«السفير» تنشر تقريراً شاملاً عن لقاء بندر مع بوتين: «لكم الاستثمارات وسعر النفط .. واعطونا سوريا»!
صحيفة السفير اللبنانية:
يستنتج تقرير ديبلوماسي يعرض نتائج «الاجتماع العاصف» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان، في شهر تموز الماضي، أن المنطقة الممتدة من شمال أفريقيا حتى الشيشان وايران مرورا بسوريا لا بل كل الشرق الأوسط، باتت تحت تأثير مواجهة روسية ـ أميركية مفتوحة، «وليس مستبعدا أن تتخذ الأمور لبنانيا منحى دراماتيكيا، بالمعنى السياسي والأمني، في ضوء قرار سعودي كبير، بالرد على انخراط «حزب الله» في الأزمة السورية».
يعرض التقرير في البداية ظروف انعقاد اللقاء الروسي والسعودي، فيشير الى أن الأمير بندر بالتنسيق مع الأميركيين وبعض الشركاء الأوروبيين، عرض أمام الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أن يقوم بزيارة لموسكو، يستعمل خلالها أسلوب العصا والجزرة الذي يتبعه معظم المفاوضين، فيقدم ما أمكن من اغراءات للقيادة الروسية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، على أن يأخذ منها، في المقابل، في أكثر من ملف في المنطقة وخاصة في سوريا وايران.
وافق الملك عبد الله على الاقتراح وبادر الى الاتصال صبيحة يوم الثلاثاء في الثلاثين من تموز بالرئيس بوتين، واتفقا بعد محادثة قصيرة لم تدم سوى دقائق قليلة، على أن يتوجه رئيس المخابرات السعودية الى العاصمة الروسية، وأن تبقى الزيارة قيد الكتمان.. وهكذا كان، وما ان وصل بندر الى موسكو حتى أحيطت ترتيبات الزيارة باجراءات سرية جدا، حتى أن السفارة السعودية لم تتخذ الاجراءات التي تتخذها عادة مع وصول مسؤولين سعوديين الى الاتحاد الروسي.
عقدت في العاصمة الروسية جلسة تمهيدية بين مدير الاستخبارات العسكرية الروسية العامة الجنرال إيغور سيرجون ورئيس المخابرات السعودية في مقر المخابرات العسكرية وتمحورت حول التعاون الأمني بين البلدين، وبعدها انتقل بندر الى أحد منازل بوتين في ضواحي العاصمة الروسية، حيث عُقد لقاء ثنائي مغلق استمر أربع ساعات ناقش جدول أعمال مؤلفا من قضايا ثنائية وأخرى تتصل بعدد من الملفات الاقليمية والدولية المشتركة.
العلاقات الثنائية
على الصعيد الثنائي، نقل بندر إلى بوتين تحيات الملك السعودي وتشديده على أهمية تطوير العلاقات وأنه يبارك أي تفاهم سيتم التوصل إليه خلال الزيارة، واستدرك بندر قائلا «أي تفاهم سنتوصل إليه في هذا الاجتماع لن يكون تفاهما روسيا سعوديا فحسب بل سيكون روسيا ـ أميركيا وأنا تحدثت مع الأميركيين قبل الزيارة وتعهدوا بالتزام التفاهمات التي نعقدها وخاصة في حال الاتفاق على مقاربة الملف السوري».
شدد بندر على أهمية تطوير العلاقات بين البلدين، معتبرا أن لغة المصالح يمكن أن توفر مساحات كبيرة من التعاون، وأعطى أمثلة عدة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والنفطية والعسكرية، وقال مخاطبا بوتين: «هناك الكثير من القيم والأهداف المشتركة التي تجمعنا، وأبرزها محاربة الإرهاب والتطرف في كل أنحاء العالم. روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعوديون يلتقون في قضية تعزيز وتوطيد الأمن والسلم العالميين. الخطر الإرهابي يتزايد في ظل ما أفرزه «الربيع العربي» من ظواهر، فلقد خسرنا أنظمة وربحنا تجارب إرهابية بدليل تجربة الأخوان المسلمين في مصر والجماعات المتطرفة في ليبيا».
وأضاف بندر: «على سبيل المثال لا الحصر، أنا استطيع أن أعطيكم ضمانة بحماية دورة الألعاب الشتوية في مدينة «سوتشي» على البحر الأسود في العام المقبل. المجموعات الشيشانية التي تهدد أمن الدورة نتحكم فيها ولم تتحرك في اتجاه الأراضي السورية الا بالتنسيق معنا. هذه المجموعات لا تخيفنا. نحن نستخدمها في مواجهة النظام السوري ولن يكون لها أي دور أو تأثير في مستقبل سوريا السياسي».
وتحدث بوتين شاكرا الملك عبد الله على تحياته وبندر على مداخلته، ولكنه قال له: «نحن نعلم بأنكم دعمتم المجموعات الارهابية الشيشانية على مدى عقد من الزمن، وهذا الدعم الذي عبرتم عنه بصراحة قبل قليل لا يتفق أبدا وما تفضلتم به حول الأهداف المشتركة لجهة محاربة الارهاب العالمي. نحن مهتمون بتطوير علاقات الصداقة وفق أسس واضحة ومتينة».
وقال بندر ما مفاده ان الأمر لا يقتصر على المملكة وهناك بعض الدول التي تجاوزت الأدوار المرسومة لها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قطر وتركيا. وأضاف: «نحن قلنا ذلك مباشرة للقطريين والأتراك ورفضنا دعمهم غير المحدود لـ«الأخوان المسلمين» في مصر وغيرها. دور الأتراك اليوم صار شبيها بدور الباكستان خلال الحرب الأفغانية. نحن لا نحبذ الأنظمة الدينية المتطرفة ونريد اقامة أنظمة معتدلة في كل المنطقة. تجربة مصر جديرة بالاهتمام والمتابعة ونحن مستمرون بدعم الجيش وسندعم وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي لأنه يحرص على علاقات طيبة معنا ومعكم، ونقترح عليكم أن تتواصلوا معه وأن تقدموا الدعم له وتوفروا كل الظروف لنجاح هذه التجربة. ونحن مستعدون لعقد صفقات سلاح معكم لمصلحة دعم هذه الأنظمة وخاصة مصر».
التعاون الاقتصادي والنفطي
ولكي يضيف اراء الذهب الى التحليل، قدم بندر بن سلطان مداخلة حول أوجه التعاون المحتملة بين البلدين اذا تفاهما على عدد من الملفات، وخاصة سوريا. وتوقف مطولا عند بند التعاون النفطي والاستثماري وقال: تعالوا ندرس معا كيفية وضع استراتيجية روسية سعودية موحدة في الموضوع النفطي. الهدف هو الاتفاق على سعر النفط وكميات الانتاج للحفاظ على سعر عالمي مستقر لأسواق النفط.
واضاف: نحن نتفهم اهتمام روسيا الكبير بالملف النفطي والغازي في البحر الأبيض المتوسط من اسرائيل الى قبرص مرورا بلبنان وسوريا، ونحن نتفهم حيوية أنابيب الغاز الروسية الى أوروبا، ولسنا في وارد المنافسة، ويمكن التعاون في هذا المجال كما في مجالات اقامة المصافي والصناعات البتروكيماوية. المملكة قادرة على توفير استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات في مجالات مختلفة في الأسواق الروسية. المهم أن نبرم تفاهمات سياسية حول عدد من الملفات ولا سيما السوري والايراني.
ورد بوتين بأن الأفكار المطروحة حول التعاون النفطي والغازي والاقتصادي والاستثماري جديرة بالبحث بين الوزارات المعنية في كلا البلدين.
سوريا.. أولاً
وقدم بندر مداخلة مطولة في الملف السوري عرض فيها تطور موقف المملكة من الأزمة السورية من حادثة درعا الأولى وصولا الى ما يجري حاليا، وقال «النظام السوري انتهى بالنسبة الينا ولأغلبية الشعب السوري الذي لن يسمح لبشار الأسد بالاستمرار على رأس السلطة. ان مفتاح العلاقات بين بلدينا يبدأ بتفهم مقاربتنا للملف السوري، بالتالي عليكم أن تتوقفوا عن تقديم الدعم السياسي وخاصة في مجلس الأمن الدولي، وكذلك الدعم العسكري والاقتصادي، ونحن نضمن لكم أن مصالح روسيا في سوريا وعلى ساحل المتوسط لن تمس قيد أنملة، فمن سيحكم سوريا في المستقبل هو نظام ديموقراطي معتدل وبرعاية مباشرة من قبلنا وسيكون صاحب مصلحة في تفهم مصالح روسيا ودورها في المنطقة».
موقفنا من النظام في سوريا لن يتغير أبدا. ونحن نعتقد أن أفضل من يتحدث باسم الشعب السوري هو النظام السوري نفسه، وليس أكلة الأكباد
حدة روسية.. لمصلحة إيران
وقدم بندر أيضا مقاربة سعودية لدور ايران الاقليمي، وخاصة في ساحات العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين ودول أخرى، وتمنى على الروس تفهم حقيقة أن مصالحهم ومصالح دول الخليج واحدة في مواجهة الأطماع والتحديات النووية الايرانية.
ورد بوتين عارضا موقف بلاده من تطورات «الربيع العربي» وخاصة ما جرى في ليبيا، وقال: «اننا قلقون جدا على مصر، ونحن نتفهم ما يقوم به الجيش المصري لكننا حذرون جدا في مقاربة ما يجري لأننا نخشى انزلاق الأمور الى حد اندلاع حرب أهلية مصرية ستكون مكلفة للمصريين وللعرب وللأسرة الدولية. أنا كنت أرغب في القيام بزيارة سريعة لمصر.. والأمر ما زال قيد البحث».
وفي ما يخص ايران، قال بوتين لضيفه السعودي ان ايران دولة جارة وتربطنا بها علاقات منذ قرون من الزمن، وهناك مصالح مشتركة ومتشابكة. «نحن ندعم حصول الايرانيين على وقود نووي لأهداف سلمية وساعدناهم في تطوير منشآتهم بهذا الاتجاه. بالطبع سنستأنف المفاوضات معهم في اطار مجموعة خمسة زائدا واحدا، وسألتقي الرئيس حسن روحاني على هامش قمة دول آسيا الوسطى وسنتطرق الى الكثير من ملفات التعاون الثنائي والاقليمي والدولي، وسنبلغه بموقف روسيا المعارض بشكل كامل فرض أية عقوبات دولية جديدة على ايران في مجلس الأمن الدولي. اننا نعتقد أن ما تم اتخاذه سابقا من عقوبات كان مجحفا بحق ايران والايرانيين ولن نكرر التجربة مجددا».
أردوغان في موسكو في أيلول
وفي الموضوع التركي، تحدث بوتين عن صداقته مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وقال: «تركيا دولة جارة أيضا وتربطنا بها مصالح مشتركة ونحن حريصون على تطوير علاقاتنا في شتى المجالات. في اللقاءات الروسية ـ التركية، قمنا باجراء جردة بالقضايا التي نختلف عليها وتلك التي نتفق عليها، وتبين أن عناوين الالتقاء أكبر من عناوين الخلاف. أنا أبلغت الأتراك وسأكرر موقفي أمام صديقي أردوغان، بأن ما يجري في سوريا يحتاج الى مقاربة مختلفة من قبلهم. حمام الدم السوري لن تكون تركيا بمنأى منه. عليهم أن يكونوا الأكثر اندفاعا في اتجاه ايجاد تسوية سياسية للأزمة السورية. نحن متيقنون من أن التسوية السياسية في سوريا حتمية، ولذلك عليهم أن يخففوا حجم الأضرار. خلافنا السياسي معهم في الملف السوري لا يفسد أمورا أخرى على صعيد التعاون الاقتصادي والاستثماري، ونحن أبلغناهم مؤخرا أننا مستعدون للتعاون معهم لبناء مفاعلين نوويين وهذا البند سيكون على جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء التركي لموسكو في ايلول المقبل».
بوتين: موقفنا من الأسد لن يتغير
أما في الموضوع السوري، فقد رد الرئيس الروسي على بندر قائلا: «موقفنا من النظام في سوريا لن يتغير أبدا. ونحن نعتقد أن أفضل من يتحدث باسم الشعب السوري هو النظام السوري نفسه، وليس أكلة الأكباد. في «جنيف واحد» اتفقنا مع الأميركيين على رزمة تفاهمات ووافقوا على أن يكون النظام موجودا في اطار أي تسوية. لاحقا، قرروا الانقلاب على جنيف.. وفي كل اجتماعات الخبراء الروس والأميركيين كنا نكرر موقفنا، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيؤكد في اللقاء المقبل مع نظيره الأميركي جون كيري أهمية بذل كل جهد ممكن للتوصل سريعا الى تسوية سياسية للأزمة السورية حقنا للدماء».
وما ان انتهى بوتين من مداخلته، حتى حذر الأمير بندر من أن مسار المحادثات يشي بأن الأمور ستتأزم أكثر، خاصة في الساحة السورية، ولو أنه قدر للروس تفهمهم للموقف السعودي في مصر واستعدادهم لدعم الجيش المصري برغم مخاوفهم المستقبلية على مصر. وقال رئيس المخابرات السعودية ان الخلاف في مقاربة الملف السوري يقود الى الاستنتاج أن «لا مفر من الخيار العسكري بوصفه الخيار الوحيد المتاح حاليا في ظل انسداد أفق أي تسوية سياسية، ونحن نعتقد أن انعقاد مؤتمر جنيف 2 سيكون صعبا للغاية في ظل هذا المناخ المحتدم».
واتفق الجانبان الروسي والسعودي في نهاية المحادثات على استمرار التشاور، على أن يبقى اللقاء قيد الكتمان.. قبل أن يبادر أحد الطرفين الى تسريبه عبر الصحافة الروسية أولا.