السعودية وخدعة الهدنة وإستمرار الرهانات الخائبة
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يتحدث بعض مفكري الغرب عن تسلح جديد غير عسكري في مجالات بدائل الطاقة وفتح علاقات تجارية جديدة لتفادي التناقض الجيوسياسي في حرب باردة جديدة تودّ أمريكا قيادتها في مواجهة روسيا والصين، وتود التمادي بها على مستويين رئيسيين، هما الخطاب الأيدلوجي الليبرالي المتعصب، وإعادة مفهوم الستار الحديدي بعزل روسيا والصين وفقًا لمنطق العقوبات.
بينما نجد الفكر العربي – إن جاز تسميته فكرًا – يحوم حول فكرة التبعية وتقديم أوراق الولاء والنفاق للقوة التي يتوسم أنها قادرة على حمايته، دون بذل أدنى جهد في التفكير لإعادة صياغة مفهوم للأمن الجماعي وانتهاز الفرصة التاريخية للخلاص من الاستعمار وإعادة فرض الذات قبل تشكل النظام العالمي الجديد بتفاصيله الجديدة. وهنا نجد ثلاثة نماذج في منطقتنا:
الأول: نموذج يرى امتدادًا محتملًا للحماية الأمريكية ويحاول تسفيه حقيقة تشكل نظام عالمي جديد، بل يحاول ترويج فكرة أن العالم ينتظر نتيجة المعركة في أوكرانيا ليرى إن كان هناك نظام جديد أم استمرار للنظام الأحادي القديم.
وهذا النموذج يشمل دولًا وقوى سياسية في كل قطر، لا تستطيع التملص من الأوامر الأمريكية ولا تستطيع استيعاب التوازنات الجديدة والتحولات الاستراتيجية.
الثاني: نموذج يحاول التحوط وموازنة الأمور بوضع قدم هنا وقدم هناك وهو يمارس التقية السياسية بانتظار المعسكر المنتصر للتحول إليه والانتقال لحمايته واستمرار ممارسة هوايته في التبعية.
الثالث: معسكر المقاومة والذي كان شريكًا في صناعة الأحداث والتحولات بصموده أمام الحصار والعدوان، وهو لا ينتظر نتائج الصراع الدولي عارفا بطريقه وثوابته.
ولعل تقريرًا حديثًا نشرته وسائل الإعلام الصهيونية يوضح حقيقة المعسكرات، حيث نشر موقع ديبكا الصهيوني تقريرًا نقلا عن مصادر خليجية، أفادت بأن السعودية والإمارات العربية المتحدة تواصلتا في الأيام الأخيرة مع “إسرائيل” لمساعدتهما في إقناع واشنطن بالتوقيع على معاهدة دفاعية رداً على “الهجمات الصاروخية” والطائرات المسيرة التي أطلقها اليمنيون.
وقال التقرير إن كلا من الرياض وأبو ظبي تطلب أن تقدم الولايات المتحدة أنظمة اعتراض متطورة كجزء من اتفاقية دفاعية، وكانت آخر مرة طُرحت فيها هذه المسألة للمناقشة خلال مؤتمر النقب، عندما أثار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الموضوع في لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، وأن وزير الخارجية الأمريكي تجنب الإجابة!
هنا نرى أن السعودية التي توحي بالرغبة في إنهاء الحرب باليمن بإعلان هدنة طويلة، لم تفقه شيئا من دروس المقاومة ولا التاريخ، بل تعلمت فقط من الدروس الصهيونية حيث تحاكي سياسة نتنياهو في معركة “سيف القدس”، عندما أوقف إطلاق النار من طرف واحد حتى لا يتقيد باتفاق أو التزامات ليحتفظ بحق الرجعة في العدوان، وهو ما تحاول السعودية فعله على هامش الهدنة من اتصالات خفية مع امريكا والعدو الصهيوني لعقد أحلاف دفاعية كي تعالج هزيمتها المدوية بنجاح المقاومة في اختراق عمقها واستهداف أهداف استراتيجية مؤثرة.
ربما تقول الأخلاقيات إن العودة الى التعاون العربي والإسلامي هو الطريق الأمثل للمصلحة العامة وبه ضمانة لطرد الاستعمار ونفوذه.
وربما تقول البراجماتية إن التوازنات تغيرت وإن المصلحة تكمن في التعاون مع القوى الطبيعية بالإقليم والاعتراف بتوازنات القوى والحوار للقضاء على أية هواجس أو مخاوف.
ولكن هناك دول وقوى لا تصغي للعقل ولا للأخلاق، بل تصغي لخيارات بالية أثبتت فشلها من حيث الاستقواء بالأعداء وإدمان التبعية.
هناك قواعد جيولوجية تنطبق على علم السياسة أيضًا، وهي أن المركز تزداد درجة حرارته عن السطح، وهو ما ينطبق على الصراع الدولي، حيث يتحمل صراع القوى الكبرى على السطح حربا باردة ونارا هادئة لحسم الصراعات وتشكيل النظام الجديد، بينما في الداخل وهو ما تمثله الأقاليم وصراعاتها الإقليمية، لن تسمح درجات الغليان والانصهار بالانتظار طويلا لحسم الصراع الدولي، وقد تباغت التحولات من يتوهمون أن بإمكانهم الانتظار.