلى ساحات القتال والقتل في أكثر من بلد، هو الذي يتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية كل المصائب والدمار الحاصل، والذي يُقدّم أكبر وأعظم الخدمات لإسرائيل وأميركا في المنطقة.
في يوم القدس نحن ندعو الجميع إلى وعي هذه المخاطر، وبذل الجهود المضنية في كل بلد، لحل مسائله بالحوار السياسي الداخلي، ووقف نزيف الدم من سوريا إلى تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى البحرين إلى العراق إلى باكستان إلى أفغانستان إلى الصومال، للأسف الشديد في كل مكانٍ لهذه الجماعات التكفيرية إصبع وقدم ستكون هناك المصائب.
نحن ندعو إلى حل المسائل بالحوار السياسي الداخلي ووقف نزيف الدم، وإعادة إحياء هذه الأولوية.
إننا في حزب الله كنا ندعو ونعمل وما زلنا نعمل للبحث دائماً عن المشتركات لنتلاقى عليها، في لبنان وفي خارج لبنان، وأن نُنظم خلافاتنا أو نؤجلها. اليوم نحن أحوج ما نكون إلى هذه المنهجية، لأن الخلافات باتت مدمرة. يوجد خلاف يهز الإقتصاد، ويوجد خلاف يهز الأمن قليلاً، ويوجد خلاف يهز النفوس قليلاً، لكن توجد خلافات تُدمر. الآن الخلافات وصلت إلى المرحلة المدمرة، إذا كنا سنترصد بعضنا عند أي خلاف ديني أو فقهي أو مذهبي أو فكري أو سياسي، وعلى هذا الخلاف بمعزل عن المشتركات نبني أحقاداً وعداوات وإنقسامات حاسمة، فلن نكون أمة جديرة بالحياة. اليوم نسمع خطباً ومواقف تضع وتصيغ عداوات جديدة، بين المسلم والمسيحي وبين أتباع المذاهب الإسلامية، وخصوصاً بين السنة والشيعة، بين العرب والفرس والكرد والترك، بين التيار القومي والتيار الإسلامي، يوجد أناس الآن من الإسلاميين فتحوا النار بشكل مكثف على كل شيء إسمه تيار قومي وعروبي ويساري وقومي، وللأسف الشديد يوجد أناس من التيار الآخر أيضاً فتحوا النار وكل شيء لديهم على كل شيء إسمه تيار إسلامي وأحزاب إسلامية. هذا يخدم من؟ هذا الجنون، هذه الغوغاء، هذه الفوضى الهائلة إلى أين ستصل بالجميع؟ هنا مسؤولية الحكماء والعلماء في كل بلد.
ومن أجل الأمة كلها، وليس فقط من أجل فلسطين والقدس، يجب أن تتضافر جهود الجميع في كل البلاد لإلحاق الهزيمة بهذا المشروع التدميري التمزيقي التخريبي. وأنا أقول لكم: أمتنا وشعوبنا ونُخَبنا وناسنا وأهلنا قادرون بإذن الله على أن يلحقوا الهزيمة بهذا المشروع، وهذا المشروع سيهزم إن شاء الله.
أيها الأخوة والأخوات: إننا في حزب الله نؤكد إلتزامنا بهذه الثوابت والمبادئ والأولويات التي يعادينا عليها أعداؤنا. مشكلة أعدائنا معنا هذا الفكر وهذا الإلتزام، وأحياناً يعتب علينا أصدقاؤنا أو بعض أصدقائنا، لأن هذه أولوية مقدمة على أولويات أخرى بنظرهم ولكنهم يعتبون ويتفهمون.
ولكن هذه الأولوية، نحن في يوم القدس نؤكد إلتزامنا القاطع بها.
أيها الأخوة نحن في حزب الله، وأنا أتعمد أن أقول هذه الجمل، نحن نحتاج إلى هذا التأكيد اليوم، سنبقى إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين ونحن حريصون على العلاقة المتينة والطيبة مع جميع الفصائل الفلسطينية، مع جميع القوى الفلسطينية، إن كنا نختلف معها أحياناً في عناوين وموضوعات قد تتصل بفلسطين نفسها، قد تتصل بسوريا، بالمنطقة، ولكن نحن دعاة اللقاء على المشتركات، فكيف إذا كان هذا المشترك فلسطين، وكيف إذا كنا أصحاب الشعار القدس تجمعنا؟ القدس يجب أن تجمعنا، وأي خلاف آخر، فكري أو عقائدي أو ديني أو مذهبي أو فقهي أو سياسي أو قطري، مهما كان الموضوع الآخر أو الموضوعات الأخرى التي نختلف عليها، يجب أن يبقى الإلتزام بفلسطين وقضية فلسطين وشعب فلسطين بمنأى عن هذا الخلاف.
في يوم القدس يجب أن نتوجه بالشكر الجزيل، ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، نتوجه بالشكر الجزيل إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وإلى الجمهورية العربية السورية على كل ما قدمتاه من أجل فلسطين وقضية القدس وما قدمتاه لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين مما أدى إلى إلحاق أكثر من هزيمة بهذا العدو وبهذا الكيان وبهذا المشروع.
نحن سنبقى، نحن في حزب الله، سنبقى المقاومة اليقظة الجاهزة لحماية بلدنا وشعبنا ومواجهة كل مؤامرات وأطماع هذا العدو، إلى جانب الجيش اللبناني الوطني الذي نوجه له من هنا التحية الكبيرة لقيادته وضباطه وجنوده وشهدائه وجرحاه.
في يوم القدس يجب أن نذكر إمام المقاومة السيد الإمام السيد موسى الصدر الذي أخذ بأيدينا على طريق القدس وهدانا في هذا الصراط المستقيم، ونطالب السلطات الليبية الجديدة بأن تتحمل كامل المسؤولية بما يليق بهذه القضية الخطيرة.
أيها الأخوة والأخوات، أنا أعرف في هذه الأيام هناك الكثير من التحريض المذهبي. الآن اسمحوا لي، أنا دائماً أتكلم كمسلم ووطني وقومي والذي تريدونه، إسمحوا لي هذه المرة أن أتكلم “شيعي”.
أنا اعرف أن هناك الكثير من التحريض المذهبي، هناك الكثير مما يقال في الفضائيات وعلى مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، وهناك الكثير من الأوصاف التي لا تليق أن يتلفظ بها إنسان تجاه الشيعة، وهذا مقصود، هذا ليس “فشّة خلق”. هناك أناس ربما يكونون مضللين، لكن من يقف خلف هذا الأمر هو يعرف ماذا يفعل. نفس هذا الذي يقف خلف هذا الأمر قد يأتي ببعض الشيعة، ببعض شيوخ الشيعة، ببعض الفضائيات الشيعية لتقوم بذات الأمر وتحرض مذهبياً وتسب وتشتم وتهين وتنال من رموز إخواننا أهل السنة وبقية أتباع المذاهب الإسلامية. وثقوا، الآن نحن في شهر رمضان وصائمون، الجهة نفسها هي التي تقف خلف الجماعتين، هي نفسها لأن هذا مقصود.
الأمر يبتعد أكثر من هذا ليصل إلى القتل والمجازر والسيارات المفخخة، كما يجري كل يوم في العراق وباكستان بشكل خاص، حسينيات ومساجد ومقامات وأسواق وطرقات إلخ.
هذه اللغة بدأت تكبر مع الأحداث في سورية، بدأت تكبر، ويشعر الإنسان من خلال الأقوال والأعمال أن من يقف خلف هذا الحراك كله هدفه أننا نحن الشيعة ننسى فلسطين، وننسى القدس، وننسى الشعب الفلسطيني، بل أكثر من ذلك، يصبح لدينا كراهية لكل شيء اسمه فلسطين وفلسطيني. هل تريدون صراحة أكثر من هذا؟ ما يُعمل عليه الآن هو هذا، أن يأتي يوم يصبح هؤلاء الشيعة في العالم العربي والإسلامي، الذين يتظاهرون في كل يوم قدس في كل البلدان الموجودين فيها ويتكافأون كما في باكستان بإرسال إنتحاريين يفجرون مسيرات الشيعة في يوم القدس، هؤلاء الشيعة يجب أن يخرجوا من المعادلة، من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وعندما يخرج الشيعة وهم جزء كبير من الأمة، صحيح هم ليسوا الأغلبية، ولكنهم جزء أساسي وفاعل وقوي ومؤثر، عندما يخرج الشيعة المطلوب أن تخرج إيران من المعادلة، وهم يريدوننا أن نصل إلى هذه النتيجة.
اليوم نقول لكل هؤلاء، لأمريكا، وإسرائيل والإنكليز “هم أشطر شي بهذه اللعب” وأدواتهم من دول إقليمية في منطقتنا، نريد أن نقول لكل عدو ولكل صديق، وهذه هي الحقيقة التي عمدت بالدم، وليست كلاماً أتحدث به على المنابر، هذه حقيقة عمدت بالدم، اليوم في يوم القدس، آخر جمعة من شهر رمضان المبارك 2013 ميلادي، نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدسات الأمة في فلسطين. قولوا عنا رافضة، قولوا إرهابيين، قولوا مجرمين، قولوا ما شئتم واقتلونا تحت كل حجر ومدر، اقتلونا تحت كل حجر ومدر، إقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد، نحن شيعة علي ابن ابي طالب لن نترك فلسطين.
ونحن حزب الله من بين هؤلاء، نحن الذين تربينا في مشروع المقاومة، كنا صغاراً فتياناً، شبيبة علي، هذا وعينا وعلى هذا كبرنا وعلى هذا تربينا وعلى هذا نمينا، المواجهة مع المشروع الإسرائيلي والدفاع عن هذه الأمة والدفاع عن فلسطين والقدس والمقدسات وعن لبنان وشعب لبنان وكرامة لبنان وسيادة لبنان. هو أمر اختلط بلحمنا ودمائنا وعروقنا، وورثناه عن آبائنا وأجدادنا وأورثناه لأولادنا ولأحفادنا، وعلى هذا الطريق قدمنا آلاف الشهداء وخيرة الشهداء، من السيد عباس إلى الشيخ راغب، إلى الحاج عماد، قدمنا فلذات أكبادنا وأعزائنا شهداء.
ولذلك أختم في يوم القدس لأقول لكل العالم:
نحن حزب الله، نحن حزب الله أيضاً سنتحمل مسؤولياتنا، بمقدار ما علينا من مسؤوليات.
ونحن حزب الله، الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثنا عشري، لن نتخلى عن فلسطين، لن نتخلى عن القدس، ولن نتخلى عن شعب فلسطين، ولن نتخلى عن مقدسات هذه الأمة.
رحم الله إمامنا الخميني، نصركم الله جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.