السعودية وقطر تستبدلان خطة بندر السورية: إعادة هيكلة لـ«الجهاديين» والتسليح والأولويات
رئيس الاستخبارات السعودية السابق بندر بن سلطان لم يخرج من سوريا تماما. خلفاؤه السعوديون يواصلون العمل على قيادة «الثورة السورية» عبر إعادة هيكلة جماعاتها «الجهادية»، لأنه، كما يقول مسؤول سعودي لا يمكن الاعتماد على السوريين وحدهم لإنجاح «الثورة»، وينبغي القيام بها مكانهم.
مع ذلك، القطريون والسعوديون، والأردنيون معهم، يستكملون دفن البندرية في سوريا. والملاحظة الأولى على خروج البندرية من الميادين السورية، هي التقارب القطري ـ السعودي، والاتفاق على إدارة المعارضة السورية المسلحة، وإعادة تنظيمها، خصوصا في الشمال، والذي فرض على القطريين ليس إعادة النظر بدعمهم للإسلام السياسي ولكن للسلفية «الجهادية» برمتها.
كانت خطة بندر تنص على إنشاء «جيش» من ٦٠ ألف مقاتل، وتم تخصيص خمسة مليارات دولار لتسليحه، وعرضت معسكرات لتدريبهم في كل مكان، من الأردن فقطر، وحتى مدينة الطائف السعودية. وكان الأميركيون يعملون مع الاستخبارات الأردنية والسعودية، وزعماء بعض العشائر في المنطقة الشرقية السورية، على تجنيد أبناء عشائر شمر، والجبور، والبقارة، والمواسمة، والقرعان والعقيدات. وينم تعيين احمد الجربا الشمري على رأس «الائتلاف الوطني» المعارض عن رسوخ الخيار العشائري لدى بندر والأميركيين.
وصحت مخاوف «الجهاديين»، خصوصا تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في النظر إلى المشروع البندري، بأنه يشكل «مجالس صحوات»، ستوجه بنادقها إليهم، عندما ينجز أعضاؤها أهدافهم ضد الجيش السوري. وكان الأميركيون، الذين ينظرون إلى سوريا من زاوية تجربتهم العراقية، يشجعون الخطة لأنهم ينظرون إلى شرق سوريا بالطريقة ذاتها التي نظروا فيها إلى الانبار العراقي المجاور قبلها: كتلة صلبة من العشائر تتفوق فيها العصبية القبلية على الالتزام الديني، وجاذبية السلفية «الجهادية»، وتحصنها من الاختراق «القاعدي»، وتؤهل أفرادها لقتال «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما عندما تحين الساعة.
وكان العمل على تنفيذ خطة بندر قد استغرق عاما من التحضيرات، عندما اتخذ القرار بنزع الملف السوري منه وايلائه إلى وزير الداخلية محمد بن نايف. وتم تجنيد المئات من المقاتلين، الذين تلقوا تدريبات أميركية وأردنية وباكستانية، وتدفقت أسلحة كثيرة إلى الأردن خصوصاً .
لكن التخلي عن خطة بندر لا يعود إلى فشل صاحبها في تنفيذها، كما يسود الاعتقاد اليوم، وهو اعتقاد لا يعكس حقيقة أن معظم العمليات والجماعات التي اختار تمويلها، بانتظار إنشاء «الجيش» العشائري والتي كانت تهدد دمشق، خطط لها ومولها الأمير السعودي، خصوصا العملية الكبيرة في العتيبة في الغوطة الشرقية ضد الجيش السوري في تشرين الثاني الماضي.
في الواقع لم يعط بندر الوقت الكافي للذهاب بعيدا في تنفيذ الخطة، والإعداد لعمل عسكري كبير، انطلاقا من الجنوب السوري نحو دمشق، كان يعتقد انه السبيل الوحيد لإسقاط النظام السوري. كان رئيس الاستخبارات السابق يملك خريطة طريق للذهاب إلى دمشق، لكنها تتطلب وقتا اكبر مما يمكن أن ينتظره منافسوه في الرياض، من جهة، وتهدد من جهة أخرى حتى الحليف الأردني.
كما أنها خريطة طريق مكلفة للولايات المتحدة، إذ تذهب طموحات بندر ابعد مما باتت تريده واشنطن في سوريا، التي لم تعد تسعى، بعد صفقة «الكيميائي» ونزعه، إلى حل عسكري على الطريقة البندرية، يطيح بالأصدقاء والأعداء معا، ويقوض أسس أي استقرار في سوريا لسنوات طويلة، ويهدد امن إسرائيل والأردن.
اعترض الأردنيون على خطة بندر وارتداداتها عليهم، وطلبوا نقل عمليات التدريب إلى الطائف. والأردنيون ليسوا لاعبين ثانويين في الحرب ضد سوريا وخياراتها. وكان الأردنيون شكوا إلى الأميركيين، خلال الزيارة الأخيرة للملك عبد الله الثاني إلى واشنطن، خطر أي هجوم واسع ينطلق من الأردن على أمنهم، وإيواء «جيش» من 60 ألف مقاتل، على المدى المتوسط ورعاية هجوم على دمشق، من عمان. وشكا عبد الله للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته إلى موسكو قبل أسبوعين، تأخر الجيش السوري في الحسم عسكريا في منطقة درعا. وشكا الأردنيون لدى الأميركيين مخاوفهم من انفلات أمر الجماعات السورية المسلحة وعدم القدرة على السيطرة على تدفقها عبر الحدود على الجبهة الجنوبية، إذ يدرك الأردنيون أن أي هجوم واسع سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من السوريين إلى الأردن، ومفاقمة أزمتهم في أحسن الأحوال، أما سقوط النظام السوري فسيعني الأسوأ، وبدء العد العكسي لسقوط النظام الهاشمي نفسه، مع عودة الإسلاميين منتصرين إلى عمان.
ما هي الخطة البديلة، وكيف يعمل القطريون والسعوديون على بلورتها؟
يقول خبير غربي، عائد من الشمال السوري، إن السعوديين والقطريين، يعملون معا على بديل لخطة بندر، يعتمد على الحشد في الشمال السوري، وتغيير سياستهم تجاه الجماعات «الجهادية»، وإعادة هيكلة الجماعات التي تديرها غرفة عمليات موحدة في أنطاكيا، وعدم الاكتفاء بدعم أمراء الحرب السوريين بشكل منفصل، أو تمويل بعض العمليات المحدودة ضد مواقع الجيش السوري.
ويهدف هذا التعاون، في المرحلة الأولى، إلى اختيار أفضل المجموعات المقاتلة والأقل تطرفا أو صلة بتنظيم «القاعدة»، مثل «فيلق الشام»، و«أنصار الحق»، وبعض كتائب «جبهة ثوار سوريا»، وتجميع الكتائب الصغيرة، مثل «نور الدين زنكي» في حلب، وتوحيد الكتائب المحلية المتفرقة التي تبايع «النصرة» و«داعش» لأسباب مالية وليس إيديولوجية.
ويعتقد ضباط الاستخبارات القطرية والسعودية والتركية أن الجماعات «الجهادية» لن تشكل قوة كبيرة، إذا ما فكت الجماعات المحلية التحالف معها، وان نواة «النصرة» أو «داعش»، أو «أحرار الشام»، لن تكون ذات أهمية، إذا ما جرى تفكيك تحالفاتها مع مقاتلي البلدات والقرى في الشمال السوري، خصوصا في حلب وادلب.
وتهدف إعادة الهيكلة هذه إلى تأمين الأرض التي تسيطر عليها المعارضة والكانتونات التي تديرها، وحماية حلب من تقدم الجيش السوري. وهدفت العملية الأخيرة ضد مقر الاستخبارات الجوية وريف حلب الغربي بشكل عام إلى وقف تقدم الجيش في حلب الشرقية المهددة بحصار. كما يتم العمل على رفع مستوى التسليح وزرع المؤيدين والأنصار، داخل الجماعات المسلحة لتسهيل التنسيق بينها، واستئناف القتال ضد الجيش السوري بشكل أوسع.
ويذهب القطريون في تقاربهم مع السعوديين، الذين يعملون على إضعاف الإسلام السياسي، إلى حد الاتفاق على حجب المساعدات عن جماعة «الإخوان المسلمين» في المنطقة، ووقف تمويل اكبر الجماعات المقاتلة التي طلبت الرياض وقف تمويلها من الدوحة، مثل «أحرار الشام» التي كانت الفصيل الأقوى في الشمال السوري. ويشكو مقاتلو «أحرار الشام» من عدم دفع رواتبهم منذ أربعة أشهر، ونقص التمويل والذخائر، وهو أمر كانت قطر، وشبكات سلفية كويتية تقوم به، حتى وقت قريب.
ومن الواضح أن السعوديين، وليس الأميركيين، هم من يقرر العمل العسكري ضد الجيش السوري، لكن السعوديين يلتزمون بالخطوط الحمراء الأميركية، في إطار إعادة الهيكلة القائمة: لا صواريخ مضادة للطائرات، ومواصلة التدريب والإعداد، ولا تعاون مع الجماعات الموضوعة على لائحة الإرهاب، مثل «جبهة النصرة»، رغم أن الأميركيين أنفسهم حاولوا، مع سفيرهم السابق لدى سوريا روبرت فورد، وفشلوا في استمالة «أحرار الشام» التي قادها أبو خالد السوري حتى مقتله قبل شهرين. ولا تختلف «أحرار الشام» كثيرا عن «النصرة» في طبيعتها «القاعدية»، خصوصا في نواتها الأساسية من قدامى «الجهاد» الأفغاني.
وبدأ الأتراك منذ أسابيع مراقبة أكثر جدية لمعابر الحدود مع سوريا، والبحث عن الأسلحة التي لا يريدون أن تذهب إلى جماعات «القاعدة»، أو تلك التي لا تخضع لتوجيهات غرفة العمليات الموحدة في أنطاكيا، أو تتمرد على الاستخبارات التركية. وبات عاديا جدا أن تمتد قوافل الشاحنات كيلومترات طويلة عند معبر باب الهوى، وان تنتظر أسبوعا أو أسبوعين أحيانا، لتمرير حمولتها على جهاز المسح الضوئي (سكانر)، والتأكد من احترامها لأوامر غرفة العمليات السعودية- القطرية- التركية .
ويبدو أن إعادة الهيكلة ستؤدي، بحسب خبير غربي في الشمال السوري، إلى إضعاف الجماعات «الجهادية» الكبيرة، وإخضاعها للإستراتيجية السعودية، من دون العثور فعلا عن محور وسطي معتدل.
ويأتي الترويج لقائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف في إطار إعادة الهيكلة الجارية. وجرى تقديم متعهد البناء، والمهرب السابق في جبل الزاوية، بديلا معتدلا عن «الجهاديين»، وعن «هيئة أركان الجيش الحر» الفاشلة، لكن تصريحاته الى صحيفة «الاندبندنت» البريطانية مؤخرا عن «عدم عدائه للقاعدة التي تقاتل بجدارة النظام السوري»، فضلا عن فساده، كشفت عبث الرهان على بلورة محور معتدل.
محمد بلوط – صحيفة السفير اللبنانية