“السفير”: سلام يعرض وعون يرفض
يبدو أن الهاجس الأمني حرّك بقوة مشاورات التأليف الحكومي التي ارتفع منسوبها خلال الساعات الـ24 الماضية، وكان الرئيس المكلف تمام سلام هو محورها، في ما ظهر أنها محاولة منه لتبرئة الذمّة ورفع المسؤولية عنه، بعدما تصاعدت مؤخرا المآخذ على ضعف روح المبادرة لديه، وعدم خوضه مفاوضات فعلية مع الأطراف المعنية لتسهيل ولادة الحكومة الجامعة.
وعلى قاعدة “اللهم اشهد إني بلّغت”، زار الرئيس تمام سلام الرئيس نبيه بري في عين التينة، بعدما كان قد بادر أمس الأول، الى الاتصال بالعماد ميشال عون لتفعيل التواصل معه، ثم استقبل أمس كلا من الوزير جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين خليل والوزير وائل ابو فاعور، إضافة الى روني عريجي عن “تيار المردة”.
ولئن كانت هذه الحركة المكثّفة لسلام، استجابة لنصيحة الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، قد أوحت بأن طبخة الحكومة تكاد تنضج، إلا انه سرعان ما تبين أن أي تقدم حقيقي لم يسجّل فعلياً في اتجاه التوافق المنتظر، إذ أفادت المعلومات أن عون رفض عرض “رفع العتب” الذي قدّمه سلام مباشرة، بعد تسريبه بالواسطة قبل أيام، والقاضي بمنح “التيار الوطني الحر” حقيبتي “الخارجية” و”التربية”، استنادا الى توزيع جديد للحقائب السيادية، تنال بموجبه قوى “14 آذار” اثنتين منها هما “الداخلية” و”الدفاع”، وتحصل قوى “8 آذار” على اثنتين هما “المالية” (للرئيس بري) و”الخارجية” (للعماد عون).
ووفق المعلومات، لا يزال عون يرابط في المربع الأول معترضا على مبدأ المداورة بحد ذاته، ومصراً على الاحتفاظ بحقيبة الطاقة، الى جانب مطالبته بحقيبة خدماتية أساسية.
وقالت مصادر بارزة في “التيار الحر” لـ”السفير” إن مبادرة سلام الى التواصل مع “التيار” كانت “شكلية فقط، إذ لم تحصل مفاوضات حقيقية، وإنما كان هناك نوع من تبليغ بعرض محدد، إما أن نقبله وإما أن نرفضه”، لافتة الانتباه الى أن تأليف الحكومة لا يتم على هذا النحو.
وأبلغت مصادر واسعة الاطلاع “السفير” أن سلام أبلغ باسيل رسمياً أن حصة “التيار الحر” في الحكومة هي “الخارجية” و”التربية”، فردَّ عليه باسيل مؤكدا أن “مبدأ المداورة لا يزال مرفوضا من قبلنا لأنه يشكل استهدافا للتيار، وهو غير قانوني وغير دستوري”.
وأضاف باسيل مخاطبا الرئيس المكلّف: هل لك أن تعطيني تفسيراً واضحاً لسبب إصرارك على المداورة. نحن من جهتنا حدّدنا بوضوح أسباب رفضنا لها… ولكن ماذا عنك… هل تستطيع أن تقنعني بموقفك، أم أن هذه المداورة هي مجرد كيدية سياسية ضدنا؟
حاول سلام أن يمتص ردّ فعل وزير الطاقة، وطلب منه أن يأخذ وقتاً في التفكير، أقلّه حتى اليوم، بعدما يكون قد نقل العرض الى العماد عون، إلا أن باسيل حسم النقاش بالإصرار على رفض المداورة.
وعلم أن المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين خليل شجّع سلام خلال اللقاء معه على إنجاز تفاهم، يكون العماد عون جزءا منه، لا خارجه.
وإزاء إخفاق المحاولة الأخيرة للتوافق، رجّحت أوساط متابعة للاتصالات أن يلجأ الرئيس المكلّف خلال الأيام القليلة المقبلة الى عرض تصوره لحكومة أمر واقع سياسية على رئيس الجمهورية الذي يملك بتوقيعه إمكانية إقرارها او ردها، “علما أن الخيارات أصبحت ضيقة أمامه”.
ورجّحت الأوساط أن يكون سلام قد حاول جس نبض بري حيال رد الفعل الذي يمكن أن يصدر عن الثنائي الشيعي أو عنه تحديدا، في حال تشكيل حكومة أمر واقع.
وأبلغت أوساط سلام “السفير” أنه جرى إبلاغ عون بعرض رسمي في ما خص الحقائب الوزارية، مشيرة الى أن الرئيس المكلّف تعهد بأن تكون “الطاقة” بأيدٍ أمينة “لجهة استكمال ما بدأه الوزير جبران باسيل في ملف النفط بكل شفافية ودقّة وحرفية، بحيث لا يضيع جهده ولا تضيع حقوق لبنان النفطية”.
وأكدت أوساط سلام حرص الرئيس المكلّف على كل ما يحفظ التوازن الدقيق في التمثيل وتوزيع الحقائب لكل الاطراف “ومستعدون للمضي في التفاوض حتى النهاية، لكننا لا بد من أن نصل الى مرحلة اتخاذ القرار وخلال فترة قريبة جداً، لأن البلد بحاجة الى حكومة في أسرع وقت”.