السعودية، بين المطرقة النووية وسندان الإرهاب
موقع قناة المنار ـ
أمين أبوراشد:
ربما آن الأوان لدول الخليج أن تستفيق على واقعٍ جديد، مع اقتراب مفاوضات الملف النووي بين إيران ودول “الخمسة زائد واحد” من خواتيمها في الثلاثين من يونيو/ حزيران مع احتمال تمديد التشاور لعدة أيام أو ربما أكثر لإزالة النقاط الخلافية الباقية، لأن القرار بإنهاء هذا الملف هو لصالح الغرب قبل أن يكون مصلحة إيرانية، وسواء تم إقرار الإتفاق المبدئي أو تمَّت تجزئته الى ثلاث مراحل كم تسرَّب أمس من فيينا، فليس أبلغ من كلام رئيس مجلس الشورى الإيراني السيد علي لاريجاني في تصريحه منذ أيام: أن كلام بعض وزراء الخارجية الغربيين عن عراقيل مع اقتراب نهاية المفاوضات ليس إلا كلاماً دعائياً، متوجها الى الغرب قائلا: “لا تجبروا إيران على مواصلة تقدمها النووي بشكل أسرع لأنكم ستضطرون لدفع المزيد مستقبلاً”.
ليس عبثياً كلام شخصية رفيعة كالسيد لاريجاني، لأن إيران ضاقت ذرعاً من تذبذب المواقف الغربية المُرافقة لهذه المفاوضات وبشكلٍ خاص المواقف الفرنسية، لأن باريس منذ بدايات البحث في هذا الملف عَرَضت في عهد ساركوزي ومن منطلق تجاري بحت، أن تتولى تخصيب اليورانيوم الإيراني على أراضيها، وكان الرفض الإيراني من المنطلق السيادي الذي لا مساومة عليه في بلدٍ صمد شعبه تحت حصارٍ جائرٍ على مدى عشر سنوات ولم ينكسِر للغرب على حساب سيادته.
ولم يعُد مهماً أن ترضى دول الخليج وفي طليعتها مملكة آل سعود او ترفض حقوق إيران النووية السلمية، لأن الحبر لم يجفّ بعد عن إتفاقيات عقدها وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان مع روسيا خلال زيارته الأخيرة لها ومن ضمنها ما يرتبط بإنتاج الطاقة النووية، لأن الأهم من وقف الإعتراض الذي لا طائل منه على الطموحات الإيرانية هو وقف الحروب التكفيرية التي ابتدعتها وموَّلتها بعض دول الخليج في سوريا والعراق واليمن على هامش استعراض العضلات في مواجهة إيران.
إن المُتابع لتصريحات المحلِّلين الكويتيين وغالبيتهم من نواب مجلس الأمّة أو من النواب السابقين تعليقاً على مجزرة مسجد الإمام الصادق، يتبيَّن له بوضوح حجم الرعب الذي تعيشه كافة دول الخليج، من عمليات “الذئاب المنفردة” التي أعلنتها داعش، وأقرَّ نائب كويتي سابق في إطلالة على إحدى الفضائيات مساء الأحد الماضي، أن “الوحش الذي ربَّيناه” وتركناه يعبث بأمن شعوب المنطقة وبخاصة في سوريا والعراق سوف يرتدُّ علينا، وسندفع الثمن من أمن وسلامة بلداننا عاجلاً أم آجلاً، لأن الوحش قد أفلت من عقاله ولم يُعد بحاجة الى تمويلنا، وهو يموِّل نفسه بنفسه من السرقة والنهب ومن الموارد الطبيعية التي يصل إليها ويأتي النفط في طليعتها.
وقال نائبٌ كويتي حالي ما معناه: “الشعب العربي عامة والشعوب الخليجية بشكلٍ خاص تتداول أكثر من أي وقت تصريحات هيلاري كلينتون على “اليوتيوب”، أن أميركا هي التي صنعت داعش منذ عشرين عاماً لمحاربة الإتحاد السوفياتي بأفغانستان، وأن دول الخليج هي التي موَّلت مدارس طالبان وهي التي خرَّجت الإرهابيين سواء المنتمين الى دولها أو من باقي الدول الإسلامية، وأننا بأنفسنا عمَّمنا ثقافة التكفير بين شبابنا وفقدنا السيطرة عليهم، والخوف ليس بارتداد الإرهاب إلينا مع عودة الإرهابيين من سوريا والعراق لأن الإرهاب بات ضمن خلايا داخل الدول الخليجية نفسها وعلينا العمل لمواجهة العواقب”.
ولعلَّ أخطر ما تواجهه دول الخليج حالياً، أن الإرهاب الذي تحالفت كلٌ من السعودية وقطر وتركيا على تمويله وتصديره وتسهيل تمريره الى سوريا والعراق، قد تتمكَّن تركيا من ضبطه جزئياً عن الداخل التركي عبر جدارٍ عازلٍ بارتفاع أربعة أمتار على الحدود مع سوريا، أو عبر حزامٍ أمني تحلم بإقامته في الشمال السوري بإدخال 12 ألف جندي تركي الى المدن السورية المتاخمة للحدود التركية رغم رفض قيادة أركان الجيش التركي حتى الآن أوامر أردوغان بهذا الخصوص، ويبدو أن قطر قد أجرت عملية الربح والخسارة في جدوى استمرار دعم “الأخوان المسلمين”، ومع الخضَّة التي أحدثتها في المجتمع السياسي والشعبي الكويتي جريمة مسجد الإمام الصادق، ومطالبة شرائح الشعب بإقفال كافة المحطات التكفيرية على الأراضي الكويتية درءاً لفتنة سنية شيعية تغذِّيها هذه المحطات، تبقى السعودية وحيدة في مواجهة ثلاثة إستحقاقات قد تهزّ أركانها في القريب العاجل.
أولاً: إن الملف النووي الإيراني قد خرج من التداول في علاقات أميركا والغرب بالسعودية، لا بل أن نجاح المفاوضات في هذا الملف سيكون أقلّ ضرراً على السعودية لأنها لن تتحمَّل ردَّة الفعل الإيرانية على المستوى السياسي والديبلوماسي لو تعرقلت هذه المفاوضات.
ثانياً: إن الوحش التكفيري الذي تربَّى بدعم أميركي خليجي مشترك قِبلته في النهاية الكعبة المشرِّفة كما سبق وصرَّحت مصادر داعش علناً، وما على السعودية سوى تقليم مخالبه في سوريا والعراق قبل أن تمتدّ هذه المخالب إليها والى سائر دول الخليج.
ثالثاً: إن السعودية التي ورَّطت نفسها في حرب اليمن لمقارعة إيران قد خسِرت هذه الحرب وسوف تتلقى تداعياتها سواء عبر الإنتقام الإرتدادي على حدودها الجنوبية القريبة أو في عمق العاصمة الرياض عبر صاروخ سكود الذي دكَّ قاعدة عسكرية ليلة أمس، أو بثورة الجياع التي بدأت تلوح منذ أكثر من شهر وتهدِّد نصف الشعب اليمني بالموت وبالتالي تهدِّد بالإنفجار البشري بوجه السعودية.
وفي المحصِّلة، فإن التصريح العنيف لرئيس الوزراء البريطاني نتيجة مقتل ثلاثين من مواطنيه في منتجع سوسة التونسي، وما حصل في ليون الفرنسية وبعدها مجزرة الكويت، والإغتيالات الإرهابية التي تحصل في مصر وكان آخرها مقتل النائب العام، وما ترتكبه “الذئاب المنفردة” في أكثر من دولة في الإقليم والعالم، سيدفع بالسعودية عاجلاً جداً لفتح ذراعيها والترحيب بالإنجاز النووي الإيراني الذي سيغدو أمراً واقعاً، وستجد نفسها صاغرة لحجم إيران الإقليمي والدولي، في بحثها عمَّن يُنقذها من مستنقع اليمن أولاً وثانياً من جحيم ارتدادات الإرهاب عليها وعلى سائر بلدان الخليج، خاصة بعد انتفاضة الدبّ الروسي أمس وإعلانه دعم الأسد بكل إمكاناته لمحاربة جحافل التكفير التي تخرَّجت من المدارس الوهَّابية، وستدفع كافة دول الإقليم بما فيها عرش آل سعود أثماناً باهظة وعلى مدى سنوات طويلة للقضاء عليها…